تداول العقار.. التراجع يستمر ودعوات لإنقاذ القطاع
عايش: ارتفاع الفوائد والكلف تعيق نمو القطاع
الأنباط – عمر الخطيب
ماتزال حالة عدم اليقين، التي تتغذى على التوترات الإقليمية، تسيطر على قطاع العقار، الأمر الذي يظهر في استمرار تراجع حجم التداول في القطاع الذي يُعد من الأكثر حيوية في الاقتصاد الوطني، بحسب خبراء.
ويرى خبراء آخرون أن الأسباب الرئيسية تتجاوز العوامل الخارجية، لتسهم أسباب محلية أخرى في هذا التراجع، وأبرزها أسعار الفائدة وضعف القدرة الشرائية والأعباء الضريبية.
ولمعالجة هذا الملف، دعا الخبراء لوضع سياسات قصيرة وطويلة المدى يمكن أن تسهم في دعم القطاع العقاري وتعزيز الطلب، إضافة للإجراءات الحكومية الأخيرة مثل إعفاء رسوم التسجيل بنسبة 50% للشقق الصغيرة، وإعفاء رسوم المسقفات لمدة ثلاث سنوات.
وطالبوا بإطلاق برامج تمويلية ميسرة لدعم السكن، تمتد فترات سدادها إلى 30 أو 35 عامًا، وتستهدف الفئات ذات الدخل المتوسط والمتدني.
إحصاءات دائرة الأراضي والمساحة تؤكد تراجع حجم التداول في سوق العقار خلال الـ11 شهرًا الماضية إلى 6,234 مليارات دينار، بانخفاض نسبته 3% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023.
ووفق التقرير الشهري لدائرة الأراضي والمساحة بلغ حجم التداول في سوق العقار خلال شهر تشرين الثاني الماضي قرابة 515 مليون دينار، بانخفاض بلغت نسبته 2% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023، وانخفاض بلغت نسبته 19% مقارنة بالشهر السابق.
الخبير الاقتصادي الدكتور غازي العساف أكد أن الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تراجع التداول في سوق العقار تتنوع بين عوامل عالمية وأخرى محلية، وتنعكس بشكل مباشر على أداء القطاع، مشيرًا إلى أن الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة خلال الفترة الماضية كان نتيجة السياسات النقدية المتشددة التي تبناها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ما انعكس على أسعار الفائدة في الدول التي ترتبط عملاتها بالدولار وأدى إلى زيادة تكلفة الاقتراض، خاصة أن جزءًا كبيرًا من القروض يتم توجيهه لشراء المساكن وأن ارتفاع تكلفة الاقتراض لأغراض شراء المساكن يُعد سببًا رئيسيًا خارجيًا أثر بشكل كبير على السوق المحلية.
وأشار العساف إلى أن الأسباب المحلية تكمن بتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وخصوصًا الفئات المتوسطة، حيث التراجع نتج عن ارتفاع معدلات التضخم عالميًا وارتفاع تكاليف مواد البناء، ما انعكس على أسعار العقارات وجعلها جامدة دون انخفاض كبير، بالإضافة إلى الأعباء الضريبية الثقيلة المفروضة على الفئات المتوسطة والدنيا التي زادت من الأثر السلبي على تمويل السكن لهذه الفئات مما أدى إلى انخفاض الطلب في سوق العقار.
وأضاف أن هناك أسبابًا أخرى تتعلق بالمستثمرين وانخفاض الثقة في السوق العقارية بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية غير المستقرة التي تعيشها المنطقة، مما أدى إلى تردد المستثمرين في اتخاذ قرارات استثمارية في القطاع، مؤكدًا أهمية القطاع العقاري في الاقتصاد الأردني واصفًا بأنه أحد القطاعات الحيوية التي تلعب دورًا كبيرًا في تحريك عجلة الاقتصاد.
وأشار إلى أن الدينار المنفق في هذا القطاع يتضاعف تأثيره بفضل الروابط الاقتصادية التي تربطه بعدة قطاعات أخرى مثل مواد البناء والإنشاءات والنقل والصناعات التحويلية وقطاع التأمين، والبنوك التي تقدم التمويل، كما شدد على أن 30% من كل دينار يُنفق في هذا القطاع يذهب كإيرادات حكومية من رسوم وضرائب ما يجعل القطاع مصدرًا مهمًا لدعم موازنة الدولة.
وشدد على ضرورة وضع رؤية شاملة لسياسات قصيرة وطويلة المدى يمكن أن تسهم في دعم القطاع العقاري وتعزيز الطلب، وأشاد بالإجراءات الحكومية الأخيرة مثل إعفاء رسوم التسجيل بنسبة 50% للشقق الصغيرة، وإعفاء رسوم المسقفات لمدة ثلاث سنوات، معتبرًا أن هذه الخطوات ستثمر خلال الربع الأول من العام القادم، خاصة مع توقع انخفاض معدلات الفائدة، لافتًا إلى توسيع نطاق الإعفاءات ليشمل رسوم نقل الملكية لمساحات أكبر من الشقق و إلى منح إعفاءات ضريبية تصاعدية للمشترين والمستثمرين في القطاع، بالإضافة إلى أهمية إطلاق برامج تمويلية ميسرة لدعم السكن، تمتد فترات سدادها إلى 30 أو 35 عامًا، وتستهدف الفئات ذات الدخل المتوسط والمتدني.
وعلى المدى الطويل، دعا إلى تبني مشاريع كبرى مثل إنشاء مدن جديدة أو توسيع المدن الحالية مع تقديم تسهيلات تُخفّض من تكلفة البناء، وخصوصًا الأراضي، بالإضافة إلى تكلفة الأرض التي تُشكّل جزءًا كبيرًا من تكلفة البناء، ويمكن البحث عن مناطق ذات أسعار أراضي منخفضة لتوفير وحدات سكنية ميسّرة بجودة عالية، مبينًا أن سوق العقار سوق لا يموت، لكن تحفيزه يحتاج إلى إجراءات حكومية مدروسة بالتعاون مع القطاع الخاص والبنوك وشركات التأمين، بالإضافة إلى دعم البنية التحتية وإنشاء شبكات طرق ومواصلات تخدم التوسع العمراني المستقبلي.
بدوره، بين الخبير الاقتصادي حسام عايش أن القطاع العقاري شأنه كباقي القطاعات الأخرى المهمة التي تأثرت بالتوترات الإقليمية مثل القطاع السياحي، وقطاع الخدمات، وأن القطاع العقاري والسياحي الأكثر حساسية لأسباب أسعار الفائدة وظروف عدم استقراره الإقليمي والحرب على غزة ولبنان، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الوحدات العقارية سواء كانت أراضي أو شقق سكنية، ومعدلات دخل الفرد التي لم ترتفع بالشكل المطلوب.
وأضاف أن ارتفاع الأسعار والتضخم يستأثر بالنصيب الأكبر من عائد أي زيادة في معدلات دخل الفرد، ما يؤثر في النتيجة النهائية على القدرة على شراء شقق سكنية أو حتى التعامل مع القطاع العقاري، لذلك تراجع التداول العقاري يأتي إنسجامًا مع حالة عدم اليقين ومع أسعار الفوائد المرتفعة خلال الفترة الماضية.
وتابع عايش أن الحكومة عملت على تحريك عجلة القطاع العقاري عن طريق إبقاء الإعفاء عند 150 متر مربع كـ مساحة للشقة و50% من الرسوم لما يزيد عن هذه المساحة مع إتاحة الفرصة للإقتراض بفائدة ثابتة حوالي 5% لمدة 3 سنوات، لافتًا إلى أنه على تحريك السوق بنسبة 10 إلى 12 %.
وأشار إلى حاجة كبيرة لتخفيض الكلف التشغيلية في هذا القطاع بالإضافة إلى ضرورة وجود مطورين عقاريين يأخذون بعين الاعتبار إمكانيات وقدرات المواطن الأردني على استملاك الشقق السكنية الجديدة على مستوى المساحة ومستوى الموقع وعلى مستوى الكلف الحكومة.
وبين ضرورة أن وجود شكل من أشكال الضريبة على الثروة العقارية، وبالذات حيازة الأراضي في المناطق السكنية أو المؤهلة لأن تكون سكنية، وذلك لضبط ارتفاعات أسعار الأراضي وللحد من احتكار قطع الأراضي.