" حروب الوكالة العبثية "
جهينة نيوز -مهند أبو فلاح
الهجوم الذي شنته قوات المعارضة السورية المدعومة من تركيا على القوات الحكومية المدعومة من ايران و روسيا الاتحادية في ريفي حلب و إدلب شمال القطر العربي السوري حملت في طياتها دلالات بالغة الخطورة لجهة استئناف حروب الوكالة العبثية بين الأطراف المتناحرة هناك و تلاشي و تبخر الآمال في التوصل إلى تسوية سياسية سلمية تضمن قيام حكومة ديمقراطية شرعية في دمشق بعد إجراء انتخابات حرة بإشراف دولي .
الحقيقة التي يدركها المثقفون الواعون العقلاء من أبناء الشعب العربي السوري في المرحلة الحالية هي أنه لا جدوى من استمرار القتال و أنه لا حسم عسكري ممكن للصراع المسلح الجاري منذ 13 عاما في ظل توازنات القوى القائمة دوليا و إقليميا ، صحيح أن انشغال ايران و روسيا في الصراعات المسلحة الدائرة في كلٍ من أوكرانيا و لبنان هيأت الظروف الموضوعية لإطلاق ما اصطلح على تسميتها بعملية ردع العدوان ، لكن المؤكد أن التحضير لهذه العملية لم يتم بين عشية و ضحاها .
منذ النصف الثاني من شهر أيلول / سبتمبر الماضي و تحديدا في أعقاب هجوم البيجرات الصهيوني على كوادر حزب الله اللبناني و اغتيال أمين عام هذا الأخير السيد حسن نصر الله و الاستعدادات جارية على قدم و ساق لهذه العملية على قاعدة أن مصائب قوم عند قوم فوائد هذا من ناحية ناهيك عن وجود مصلحة تركية مباشرة رغم النفي الرسمي الصادر عن حكومة أنقرة عن علمها المسبق بهذه العملية ، فنظام العدالة و التنمية في تركيا يسعى جاهدا لإيجاد حل لمشكلة اللجوء السوري على الأراضي التركية التي أصبحت مصدر استياء شعبي و ورقة رابحة بيدي معارضي نظام الرئيس رجب طيب اردوغان امام تراجع شعبية حزبه في الانتخابات البلدية و النيابية التي أجريت مؤخرا و هو يعتقد أن توسيع المنطقة الآمنة في شمال سورية يسمح بعودة أعداد كبيرة و ضخمة من هؤلاء اللاجئين إلى تلك المنطقة بعد انتزاع السيطرة عليها من قبضة نظام الرئيس بشار الأسد .
بالمقابل فإنه لا يمكن إنكار وجود تذمر شعبي و استياء عارم في صفوف الجماهير اتجاه ما تسمى بهيئة تحرير الشام في مناطق الشمال السوري الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية المدعومة من نظام العدالة و التنمية في أنقرة و مطالبات بفتح الجبهات عسكريا في مواجهة قوات نظام الرئيس بشار الأسد و الميلشيات الإيرانية ، و بالتالي هنالك استياء عارم من تدهور الأوضاع الأمنية و المعيشية في هذه المناطق و من السلطات التركية التي تدير المشهد هناك من وراء الكواليس و تتحمل مسؤولية الفوضى العارمة الضاربة أطنابها في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري و انقرة معنية بشكل ما بامتصاص نقمة الجماهير و احتواء الموقف عبر تحريك الصراع مرةً أخرى حتى و إن ادعت خلاف ذلك .
إن التواجد العسكري التركي في شمال سورية هو احتلال اجنبي أسوة بالوجود العسكري الأمريكي في مناطق شمال شرق سورية الغنية بالحقول النفطية و أن ادعى كل طرف خلاف ذلك و هو الأمر الذي ينطبق أيضا على تواجد الميلشيات الإيرانية و القوات الروسية التي تحظى بغطاء رسمي من السلطات الحاكمة في دمشق و كما أن أنقرة قامت بضم اراضي سورية محتلة في لواء الاسكندرون السليب فإن حكام تل أبيب الذين كثفوا من غاراتهم الجوية ضد الميلشيات الإيرانية في سورية يحتلون هضبة الجولان و قاموا بضمها إلى الدويلة العبرية المسخ لذلك فإن هنالك مصلحة مشتركة للطرفين في إبقاء الوضع القائم في سورية على حاله المتردي المتفكك المتهلهل و عدم قيام حكومة وطنية شعبية ديمقراطية في دمشق قادرة على المطالبة باسترداد الأراضي السورية المحتلة و اخراج جميع القوات الأجنبية من البلاد و نزع سلاح الميلشيات المسلحة و إعادة السلم الأهلي إلى ربوع البلاد المنكوبة .