موسى الدردساوي يكتب: نقاش البيان الوزاري: فرصة لاستعراض الخطابات أم بداية إصلاح حقيقي؟"
نقاش البيان الوزاري: فرصة لاستعراض الخطابات أم بداية إصلاح حقيقي؟"
بقلم: موسى الدردساوي
تحت قبة مجلس النواب، دارت مناقشات البيان الوزاري لحكومة جعفر حسان، في مشهد يبدو كأنه مشهد متكرر من مسرحية سياسية تحفظ الجمهور خطوطها مسبقًا. النواب يتراشقون الخطابات، والحكومة تستمع، أما الشعب يراقب عن بُعد، باحثًا عن بارقة أمل وسط الخطابات الحادة والوعود المكررة.
في قلب النقاشات، ظهر تباين واضح بين مواقف النواب. البعض اختار أن يخوض في التفاصيل الدقيقة للبيان الوزاري، مستعرضًا أرقامًا وتحليلات أظهرت فهمًا عميقًا لتعقيدات الواقع الأردني. هؤلاء النواب بدوا وكأنهم يخاطبون المستقبل، محاولين صياغة حوار جاد حول محاور أساسية، كالبطالة، التعليم، والاقتصاد المتعثر.
وعلى الجانب الآخر، كانت هناك خطابات أشبه بالشعارات المعلّبة، تطلق الكلمات الرنانة التي تلامس مشاعر الجماهير، لكنها تفتقد الحلول. تساءل كثيرون: هل هذه اللغة هدفها إصلاح الحال أم استعراض المهارة في ركوب موجة استياء الشارع؟ الشعبوية هنا بدت كأنها استثمار قصير المدى في شعبوية أطول، هدفها تسجيل موقف لدى الناخبين أكثر من كونها خطوة نحو مواجهة التحديات.
وسط هذا الزخم، برز فريق آخر من النواب، أولئك الذين يحسبون كلماتهم بدقة، موجهين بوصلتهم نحو التيارات الأقوى. هؤلاء النواب غالبًا ما يختارون منطقة الوسط، يتجنبون الانتقاد الحاد أو الثناء المُفرط، تاركين انطباعًا بأنهم مستعدون لتغيير مواقفهم وفق الرياح السياسية. هذه المواقف، وإن بدت أكثر اتزانًا، تطرح تساؤلات عن مدى التزامهم بتمثيل ناخبيهم بصدق.
بعيدًا عن الكلمات تحت القبة، يعلم الجميع تقريبًا أن "الثقة" غالبًا حاصلة، والسبب ليس قوة البيان الوزاري ولا براعة أداء الحكومة، بل معادلات خلف الستار. الحسابات السياسية والمصالح المشتركة تُظهر أن النتيجة محسومة. ومع ذلك، يظل المشهد البرلماني أشبه بلعبة شد الحبل بين الأطراف، حيث يحاول كل فريق إبراز قوته أمام الكاميرات، بينما القرارات النهائية تُحسم بعيدًا عن الأضواء.
وسط هذه المشاهد المتكررة، يبرز التساؤل الأهم: أين المواطن من كل هذا؟ في الوقت الذي يناقش فيه النواب البيان الوزاري، يظل الأردني العادي منشغلًا بأزماته اليومية، من غلاء الأسعار إلى أزمات الخدمات والبنية التحتية. البيان الوزاري، مهما كان متماسكًا أو مفككًا، لن يكون له أثر ملموس إذا لم يتحول إلى سياسات حقيقية تعالج الأزمات على الأرض.
فمشهد مناقشات مجلس النواب ليس جديدًا، ولكنه يضع أمامنا تحديًا جوهريًا: هل يمكن أن تتحول هذه المداولات إلى أداة حقيقية للمحاسبة والبناء، أم أنها ستظل مجرد مسرح سياسي؟ الإجابة تكمن في المستقبل، وفي قدرة النواب والحكومة على تقديم نموذج جديد يُعيد الثقة بين المؤسسات والشعب.
فالثقة قد تكون "حصلت"، لكن تحقيقها فعليًا في وجدان المواطن يتطلب ما هو أعمق بكثير من مجرد التصويت البرلماني.