الأردن بين الإعلام التقليدي ووسائل التواصل الاجتماعي .. أزمة الإعلانات وحقوق الملكية الفكرية
القضاة: الأردن خسر ما يقارب الـ 81 مليون دينار أردني بإنتشار مواقع التواصل الإجتماعي
شتيوي: إحداث اتفاقيات بين وسائل الإعلام الدولية ووسائل الإعلام الأردنية موافق عليها منذ سنوات والخلل بالتنفيذ
العريقات: هذا ضرب من الخيال "ما بزبط بالأردن"
الأنباط – رزان السيد
في تصريح سابق خلال جلسة حوارية نظمتها مؤسسة مسارات الأردنية للتنمية والتطوير تحت عنوان "واقع الإعلام الأردني"، أكد وزير الاتصال الأسبق والناطق باسم الحكومة، فيصل الشبول، أن قيمة الإعلانات التي تم دفعها لوسائل التواصل الاجتماعي في عام 2022 تجاوزت 81.139 مليون دينار، معتبراً أنه مبلغاً كبيراً، كما أشار الشبول إلى أن هناك 250 مؤسسة إعلامية مسجلة لدى هيئة الإعلام، ومع ذلك، لم تحصل أي من هذه المؤسسات على نصف القيمة التي حصلت عليها وسائل التواصل الاجتماعي من الإعلانات.
ووفقا لتقرير صادر عن وحدة دراسة الأسواق في جمعية شركات تقنية المعلومات والاتصالات "إنتاج"، فإن نسبة الأشخاص الذين يستخدمون الإنترنت في الأردن لعام 2023 قد وصلت الى 91%.
وأشار التقرير ايضا ان عدد الأشخاص في الأردن الذين يملكون حسابات على منصات مختلفة بلغت حوالي 6.4 ملايين، بنسبة استخدام تصل إلى 56% من سكان الأردن، في حين تصدر فيسبوك القائمة بـ5.3 ملايين مستخدم، يليه يوتيوب بـ6.4 ملايين مستخدم، إنستغرام بـ3.7 ملايين، تيك توك بـ1.7 مليون، وتويتر بـ1.1 مليون مستخدم، في حين يبلغ عدد مستخدمي سناب شات 3.4 ملايين.
وكانت معظم الدول الأوروبية قد فرضت أسس ومعايير على وسائل التواصل الإجتماعي، وذلك من خلال دفع مبلغ مالي مقابل المحتوى الإعلامي الذي تنشره على منصاتها وعلى محركات البحث، وهذا ما يفتقر له الوطن العربي، وهذا ما طرحه وزير الإتصال السابق فيصل الشبول هذا الموضوع في مؤتمر أقيم العام الماضي.
كما أوضح خلال المؤتمر أن هذه الخطوة ستكون الأكثر أهمية على كافة الأصعد السياسية، الثقافية، الاجتماعية والاقتصادية، ولتأسيس علاقة طويلة الأمد تستجيب لكل تطور في عصر الفضاء الرقمي، وآثاره سلبا وإيجابا على مجتمعاتنا.
لذا وضع الأردن استراتيجية وأيدتها الدول الشقيقة، وتم تشكيل الفريق التفاوضي العربي وكان هناك توافق بين وزراء الإعلام العرب، لافتا الى أن الدول العربية تأخرت في تنظيم علاقاتها مع شركات الإعلام الدولية، وجل ما تطلبه الدول العربية من شركات الإعلام العربية هو الإنصاف، إذ بات ضرورة قصوى في مواجهة مخاطر حقيقية تستهدف مجتمعاتهم وثقافاتهم وقضاياهم المصيرية.
كما نوه الشبول بخروج المليارات لوسائل التواصل الإجتماعي من السوق العربي وعلى مدى سنوات عدة، لذا اقترح انه يجب الإتفاق مع تلك الشركات على استعادة نسبة من ذلك الإنفاق.
من جانبه قال نائب نقيب الصحفيين جمال شتيوي لـ "الأنباط" انه تم طرح هذا الموضوع قبل عدة سنوات من قبل وزير الإعلام الأسبق صخر دودين، كما ان الفكرة كانت مطروحة أيضا من قبل نقابة الصحفيين، مشيرا الى انه تم تقديم التوصيات، ولكن من يقوم بمتابعتها؟ ومن يوافق عليها؟ وهنا تكمن المشكلة.
وتابع شتيوي أن وسائل الإعلام تنشر كافة محتواياتها على وسائل التواصل الإجتماعي ومحركات البحث تقوم تلقائيا بإستخدام المحتوى، لذا يفترض أن تقوم بالدفع مقابل استخدامها للمحتوى، وتحديدا أن المحتوى مكلف من إعداد وتصوير وإنتاج، وهذا يعتبر إضاعة وتفويت للمال لصالح شركات عالمية كبرى تستخدم المحتوى الإعلامي دون رقيب، مشيرا الى أنه مع التطور التكنولوجي الهائل اصبح الذكاء الاصطناعي يستخدم المعلومات والأخبار والبيانات التي تنشرها وسائل الإعلام كمرجع لمستخدميها.
ونوه شتيوي الى أن وسائل التواصل الإجتماعي تقوم بالدفع للأفراد مقابل المحتوى ولكن بشروط معقدة، وأن هذه الجزئية لا تخص الإعلام، موضحا الى أن هناك جهة إعلامية أردنية واحدة تقوم بتقاضي المال مقابل محتواها على وسائل التواصل الإجتماعي، نظرا للقراءات العالية التي تملكها، لذا يجب تخصيص وسائل الإعلام دونا عن باقي المدونين عبر الإنترنت.
كما أشار الى أن هذه المسألة تعنى فيها الدول وليس الأفراد، لأنها شركات كبرى ستقوم بإستدعاء الشركاء والتفاوض معهم، وبالرغم من أن الموضوع تم طرحه ككتلة عربية واحدة الا أنه لم يتم اتخاذ أي إجراء منذ أكثر من 6 سنوات.
فيما كان رأي الصحفي خالد القضاة أن الملكية الفكرية بحثها الإتحاد الدولي ووضع لها آلية، وهي أنه كيف يمكن للدول أن تنشئ بيئة قانونية تشريعية تتيح لوسائل الإعلام حق التفاوض بقوانين محلية مع شبكات التواصل الإجتماعي، بما يحقق مردود مالي ويثبت الملكية الفكرية لمحتوى المؤسسات الإعلامية الأردنية.
وتابع القضاة خلال حديثه لـ "الأنباط"، إن وسائل الإعلام الأردنية تقوم بنشر محتواها على منصات التواصل الاجتماعي، مما يؤدي إلى ظهوره على محركات البحث دون أن تحقق هذه الوسائل أي عائد مادي، لذا أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تحظى بقوة كبيرة في الشارع الأردني، مما جذب المعلنين إليها وأثر على وسائل الإعلام التقليدية.
وأشار إلى أن سوق الإعلانات في الأردن شهد خسارة تقدر بنحو 81 مليون دينار أردني، خلال عام واحد فقط، وذلك بسبب انتقال الإعلانات إلى وسائل التواصل الاجتماعي، موضحا أن السبب الرئيسي وراء ذلك هو قيام وسائل الإعلام الأردنية بنشر جميع محتوياتها على هذه المنصات دون مقابل، ودون اتفاقيات أو حقوق ملكية فكرية، بالتالي أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هي المصدر الرئيسي للمحتوى الأردني، بينما لم يحقق ذلك أي عائد مادي للمؤسسات الإعلامية، مما دفعها إلى مواجهة مشاكل مالية كبيرة وصلت إلى حد صراع البقاء، وأصبح استمرارها مهدداً.
وأوضح القضاة أنه تم تناول هذه القضية ضمن اجتماع مع الاتحاد الدولي، جمعه مع وزير الاتصال الأسبق فيصل الشبول، وذلك بعد أيام قليلة من توليه منصب الوزارة، وخلال اللقاء، قام القضاة بتسليم الوزير الأوراق والوثائق المتعلقة بالقضية، كما تسلم الخريطة التي اعتمد عليها الاتحاد الدولي في تنظيم العلاقة بين وسائل الإعلام العربية ومنصات التواصل الاجتماعي، مشيرا إلى أن هذه الخريطة استلهمت من تجارب ناجحة في دول مثل ألمانيا وأستراليا، التي نجحت في تنظيم العلاقة بين وسائل الإعلام المحلية ومنصات التواصل الاجتماعي بما يضمن تحقيق عوائد مادية للمؤسسات الإعلامية، بحيث لا تتمكن شبكات التواصل الاجتماعي من أخذ المحتوى الإعلامي دون أن يعود بالنفع على المؤسسات صاحبة المحتوى الأساسي، وبالتالي جذب المعلنين المحليين إليها بدلاً من ذلك.
وأضاف القضاة أن الحكومة أخذت جزءاً من هذه القوانين وحاولت العمل على جهود عربية مشتركة، مبينا أن هذا التحرك كان نابعا من قلق الحكومات الأردنية من تأثير شبكات التواصل الاجتماعي، وبحسب القضاة، فإن الحكومة كانت تتجه إلى معاقبة نشطاء مواقع التواصل، من خلال فرض قوانين على هذه المنصات، بما في ذلك فرض ضرورة فتح مكاتب في كل دولة، وأكد القضاة أن مالكي منصات التواصل الاجتماعي لن يرضخوا لهذا الأمر، مشيرًا إلى أن هذه القوانين وردت في التشريعات الأردنية، لكنها عجزت عن تطبيقها على أرض الواقع، وهذا ما لا يجب أن تقوم به الدولة؛ بأن تسن نص قانون يمر بكل مراحله الدستورية وتعجز عن تطبيقه.
وبين أن الحكومة سعت إلى تنظيم العلاقة بينها وبين وسائل التواصل الاجتماعي من خلال التركيز على مطاردة النشطاء بدلاً من حماية الملكية الفكرية، وهذا ما يختلف تماما عن الدول التي نجحت في مواجهة تحديات وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كانت هذه الدول تركز على حماية بيانات المستخدمين المحليين، وتفرض شروطا صارمة على منصات التواصل الاجتماعي، لضمان حماية البيانات الشخصية وعدم استغلالها لأغراض أخرى، أو إخضاعها لآليات خوارزمية، كما كانت تسعى لحماية حقوق الملكية الفكرية لوسائل الإعلام المحلية، دون أن تفرض قيودًا على حرية النشر أو تعاقب النشطاء.
وأوضح القضاة أن الوضع في الأردن كان مختلفًا، حيث تم التركيز على فرض العقوبات، مشيرًا إلى أنه إذا صدر قرار من المحكمة أو جهة رسمية بحق شخص ما وتم طلب معلوماته، فإن منصات التواصل الاجتماعي ملزمة بالاستجابة، وإلا ستواجه عقوبات تتمثل في تقليص كفاءتها بنسبة 25% ثم 50%، كما هو منصوص عليه في قانون الجرائم الإلكترونية، واعتبر القضاة أن هذا توجه خاطئ، مؤكدًا أنه كان من الأجدر أن تتم المبادرة إلى حماية البيانات الشخصية للمواطنين الأردنيين من خلال قانون حماية البيانات الشخصية الذي أقره مجلس النواب في نفس الحكومة.
وأكد القضاة أنه من الممكن أن تخضع وسائل التواصل الاجتماعي لقوة الدولة الأردنية من خلال التركيز على حماية حقوق الأردنيين في البيانات الشخصية، وكذلك حماية حقوق المؤسسات الإعلامية في الملكية الفكرية، بدلاً من فرض قوانين تهدف إلى ملاحقة المواطنين في قضايا "حرية التعبير"، مشيرا إلى أن الأردن كانت من أوائل الدول التي طرحت هذا الموضوع، إلا أن التنفيذ كان خاطئًا للغاية، ولم يحقق سوى نتائج سلبية، وفسر القضاة ذلك بأن السبب الرئيسي هو سن نصوص قانونية اجتازت جميع مراحلها الدستورية، ومع ذلك تبقى الدولة عاجزة عن تطبيق تلك القوانين بشكل فعال.
وفي سياق اخر، جاء رأي الدكتور أحمد عريقات أن هذا الموضوع ضرب من الخيال قائلا: "ما بزبط عنا باللأردن"، وأوضح انه من يملك الوسيلة هو من له حق التقاضي، وأن الفكرة تم طرحها بتفكير عربي بحت، بمعنى أن وسائل الإعلام في الدول العربية تخضع لحكوماتها، والحكومة مسؤولة عن الوسائل التي تقع داخل حدود دولتها فقط.
وتابع الدكتور عريقات في حديثه لـ "الأنباط" أن الدول الأوروبية تملك القوة الإقتصادية والتشريعية أيضا، مما يجعلها قادرة على فرض قوانين وأنظمة وعقوبات أيضا على وسائل التواصل الإجتماعي، وهذا ما تفتقر له الأردن.
ويذكر أن فكرة انشاء شراكة بين وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي هي فكرة المانية بالأصل، وتسمى "التجربة الألمانية"، وقد نشئ الإعلام الحر في المانيا كما يقال من رحم اهوال النازية لذا استطاعوا ان يبنوا إعلام مستقل، وان تكون كافة القوانين لصالح الإعلام.
أما مستقبل الإعلام الأردني يبقى معلقًا بين تحديات العصر الرقمي وضرورة تنظيم العلاقة مع منصات التواصل الاجتماعي العالمية، ورغم الجهود المبذولة على الصعيدين العربي والمحلي، فإن غياب قوانين رادعة وفعالة يعكس صعوبة تحقيق التوازن بين حماية حقوق الإعلام التقليدي وضمان حرية التعبير في الفضاء الرقمي، ولعل خطوة إعادة التفاوض مع شركات الإعلام الكبرى وإيجاد آليات لضمان حقوق المؤسسات الإعلامية الأردنية ستكون حاسمة في تحديد مصير الإعلام الوطني، وتحقيق العدالة المالية التي تضمن استدامته في مواجهة عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي.