ترامب ليس بعبعًا، والأردن ليس دولة رخوة
هل من مبرر للقلق من قدومه؟
المصالح الأردنية هي الأساس في الحكم على سيد البيت الأبيض
من تصدى لصفقة القرن قادر على التصدي لصفقات قادمة
.تصريحات الأردن عن الشعب والجيش والملك تجعله يدرك مخاطر الصفقة ونقاط القوة
الأنباط – عمر كلاب
"المسألة لا تتعلق بسياسة مختلفة، بل بالخطط المطروحة"، هكذا تحدث الملك عبد الله عن العلاقة مع رئيس الولايات المتحدة، سواء كان من الحزب الجمهوري أو الحزب الديمقراطي، والقارئ لشكل العلاقة القادمة مع سيد البيت الأبيض يجب أن يبدأ من هذا المفصل الملكي، وليس من غيره، فلا التشاؤم والتحذير منطقي، ولا الإغراق في التفاؤل حميد، فما يحمله الرئيس ترامب ما زال مسكونًا بالانتخابات وجذب الأصوات، وحتى شكل الفريق لم يتضح بعد، رغم ما نشر حتى اللحظة.
وللقراءة السياسية، لا الرغائبية، يجب أن نبدأ من مواقف الرئيس ترامب من الأردن، فهو الرئيس الذي رفع المنحة والمساعدات، وهو الذي أشاد بالشعب الأردني المضياف حسب تعبيره، وأشاد بالقوات المسلحة – الجيش العربي – وهو الذي يمتلك علاقة صداقة مع الملك عبد الله ويصفه دومًا بالجندي المقاتل الشجاع، ومنتج هذا المثلث، يقول بأنه يدرك أن الأردن ليس فقط حليفًا استراتيجيًا، بل هو فوق ذلك من حيث الموثوقية وسداد النصيحة، والعلاقة البينية شديدة القوة، ولا تتأثر بمقدم رئيس أو رحيل آخر، كما أشار وزير الاتصال الحكومي محمد المومني في أول رد فعل رسمي على فوز ترامب.
إذن، لماذا كل هذا الخوف والقلق الذي تنثره نخب سياسية، بمجملها، نخب محافظة سياسية، سواء من تيار الإسلام السياسي أو من تيار البيروقراطيين السابقين؟ فكلهم قلقون على الهوية الأردنية ببعديها الجغرافي والديمغرافي، وكأن الهوية ببعديها رخوة وقابلة للطي أو التحول، كما يقول سياسي فضل عدم الكشف عن اسمه، مسترسلاً، وهل كانت خطوات الرئيس بايدن تحمل غير ما تحمله قرارات ترامب بخصوص نقطة القلق الأردنية، وأعني القضية الفلسطينية؟ والحديث لنفس السياسي، الذي يرى أن نقطة الصدام الدائم مع كل الإدارات الأمريكية كانت حيال الخطط المطروحة لحل القضية الفلسطينية.
وبالعودة إلى الوراء قليلاً، نسترجع أن الملك هاتف ترامب مباركًا، وقال في اتصال هاتفي مع ترامب: "نتطلع إلى العمل معك مجددًا لتعزيز الشراكة طويلة الأمد"، وهنا يجب التركيز على مفردة "مجددًا"، بمعنى أن العلاقة متصلة، والصداقة التي تحدث عنها الملك مع كل الرؤساء الأمريكيين في مقابلته مع فؤاد زكريا للمحطة الأمريكية الشهيرة، قائمة ومتصلة، حتى في لحظات الاشتباك العنيفة مع إدارة ترامب وقبلها مع إدارة بوش الأب في عهد الراحل الحسين. فالأردن يكتسب قوته من اعتداله، وتمسكه بمبدئه الإنساني، وقبل كل ذلك بصلابته الذاتية، وحجم الطلب العالمي لدوره في إقليم ملتهب.
شكل العلاقة بين الأردن والولايات المتحدة مربوط على وترين: الأول، وهو الثنائي، وهو قوي ومتين، والثاني، وهو البيني، وهو متأرجح بين التوافق في ملفات الحرب على الإرهاب ونشر السلم العالمي والمشاركة فيه، ومتباعد حد الافتراق في ملفات فلسطين ومتأرجح حيال قضايا المنطقة في العراق وسوريا، وهذه المنظومة من التوافق والتباين والافتراق، أدارها الملك بكفاءة عالية، فهو وقف بصلابة ضد صفقة القرن وعارض ضم الضفة الغربية إلى الأردن، التي طرحها ترامب على الملك عبد الله، كما أشار كتاب بقلم بيتر بيكر، مراسل البيت الأبيض لصحيفة نيويورك تايمز، وسوزان غلاسر، كاتبة في صحيفة "نيويوركر"، والذي وصف ردة فعل الملك بالقوية، وقال نقلاً عن الملك: "لقد كدت أصاب بضيق التنفس".
الملك واضح في مواقفه ويدرك حجم تأثير الرئيس في القرار الأمريكي، ويعرف ويتقن التعامل مع مفاتيح صنع القرار في واشنطن، لكسر حدة القرار إن لزم الأمر، بدليل ما حدث في صفقة القرن ولاءات الملك الثلاث، كما أن وزنه الدولي لا يخفى على ترامب وإدارته، ومسنود بموقف شعبي راسخ في القضايا المفصلية وتحديدًا قضية فلسطين، وبالتالي التخوفات المرسلة من قطاعات أردنية محافظة، تنتمي في جلها إلى الحزب الديمقراطي بوصفه الأقل ضررًا، لم تأخذ مسارها الصحيح، تحديدًا في تقوية البعد الداخلي وتمتينه على أسس أردنية سليمة، بدل الإفراط في التخويف والتنفير.
يبقى الجانب الأمريكي، وتحديدًا الرئيس ترامب، الذي يحب الأقوياء ويؤمن بنظرية الصفقات، كما قال خبير ألماني نقلاً عن صحفي أردني، وهذه اشتراطات متوفرة في الأردن وقيادته، وأقصد من حيث القوة. أما نظرية الصفقة، فواقع الإقليم بعد زلزال دمشق وتبعات السابع من أكتوبر، فهي كلها تزيد من حجم الطلب على الأردن، والتمس العذر من الجملة، لكنها تأتي لتوضيح مفهوم الصفقة السابق، فالأردن اليوم مطلوب أكثر من غيره، بحكم موقعه الجيوسياسي، وقدرته على التكيف والاحتواء، وهذه مهارة أردنية خالصة، يتمتع بها الأردن دون غيره من دول الإقليم.
الدبلوماسية الأردنية، التي نجحت في احتواء صفقة القرن، ونجحت في نقل بشاعة حرب الإبادة على غزة، بلغة جسورة، وبمواقف صلبة، قادرة على التفاعل والتعامل مع الإدارة الأمريكية القادمة، وعلى كثيرين أن يقلقوا ليس على الأردن، بل على واقع عربي ما زال مشوشًا ومرتبكًا، ولا يحمل مشروعًا قوميًا مع ما يجري في إطاره، التي تقضمها مشاريع إقليمية متنوعة، دون وجود مشروع عربي وازن أو متوافق عليه، ولعل هذا هو الناقص في معادلة التكيف والاحتواء الأردنية، وليس المناعة الذاتية وصلابة القيادة.
ترامب القديم لا أظنه هو العائد في العشرين من الشهر القادم، رغم كل ما يتسلح به من أغلبية في النواب والكونغرس، والأردن ليس دولة رخوة، بل لديها من عناصر القوة ما يجعلها صامدة وقادرة ذاتيًا على الحفاظ على نفسها، وهي معنية بالدرجة الأولى بالإجابة عن أسئلتها الوجودية، وليس الإجابة عن أسئلة الإقليم ومشاكله وتفاعلاته المحكومة بسلسلة تعقيدات، لم يسهم الأردن في أي تعقيد فيها.