صرخة الملك.. غضب يحمل دعوة لتجديد الالتزام الوطني
قراة في جملة "أدّوا التحية للعلم"
توبيخ ملكي مشحون بالغضب.. تحية العلم تحية للوطن
الأنباط – خليل النظامي
أقولها بـ كل صدق أمامكم جميعا أنني لم أكن مهتمًا كثيرًا بـ تفاصيل ما جرى يوم الامس في افتتاح أعمال الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة العشرين، نظرا لـ تصوري المسبق أن هذا يوم بروتوكولي بـ إمتياز، يتأنق الجميع فيه ويهتمون بـ إلتقاط الصور وإعادة إنعاش العلاقات والصداقات.
ولكن.. في لحظة عابرة مررت وأنا أقلب في صفحات منصات التواصل الاجتماعي بـ فيديو يظهر فيه الملك يقول: "أدوّا التحية للعلم"، وكان واضحا على وجهه معالم غضب، رأيت فيها تعبير عن قلق عميق؛ أعمق من مجرد جملة عابرة تقال في سياق بروتوكولي، فـ شعرت بـ دافع قوي جدا سكنني لـ دراسة المشهد بشكل أعمق.
وقد وجدت في قراءتي الخاصة لـ المشهد الذي قيلت فيه الجملة بعد عميق يتجاوز الشكل الظاهر له، فهي في جوهرها دعوة لـ تجديد الارتباط الرمزي والعاطفي والوجداني بـ وطننا الأردن، والسياق الذي قيلت فيه يبدو كـ إنعكاس لحالة من القلق الوطني العميق، وليست جملة تحمل مجرد توجيه بروتوكولي معتاد.
خاصة أن الجملة تأتي في سياق زمني إقليمي متوتر بشكل معقد جدا، إذ يواجه الأردن تحديات عضال مرتبطة بمواقفه إزاء القضية الفلسطينية والاعتداءات الصهيونية المتطرفة على قطاع غزة والضفة الغربية، فضلا عن الضغوط الاقتصادية الداخلية التي زادت من أعباء الدولة وأضعفت المجتمع ككل.
فـ عندما يطلب قائد البلاد من القيادات السياسية في السلطات كافة والشعب أيضا تأدية التحية للعلم، فإنه في العمق يدعو الى بعد إستنهاضي لـ مراجعة العلاقة التي تجمع مكونات النظام كافة مع الدولة ومفهوم الوطنية، وصرخة لتجديد الانضباط الوطني واستعادة الفخر والانتماء، فـ عندما تكون التحية لـ العلم نابعة من قناعة وإيمان داخلي، فهذا أمر يعكس وعيًا جمعيا بـ أهمية الدولة ورموزها في الحفاظ على الاستقرار وصولا الى مستقبل آمن وأفضل.
أما ملامح الغضب التي ظهرت على وجه الملك فهي تعبر عن إيمانه العميق بـ أن أي شعب يفقد علاقته برموزه الوطنية بالتأكيد سيصبح عرضة لـ التفكك والتشتت، ودعوة لـ تأدية التحية لكل الجهود التي بذلت لـ إبقاء علم الأردن مرفوعا، وتضع الجميع بدون استثناء أمام مسؤولية مزدوجة تتمثل بـ الحفاظ على رمزية الوطن والعمل على تعزيز قوته داخليا وخارجيا، وكأنه في غضبه يريد أن يخبرنا : "إذا فقدتم علاقتكم بـ العلم، فقدتم ارتباطكم بالوطن".
وغضب الملك هنا ؛ يشبه الى حد كبير غضب الأب عندما يشعر أن أبناءه تهاونوا في الحفاظ على إرث العائلة، وكـ أنه بقوله لها يذكر الجميع ؛ أن الوطن ليس مجرد مكان للنوم والراحة، بل حالة وجدانية يعيشها كل مواطن، وصدقوني أن ما رأيته في وجه الملك لم يكن مجرد انفعال لحظي، بل تعبيرا عن شعور أعمق يتصل بقلق وجودي حول الهوية الوطنية الأردنية.
الى ذلك يفهم من الغضب الملكي في هذا المشهد أنه كـ تحذير سياسي مضمونه أن الأردن لن يقبل أن تتحول رموزه الوطنية إلى مجرد شعارات فارغة، لكونها رموز تجسد أدوات المقاومة ليس فقط ضد العدو الخارجي وإنما ايضا ضد التهاون الداخلي الذي قد يضعف مناعة الدولة والوطن.
الى ذلك، ومن جانب استنتاجي أقرأ أن غضب الملك يجسد استنكارا لـ استسهال البعض لـ رمزية الوطن والدولة وقياداتها، فـ العلم هنا ليس مجرد قطعة قماش، بل تجسيد لـ السيادة والاستقلال والكرامة الوطنية، وعندما يطلب تأدية التحية له، فذلك يعني تأدية التحية لكل ما يمثله العلم من كيان وطني وتاريخ، وتضحيات الجيش العربي، وهذا أمر يفهمه أبناء الأجهزة الأمنية والعسكرية بشكل جيد أكثر من المدنيين.
وعلاوة على غضب الأب وإستنكاره، أقرأ في غضب الملك أيضا، أنه يحمل رسالة توبيخ لكل من تهاون في مسؤولياته الوطنية أو قصر في واجباته، وصرخة تحذير تعبر عن قلق داخلي من تآكل الالتزام والانتماء، وهو غضب ليس رسالى الى المواطنين فقط، بل ايضا رسالة قاسية موجهة الى المسؤولين وقيادات المؤسسات والوزارات والهيئات الرسمية تحمل الكثير من الإحساس بالإحباط ربما من تقصير بعض الجهات في أداء واجباتها، أو من غياب روح الانتماء الحقيقي لدى البعض، ودعوة صريحة لإعادة التركيز على أهمية الالتزام بالقيم الوطنية والعمل الجاد لتحقيق طموحات الوطن.
نعم صحيح أن غضب الملك يحمل طابعا أبويا، لكنه بنفس الوقت يحمل صرامة القائد الذي يرى أن التهاون في احترام رموز الوطن قد يكون مقدمة لأزمات أعمق لا يمكن التهاون مع شوائبها.
بـ المقابل اقرأ أن هذه الجملة تتسم بـ أنها أشبه بدعوة مفتوحة لـ إعادة بناء أسس ومفاصل الوحدة الوطنية، واستنهاض للحس الجماعي، وتذكير الجميع أن الأردن ليس مجرد دولة، وإنما وطن ذي هوية راسخة والدفاع يستوجب الدفاع عنه وتقديم أكبر التضحيات لأجل استقراره، والعلم كـ رمز هو انعكاس لـ تاريخ الشعب الأردني وتضحيات أبنائه ومستقبلهم الذي يجب أن يصان بكل عزيمة وثبات.
في النهاية: هي رسالة سياسية واجتماعية عميقة، تحمل بين طياتها الغضب الذي عبر فيه الملك عن شعور بـ القهر والإحباط من تهاون البعض في مسؤولياته، وفتح الباب بنفس الوقت لـ إعادة بناء العلاقة بين الشعب والدولة، وتأكيد صارم أن الأردن بقيادته وشعبه لا ولن يقبل إلا بـ التفاني والإخلاص في سبيل رفعة الوطن وحمايته، وتذكير أن الاستقلال والسيادة ليسا أمورا تمنح بل تحمى بـ تضحيات وعمل جاد نابع من ضمير وطني سليم.
ودعونا جميعا نتساءل: هل نحن كـ مواطينين أردنيين نؤدي واجبنا تجاه الوطن؟ وهل نزال نؤمن بقيمة الهوية الوطنية؟ وهل ما زلنا نستوعب ما يعنيه الانتماء لـ الدولة في ظل التحديات الإقليمية والاقتصادية والسياسية؟ صدقوني أن هذه الجملة تفتح الباب لمراجعة الذات، ومراجعة قد تكون ضرورية تحديدا في هذا التوقيت لـ مواجهة أي حالة تراجع في الالتزام الوطني وضغوطات خارجية تفوق امكانياتنا وقدراتنا.