د.أيوب أبودية يكتب :هل ثراء اللغة الإسبانية بالمفردات العربية في اتجاه واحد؟
د.أيوب أبودية
تحتوي اللغة الإسبانية على عدد كبير من الكلمات ذات الأصل العربي، ويرجع ذلك إلى الفترة التي امتد فيها الحكم الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبيرية، في الأندلس تحديدا، بين مطلع القرن الثامن ونهاية القرن الخامس عشر الميلادي، أي قرابة 800 عام من الزمن. خلال هذه الحقبة، انتقلت تأثيرات اللغة والثقافة العربية إلى المجتمع الإسباني، فتغلغلت العديد من الكلمات العربية في اللغة الإسبانية ونحتت على الشاكلة التي نعرفها اليوم، وعلى نحو مماثل لتغلغل المفردات السنسكريتية والفارسية والتركية والهندية والسريانية والاسبانية واليونانية وغيرها في اللغة العربية، فالتأثير يكون في الاتجاهين كقاعدة عامة.
دخلت بعض الكلمات السنسكريتية إلى العربية، مثل: سكر وزنجبيل ومسك وبهار وجوهر، ومناللغة اليونانية، مثل: فلسفة، جغرافيا، وقيراط، وميثولوجيا،أي أسطورة.ومن اللغة السريانية، مثل: إبريق ولجام وطاقة وبطريرك وجُمل (الحبل الغليظ)، ومن اللغة اللاتينية، مثل: قنطار وقسط وكأس وفرن وطراز، ومن اللغة الإسبانية، مثل: قميص وفندق وصندل وطاولة، ومن اللغة التركية ،مثل: أوضة وأفندم وباشا وبلكي وبويا وطشت وبيك وشيش وزنغيل، ومن اللغة الكردية، مثل: كهرمان وطاسة ودلّة وفرمان، ومن اللغة الفارسية، مثل: سيرك وبارود وجلّاب وفهرست.
وبالمقابل، تأثرت اللغة الإسبانية ليس فقط بالمفردات، بل أيضًا من حيث الأصوات وبعض قواعد النحو. فهناك استخدام حروف معينة مثل "الـ" التي تظهر في بدايات الكلمات الإسبانية ذات الأصل العربي، مثل Almohada وAceituna، إذ تعتبر علامة مميزة لتأثير العربية في الإسبانية. ففي مجال العمارة والهندسة تستخدم كلمة Alcázar للدلالة على القصر أو الحصن، وتُستخدم في إسبانيا للدلالة على القلاع والقصر الكبير. وكلمة Albañil (البنّاء): وتعني حرفيًا "عامل البناء"، وتعود لأصل عربي. وكلمة Alhambra تعني "الحمراء"، وهي أشهر المعالم المعمارية الإسلامية في الأندلس بإسبانيا. وكلمة Alacena تعني خزانة صغيرة تستخدم لتخزين الطعام والأدوات المنزلية، وأصلها "الخزانة".
وفي العلوم والرياضيات Álgebra تعني علم الجبر وقد أخذت مباشرة من الكلمة العربية الجبر. Algoritmo (الخوارزم): وتعني اللوغاريتمات، وهي مستمدة من "الخوارزمي"، نسبة إلى العالم العربي محمد بن موسى الخوارزمي. وكلمة Cero (صفر): تُستخدم في الرياضيات للدلالة على الرقم "0"، وأصلها من كلمة "صفر" العربية التي أخذها العرب بدورهم عن الهنود. وكلمة Alcohol تعني الكحول، وهي مأخوذة من "الكحل" بالعربية. وكلمة Alquimia تعني الكيمياء، وترتبط بالكلمة العربية "كيمياء". وكلمة Elixir (الإكسير) تشير إلى "إكسير الحياة"، وتعني الشراب العلاجي. وكلمة Almanaque (المناخ): تشير إلى"التنبؤات الجوية".
وفي المجتمع والحياة المعيشة كلمة Almohada (المخدة) تعني الوسادة، وتعود أصل الكلمة إلى "مخدة" بالعربية. وكلمة Aceituna تعني الزيتون، والكلمة تعود إلى "زيتونة" بالعربية. Acequia (الساقية): تشير إلى نظام الري المستخدم في الزراعة. وكلمة Albahaca (الريحان) تشير إلى نبات الريحان، والذي كان يُستخدم منذ فترة طويلة في العطور والأطعمة.وكلمةAlfajor (الفاخر) تشير إلى نوع من الحلوى التقليدية. Jarabe تعني "الشراب" الدوائي أو العلاج. وكلمة Albornoz (البرنس): تعني البرنس أو الرداء.وكلمة Naranja تعني "البرتقال" وقد دخلت إلى الإسبانية من الكلمة العربية "نارنج". وكلمةAlacrán (العقرب): تعني العقرب، وأصلها من العربية. وكلمة Azafrán تعني الزعفران، وهو نبات يُستخدم في الطهي وفي صبغ الأطعمة.
وفي المصطلحات العسكرية والزراعية: Alarde (العرض): تعني العرض أو الاستعراض العسكري. وكلمةAlcaide (القايد): تعني قائد القلعة أو الحارس. وكلمة Alférez (الفارس): وهي رتبة عسكرية وتعني الضابط، وأصلها "الفارس" بالعربية. وكلمة Acequia (الساقية): تشير إلى قناة الري الزراعية. وكلمةAlberca (البِركة): تعني بركة الماء أو الحوض. وكلمة Algodón تعني القطن، وأصلها من كلمة "القطن" العربية. وكلمة Barrio (البرية): تعني حي أو منطقة، وأصلها من كلمة "البرّية" بالعربية. وكلمة Guadalquivir (الوادي الكبير): تشير إلى نهر الوادي الكبير المحاذي لمدينة قرطبة بإسبانيا. وكلمة Alquiler (الكراء): تعني الإيجار، وهي مأخوذة من "الكراء".
نتج تأثير اللغة العربية في الإسبانية عن التفاعل الحضاري والثقافي طويل الأمد بين المسلمين من العرب والبربر وسكان الأندلس، حيث تطورت ثقافة وعلم وفنون مشتركة أثرت بشكل عميق في المجتمع. فاللغة العربية كانت لغة العلم والفلسفة والفن في تلك الفترة، مما أدى إلى استعارة الإسبان كلمات عربية في العديد من المجالات العلمية والفكرية، تماما كما كانت اللغة العربية اللغة السائدة عند علماء الفرس والترك في الحضارة العربية الاسلامية.
وبناء عليه، فإن الوجود العربي في اللغة الإسبانية هو جزء من الإرث الثقافي الذي خلفه العرب في الأندلس، والذي لا يزال واضحًا حتى يومنا هذا، كما في كلمة Ojalá (إن شاء الله): وتعني "يا ليت" أو "آمل أن"، وهي مستمدة من عبارة "إن شاء الله". . فتأثير الكلمات العربية يُظهر عمق الترابط التاريخي والثقافي بين العالمين العربي والإسباني، ويبرز كيف أن التفاعل بين شعوب العالم يترك بصمات عميقة تظل باقية في اللغات والثقافات، والتي من شأنها أن ترتبط الحضارات بعضها ببعض على أساس القرابة الروحية التي تستدعي التوصل إلى سلام عالمي بدلا من الحروب والنزاعات التي لا تجلب سوى الدمار.