بمناسبة اليوم العالميّ للبريد 150 عاماً من المساعدة على التواصل وتمكين شعوب العالم
يمثّل قطاعُ البريد واحداً من أكثرِ القطاعات أهميّة وتأثيراً في المجتمعات البشرية؛ نظراً لما يلعبه من دور فاعل في تيسير أمور الناس، وتسهيل حصولهم على كثير من الخدمات، وتعزيز قدرتهم على التواصل فيما بينهم، وقد شهد هذا القطاع عبرَ تاريخه الطويل تغيّرات كثيرة مرتبطة بالتطورات العلمية والتقنية والاجتماعية التي شهدها العالم، مُظهراً في كلّ حقبة زمنيةٍ المرونةَ الكافية والقدرةَ على التكيّف مع هذه المتغيّرات، والاستفادة من التقدّم العلمي لتعزيز أدواره وتطويره أدواته ورفع جودة خدماته، ما جعله يحافظ على مكانته وأهميته، ويحتفظ بالثقة والسمعة التي اكتسبها عبر قرون طويلة من تقديمه للخدمات النوعية للمستفيدين حولَ العالم بكفاءة، ووفق أعلى مستويات الجودة.
وقد دفعت هذه الأهميّة مختلفَ الدول إلى التوافقِ على إنشاء جهةٍ تُعنى بتنظيمِ شؤون البريد حول العالم، ففي عام 1874م تمّ توقيع معاهدة بيرن، التي أنشئ بموجبها الاتحاد البريدي العالميّ، ليكون قد مضى على تأسيسه مئة وخمسون عاماً، اضطلع خلالها بأدوارٍ محورية في سبيلِ تعزيز قدرة المجتمعات البشرية على التواصل الآمن والفعّال فيما بينها، وهو ما جعل الاتحادَ يُخصّص احتفاله بيوم البريد العالمي لهذا العام تحت شعار" 150 عاماً من المساعدة على التواصل وتمكين شعوب العالم" ليعكسَ هذا الشعار العُمق التاريخيّ للخدمات البريدية، وليكون مناسبةً للاحتفاءِ بالقطاع، واستحضار تاريخه العريق، ومُنجزاته الحضارية المُلهمة والمهمّة، ودوره الرياديّ في تعزيز العلاقات الإنسانية والتقدّم الحضاري، وتسهيل التواصل بين البشر.
ويمكنُ فهم الدوافع الرئيسة لإنشاء الاتحاد، في سياق الحاجة المُلحّة لتنظيم عمل صناعة البريد عالمياً، ورفع مستويات التعاون الدوليّ في هذا القطاع، حيث كان من أهمّ المبادئ التي تأسّس عليها هذا الاتحاد قبل قرنٍ ونصف، هو التأكيد على أنّ جميع الدول الأعضاء تؤلّف وحدةً بريديةً لتبادل المراسلات، وهو ما يتفرّع عنه مبدأ حرية المرور بحيث يضمن كلُّ بلدٍ حريّة مرور البريد في أراضيه وتسييره بأسرع وسيلةٍ ممكنة، مما جعل مكاتب البريد حول العالم تمثّل أكبر شبكةٍ للخدمات اللوجستية حولَ العالم، الأمرَ الذي عزّز دور القطاعِ، وباتت معه الخدمات التي يقدمها إحدى أهمّ مؤشرات تطوّر الدول وازدهارها، فضلاً عن دوره المهمّ في مجال التنمية بأبعادها المختلفة بشرياً، واجتماعياً، واقتصاديا، وصحيّاً وغيرها.
وعلى المستوى المحلّي، فإنّ هذه المناسبةَ، تمثّل فرصةً لاستحضارِ إنجازات رجال المملكةِ المؤسسين وروّاد نهضتها وازدهارها، إذ يعدُّ قطاع البريد واحداً من أقدم وأعرق قطاعات الخدمات في المملكة الأردنية الهاشمية، فمنذ تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921م أنشأت الحكومة الأردنية دائرة البرق والبريد، لتتولى مسؤولية العمل على تنظيم الخدمات البريدية، حيث واكب القطاعُ منذ ذلك التاريخ التطوّرات المطّردة التي شهدها الأردنّ في مختلف المجالات، وهو ما يتَضح على نحو جليّ في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظّم، الذي يواصل مساعيه الحثيثة وتوجيهاته الرشيدةَ لتطوير جميع القطاعات الحيوية في المملكة، بما فيها قطاع البريد الذي استطاع أن يحقّق كثيراً من الإنجازات سواء على مستوى تحسين معايير تقديم خدماته ورفع جودة إجراءاته، أم عن طريق طرح حزم جديدة من الخدمات البريدية المبتكرة والمتنوّعة، وتعزيز مبادئ الشفافية وفق تشريعات وقوانين تنظّم العمل في هذا القطاع، بالإضافة إلى خلق بيئة ملائمة توفّر كامل الإمكانات والدعم للمستثمرين فيه، وتشجيع الابتكار والإبداع ودعم ريادة الأعمال، حيث يصنّف الأردنّ بفضل تكامل الجهود الوطنية من البلدان المتقدّمة على مستوى جودة الخدمات البريدية وتنوّعها.
لقد باتَ الأردنّ من الدولِ الرائدةِ على مستوى جودة وتنوّع الخدمات البريدية، وهو ما يتجلّى في الخدمات النوعية المستجدّة التي يقدّمها البريدُ الأردنيّ والتي تعزّزت في إطار نهج التحوّل الرقميّ الوطني، حيث تكاملت الجهود من أجل تطوير البنية التقنية ودمج التكنولوجيا الرقمية في قطاعِ البريد، ووضع التنظيمات التي تمكّن روّاد الأعمالِ من ابتكار وتطوير الحلول الرقمية فيه، وهو ما مهّدَ الطريقَ أمام تحوّل قطاع البريد في الأردنّ من كونه مزوّداً موثوقاً لخدمات البريد المادية والآمنة، ليكونَ مزوّداً موثوقاً وآمناً للخدمات الرقمية التي باتت أحد أهمّ مكوّنات المشهد الاقتصادي والاجتماعي والتجاريّ المعاصر، والتي تشمل على سبيل المثال التجارة الإلكترونية التي أحدثت نقلةً مهمّة في مجال الأعمال على الصعيد المحلّي، فضلاً عن الخدمات المالية التي تتضمّن إجراءات رقمية آمنة وسهلة الاستخدام لإنجاز المعاملات المتنوّعة كالدفع الإلكتروني، وتحصيل الفواتير، بالإضافة دور القطاع في تسريع إنجاز المعاملات الحكومية اعتماداً على التطبيقات التقنية الحديثة، وغيرها من خدمات نوعية تستندُ إلى البنية التحتية الرقمية، وتُظهر قدرة قطاع البريد على الاستجابة لمتطلبات التحول الرقمي والتجارة الإلكترونية المتسارعة بالإضافة الى الاستفادة من التقدّم التكنولوجيّ وتطوير خدماته وخططه، لتواكب متطلّبات العصر الراهن، واحتياجات المواطنين والمستفيدين.
وأخيراً فإنّ قطاع البريد يمثّل اليومَ مكوّناً مهمّاً في منظومة الخدمات الشاملة والمتكاملة بفضل هذه الأدوار التي بات يؤدّيها، وهو ما دفعَ هيئة تنظيم قطاع الاتصالات إلى إيلائه اهتماماً كبيرا من أجلِ الارتقاء بجودة أعماله وخدماته، وتسريع وتيرة التحوّل الرقمي فيه، بالإضافةِ إلى تشجيع ريادة الأعمال البريدية، وتوفير البيئة التنظيمية المُحفّزة على الاستثمار فيه، لخلق بيئة خدماتٍ بريديةٍ متطوّرة ومتكاملة، تدعم بكفاءة وفعالية مساعي المملكة التطويرية والتنموية في كلّ المجالات.