د.أيوب أبودية يكتب:لا مناص من توطين مصادر الطاقة
لا مناص من توطين مصادر الطاقة
د.أيوب أبودية
لا خوف على الأردن من انقطاع الكهرباء، فأوروبا ذات الاقتصاد الصناعي القوي انقطع عنها الغاز الروسي بعد حرب أوكرانيا 2023، وتدبرت أمورها عبر استيراد غاز بديل وتخفيض استهلاك الكهرباء، بترشيد استهلاك الطاقة وزيادة كفاءتها، فمثلا أصدرت العديد من الحكومات الأوروبية أوامر للقطاع العام بمنع تجاوز درجة الحرارة في الفضاءات الداخلية للأبنية 17-19 درجة سلسيوس وذلك خلال فصل الشتاء البارد.
وفي اليابان بعد كارثة فوكوشيما وانقطاع 25% من الكهرباء النووية من أصل 30% التي كانت تغذي الشبكة الكهربائية قبل الكارثة، استطاعت اليابان بمجرد اصدار تعليمات رسمية لترشيد استهلاك الطاقة بخفض الاستهلاك 16%، علما بأن مجمل استهلاك الكهرباء للتبريد انخفض بنحو 40% بوازع أخلاقي داخلي. أي أن كل شيء استمر على نحو مقبول تقريبا رغم وقوع أعظم كارثة نووية في التاريخ البشري على الاطلاق على أراضيهم.
وفي منطقتنا، وبما أن دولة إسرائيل هي كيان استعماري، فالحرب في المنطقة لن تتوقف طالما هذا الكيان ما زال موجودا، وطالما بقي النفط في الدول العربية متوافرا ويشكل ثروة كبيرة. ورغم أننا نعتقد أنه اذا لم يتم تحرير فلسطين على يد الأبطال من أهلها في هذا الجيل، فإن التحرير حتمي في الجيل الذي يليه، فجينات البطولة تنجب الأبطال. ففي ضوء ذلك التوتر المتوقع في المنطقة لسنوات قادمة لا بد من جعل مصادر الطاقة في الأردن محلية.
فإذا انقطع الغاز القادم عبر الأنابيب من البحر الأبيض المتوسط بفعل التوترات الاقليمية أو الحرب الدائرة في فلسطين اليوم، وإمكانية توسعها شمالا في لبنان، إضافة إلى إمكانية تدخل إيران، فلا بد من تعويض بدل الفاقد من الغاز مؤقتا عن طريق مصر عبر الخط العربي، وكذلك من خلال محطة الغاز المسال في العقبة. ولكن هذا الحل يمكن أن نعده مؤقتا، ولا يمكن أن يكون حلا مستداما، فما هو الحل المستدام اذن؟
الحل المستدام هو التوسع في إنتاج الطاقة المتجددة، بحيث ترتفع مساهمتها في إنتاج الكهرباء إلى نحو خمسين بالمئة خلال ٣ إلى ٥ سنوات. وهذا ممكن جدا وباستثمارات معقولة، فاذا أخذنا مثالا من إحدى الدول الأوروبية، فإن السويد قد أنجزت زيادة مساهمة الطاقة المتجددة في خليط إنتاج الكهرباء ليصل إلى 63% في عام 2020، ومن ثم فهي سوف تستكمل في المستقبل القريب مساهمة الطاقة المتجددة في مجمل إنتاج الطاقة الكهربائية لتصبح 100% عام 2030، ومن بعدها سوف تنتقل، وقبل عام 2050، إلى استكمال المشوار لتصبح قطاعات النقل والصناعة والتجارة والزراعة والخدمات كلها تعمل على الطاقة المتجددة وحدها.
بالإضافة إلى التوسعة في إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة (الشمسية والرياح والهيدروجين الأخضر) ينبغي الشروع في التعاقد مع شركة العطارات مجددا لإنتاج محطة ثانية من الصخر الزيتي. فإن أسعار المحطة الثانية من الكهرباء ستكون أقل بكثير، لأن البنية التحتية أصبحت موجودة وجاهزة، فنحن نتوقع أن ينخفض السعر بما لا يقل عن 30%. وهكذا سوف ترتفع نسبة مساهمة الصخر الزيتي الى ٢٨%، واذا أضفنا هذه المساهمة إلى 50% من الطاقة المتجددة فيصبح مجموعهما ٧٨%، أي أنه سوف يصبح أكثر من نسبة اعتمادنا على الغاز اليوم. وهذا سيكون انجازا تاريخيا لن يستطيع بعدها أحد أن يهدد أمننا في الطاقة، وبعدها يمكن أن نستكمل الباقي (22%) عبر التوسع في إنتاج الغاز المحلي وترشيد استهلاك الطاقة ورفع كفاءتها.
وبناء عليه، فإننا على قناعة بأنه لا يمكننا الاعتماد على وجود نسبة عالية من طاقتنا مستوردة، وخاصة في عالم متقد بالحروب والنزاعات، فغاز البحر الأبيض المتوسط يسيطر عليه غيرنا، والطاقة النووية هي تكنولوجيا مستوردة، ووقودها المخصب مستورد، حتى لو سمحت التراكيز المتدنية استخراج الكعكة الصفراء في الأردن، فلا مناص من التوسع في إنتاج الغاز محليا واطلاق يد المستثمرين في إنتاج الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والاستثمار في مشاريع تخزين الطاقة الكهربائية، والاسراع في إنشاء الميناء البري للغاز الطبيعي المسال، وتطوير الشبكة الكهربائية لتتحمل هذا التطوير والتوسع والاستقلالية المنشودة.