أكاديميون يؤكدون أهمية تعزيز فعل القراءة لتعزيز ثقافة المعرفة
وتعتبر القراءة من العناصر الأساسية التي تسهم في نهضة المجتمعات وتقدمها. فقد اتفق أكاديميون ومثقفون، خلال حديثهم إلى وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أن القراءة تُعد من أهم مفاتيح التقدم والتحضر. فبدون القراءة، يصبح اكتساب المعرفة أمرًا شبه مستحيل، مما يؤثر سلبًا على قدرة الأفراد والمجتمعات على تحقيق طموحاتهم وتطلعاتهم.
ويقول وزير الثقافة الأسبق والأكاديمي الدكتور صلاح جرار إن تخصيص يوم وطني للقراءة يشكل رؤية طموحة للدور المهم الذي تؤديه القراءة في تعزيز الوعي المجتمعي وزيادة رصيد الأفراد المعرفي. ويعتبر المعرفة رافعة أساسية لقوة المجتمع ومحركًا رئيسيًا في البحث والتنمية.
وأوضح جرار أنه يجب أن تتحمل جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك المؤسسات الثقافية الرسمية وغير الرسمية ووسائل الإعلام والمدارس والأسر، مسؤولية تعزيز القراءة وجعلها ثقافة مجتمعية وسلوكًا مألوفًا.
ويضف أن وزارة الثقافة تلعب دورًا أساسيًا في هذا السياق، مشيرًا إلى مشروع "مكتبة الأسرة" الذي يهدف إلى اختيار نحو خمسين كتابًا متنوعة المجالات وإعادة نشرها بأسعار رمزية، مما يسهم في إنشاء مكتبة في كل بيت أردني.
في السياق نفسه، تسهم المكتبة الوطنية من خلال برنامجها لتوزيع بعض مقتنياتها كإهداءات للمدارس والجمعيات في إتاحة الفرصة للقراءة لشرائح واسعة من المجتمع، بما في ذلك طلاب المدارس. وتعمل مديريات الثقافة والمراكز الثقافية التابعة لوزارة الثقافة على توفير الكتاب بصور متباينة، بينما تواصل المكتبات غير رسمية، مثل مكتبة عبد الحميد شومان، أنشطتها في تقديم مصادر المعرفة وتنظيم الفعاليات والمنافسات التي شجع الأطفال وطلبة المدارس على القراءة.
وعلى الرغم من هذه الجهود، أشار جرار إلى أن وسائل الإعلام الوطنية لا تزال مقصرة في تقديم برامج ثقافية تروج للقراءة وتعرف بالكتب وإصداراتها المختلفة، مما يتطلب مزيدًا من الجهود لتعزيز هذا الجانب.
وتشير أستاذة الأدب والنقد الحديث في جامعة البتار الدكتورة رزان ابراهيم إلى أهمية دور الأسرة في تعزيز ثقافة القراءة. حيث ترى أن القراءة تعتبر وسيلة فعالة لاكتساب المعرفة وتوسيع الآفاق، لكنها تعاني من عزوف الجيل الجديد عن القراءة، وهذا ناجم عن التفكير السائد الذي يرى فيها مضيعة للوقت أمام بدائل التسلية السهلة.
وتدعو ابراهيم إلى ضرورة الاستثمار في بناء ثقافة تحترم القراءة، بدءًا من المنزل، مرورًا بالمدرسة، وصولًا إلى الجامعة والمجتمع الأوسع. وتقترح أن يتم تفعيل استراتيجيات مشابهة لتلك التي وضعها باحثون في الغرب تحت مسمى "سوسيولوجيا الذائقة". ويعني هذا دراسة ما يميل الجيل الحالي إلى قراءته، لا سيما أنه يختلف عن اهتمامات الأجيال السابقة، مما سيساعد في تصميم أنشطة ثقافية تناسب تطلعاتهم واهتماماتهم.
ودعت ابراهيم إلى إنشاء زوايا خاصة للقراءة في الجامعات، مزودة بمقاعد مريحة وبيئة محفزة. كما اقترحت تنظيم مجموعات قراءة يشارك فيها الطلاب وتستضيف مؤلفين من مختلف المجالات، لتبادل الأفكار والنقاش حول الكتب.
وتؤكد ضرورة تزويد المكتبات في الجامعات بالكتب الحديثة بالتعاون مع الأساتذة في كل تخصص، مع تنظيم جولات للطلاب في معارض الكتب السنوية مشيرة أيضًا إلى أهمية تقديم جوائز تحفيز للطلاب الأكثر استعارة للكتب.
من جهته، يُبرز أستاذ الأدب والنقد الحديث في الجامعة الأردنية الدكتور ابراهيم الكوفحي أهمية فعل القراءة في نهوض الأمم وتحضرها. ويشير إلى أن القراءة ليست مقتصرة فقط على الكتب الورقية، بل تتنوع لتشمل وسائل وشكلا أخرى مثل القراءة الرقمية والمصادر الإلكترونية.
ويشدد الكوفحي على أهمية تعزيز ثقافة القراءة في الأردن، حيث كانت المملكة من أوائل الدول العربية التي أدركت أهمية القراءة ووضعت خططًا تشجيعية لها.
ويضف أن زيادة الوعي بأهمية القراءة يجب أن تستمر، لتلبية احتياجات المجتمع المتغير والعمل على تعزيز الرفاهية الفكرية والثقافية.
يشار الى إن اليوم الوطني للقراءة في الأردن يمثل أكثر من مجرد احتفال؛ إنه دعوة جماعية لتعزيز ثقافة المعرفة وتطوير المهارات الفكرية. وبينما يتحمل الأفراد والمؤسسات مسؤولية دعم هذه الثقافة، فإن نجاح هذه الجهود يعتمد بشكل كبير على التفاعل بين كافة مكونات المجتمع والتزامهم الذي يجعل من القراءة أسلوب حياة تداوله وتعززه الأجيال المقبلة.