هل الاستثمار في الذكاء الاصطناعي فقاعة؟
صالح سليم الحموري
خبير التدريب والتطوير
كلية محمد بن راشد للادارة الحكومية
في ظل التطورات السريعة التي يشهدها العالم في مجال التكنولوجيا، يبرز الذكاء الاصطناعي كواحد من أكثر المجالات جذبًا للاهتمام العالمي. إذ تتسارع وتيرة الابتكارات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وتستمر في تغيير الطريقة التي نعيش ونعمل بها. ومع إطلاق تقنيات مثل ChatGPT وتحسن نماذج التعلم العميق، ازداد حماس المستثمرين والمجتمع العالمي نحو هذه التكنولوجيا الواعدة.
أصدرت مؤسسة غولدمان ساكس حديثاً، ورقة سياسات بيضاء بعنوان "الاستراتيجية العالمية حول الذكاء الاصطناعي"، والتي تضمنت معلومات استشرافية مهمة حول مستقبل هذا القطاع. لم يكن قطاع التكنولوجيا متميزًا فقط في تطوير الذكاء الاصطناعي، بل أصبح القوة الدافعة الرئيسية للنمو الاقتصادي العالمي خلال العقد الأخير. فمنذ عام 2010، شهدت الشركات التكنولوجية تفوقًا ملحوظًا مقارنة بالقطاعات الأخرى، مما أدى إلى تحقيق زيادات في العائدات العالمية للأسهم بنسبة تفوق 30%
لكن يبقى التساؤل المطروح: هل هذا الحماس الاستثماري في الذكاء الاصطناعي قائم على أسس سليمة ومدروسة، أم أننا أمام فقاعة استثمارية محتملة قد تنفجر في المستقبل القريب؟
الحماس الذي رافق الذكاء الاصطناعي مشابه لما حدث مع ابتكارات سابقة مثل الإنترنت والسكك الحديدية. ففي بداية كل طفرة تقنية، يُلاحظ اتجاه نحو الاستثمار المبالغ فيه والذي يؤدي في بعض الأحيان إلى تضخم غير مستدام في أسعار الأسهم. لذا، نجد أن الكثير من الخبراء ينصحون المستثمرين بالحذر عند اتخاذ قرارات الاستثمار في شركات الذكاء الاصطناعي الكبرى مثل NVIDIA، التي تعتبر واحدة من أبرز اللاعبين في هذا المجال.
في نفس الوقت، لا يمكننا إغفال الفرص الكبيرة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي. فمن المتوقع أن ينمو الاقتصاد القائم على البيانات ليصل إلى ما بين 3 و6 تريليون دولار، مما يجعل الشركات التي تستفيد من البيانات بشكل فعّال الأكثر تأثيرًا في الاقتصاد العالمي في المستقبل القريب.
لا يقتصر تأثير الذكاء الاصطناعي على الشركات التكنولوجية فقط، بل يمتد ليشمل القطاعات غير التكنولوجية التي يمكن أن تستفيد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءتها وتطوير خدمات جديدة. على سبيل المثال، يمكن لقطاعي الرعاية الصحية والخدمات المالية أن يستفيدا بشكل كبير من الذكاء الاصطناعي من خلال تحسين عمليات التشخيص، أو تقديم حلول مالية مخصصة بناءً على تحليل البيانات.
في ظل هذه التطورات، يُنصح المستثمرون باتباع نهج متوازن عند اتخاذ قراراتهم الاستثمارية في مجال الذكاء الاصطناعي. يتطلب الأمر تنوعًا في الاستثمارات والابتعاد عن التركيز الزائد على شركات معينة، مع استكشاف الفرص في القطاعات غير التكنولوجية التي قد تستفيد من الذكاء الاصطناعي. الاستثمار الحكيم والحصيف ليس فقط في الشركات المطورة للتكنولوجيا، بل أيضًا في الشركات التي تستخدمها لتعزيز كفاءتها.
يعد الذكاء الاصطناعي واحدًا من أكثر المجالات تطورًا وجذبًا للاستثمار في الوقت الحالي. وبينما تبدو الفرص كبيرة، تبقى المخاوف المتعلقة بالتقييمات المرتفعة والتركيز المفرط على بعض الشركات قائمة. من هنا، تأتي أهمية التخطيط الاستثماري المتوازن الذي يراعي كل الفرص والمخاطر المحتملة.
إن المستقبل يحمل الكثير من المفاجآت في مجال الذكاء الاصطناعي، ولكن يبقى القرار النهائي في أيدي المستثمرين: هل ستنتهز الفرصة الذهبية أم ستنتظر لترى إن كانت هناك فقاعة؟