إبراهيم ابو حويله يكتب:الرشوة ...
الرشوة ...
بين الناخب الذي يسعى نحو بعض المكاسب السريعة من قبيل مبلغ يضعه في جيبه ، وبين المرشح الذي يدفع لهذا الناخب هذا المبلغ مهما كان ، تقع المساقة كلها .
نعم هي للإسف مسافة بناء أو هدم وطن ، يقول الدكتور مهاتير محمد في مذكراته أننا حاربنا الرشوة فقضينا على الفساد ، فالرشوة تحرم الوطن من حقه بالحصول على الكفاءات والخبرات والعقول .
قد يراها البعض شيئا تافها ، ولكن هذه التفاهة هي ما يصنعه ذلك العميل الخبيث بوضع الشخص غير المناسب في المكان المناسب فيحرم الوطن من فرصتين بضربة واحدة .
ما يقوم به الجاهل او الخبيث أو الخائن من تضييع الفرصة على صاحب القرار ويحرمه من الوسائل المناسبة لإتخاذ القرار المناسب ، هي تماما ما قام به الخائن من وضع الشخص غير المناسب في المكان المناسب .
نحن نمتلك العديد من الفرص ، ولكن هذه الفرص ضاعت وتضيع بسبب نقص الكفاءات في اماكن اتخاذ القرار ، وعدم القدرة على رؤية الصواب أو اتخاذ القرار الصواب عند من هم في سدة القرار .
وخذ ما حدث مع مصانع القطاع العام من رب البندورة إلى مصنع الزجاج إلى الخصخصة إلى شركات الوطن من قبيل الفوسفات والبوتاس ، وكيف تخفق هذه وتنجح تلك وكيف ان القيادة هي مركزية ومهمة جدا في نجاح وفشل هذه القطاعات .
وهذا ما كان يحدث للأسف في ماليزيا سابقا ، قبل أن يستلم الدكتور مهاتير السلطة .
عندما يكون لدينا مجلس نواب قوي من اصحاب الكفاءة والخبرة والحكمة والدراية ، ويكون هذا المجلس هو العقل والعين والسمع واليد التي تساعد الحكومة في الوصول إلى القرار المناسب ، وتحاسب من يخطىء ، وتضع الأمور في نصابها .
عندها يكون هذا المجلس هو من الوسائل المهمة للخروج من هذه الأزمة التي نعيشها ، ويساعد على حل مشاكل الوطن السياسية والاقتصادية والصناعية والزراعية والتشريعية .
نعم هو تشريعي رقابي ، ولكنه بيت خبرة وحكمة ، ولديه القدرة على تحديد الخلل والعمل على اصلاحه وتوجيه الحكومة الى الطرق الكفيلة بمعالجة هذه الأمور .
عندما يتحرر الإنسان من السعي لتحقيق مكاسب فردية ضيقة مثل مبلغ بسيط يضعه في جيبه ، ويبيع به نفسه وكرامته ووطنه ، وعندما يتحرر الإنسان من اختيار الأقرب لأنه الاقرب وليس لأنه الأكفأ ولا الأقوى ولا الأكثر امانة ، وعندما يعلق الإنسان في حاجاته الأنانية الفردية .
عندها يضيع هو اولا، وهذا ما نعيشه نتيجة جملة من القرارات الخاطئة التي عشناها وعاصرناها ويضيع الوطن ، ونحرم انفسنا والأجيال القادمة من العيش بكرامة وحرية وعدالة ورفاهية وغنى وسعادة وووو .
عندما نختار الأفضل لأنه الأفضل ، عندها نحقق مفهوم الذات الأسمى أو الأعلى التي يبحث عنها الدين والفلاسفة والمفكرون ، وعندها نحقق مفهوم الخلافة والإستخلاف والقيام بواجبنا الإنساني الذي جعلنا الله عز وجل خلفاء في الأرض من اجله، عندها أرى أننا نلتقى مع علم الله الأزلي في تحقيق الرسالة في الأرض .
وهذه الرسالة لن تتحقق إلا عندما يكون القسط والعدل هو المقصد ، كما في سورة الحديد من ان مقصد ارسال الرسل والكتب السماوية والميزان هو ليقوم الناس بالقسط .
ما نراه امرا كبيرا بالغ التعقييد اختصره الدكتور مهاتير في محاربة الرشوة الذي كان سببا رئيسيا في القضاء على الفساد بعد ذلك، والذي كان بدوره سببا رئيسيا في صناعة ماليزيا كما نراها اليوم ، نمر من نمور اسيا نهض من لا شيء ولكنه إستطاع ان يحقق شيئا .
طبعا نحن لا نريد أن نكون مثل بائع السمن ، ولكن ما أؤمن به ان الإصلاح يبدأ بإصلاح النفس ، وبعدها السعي لإصلاح من حولك ، وبعدها لا تختار ولا تدعم ولا تنتخب ولا تشجع إلا الأصلح .
عندها نحقق الرؤية الربانية واليابانية ولا نستقبل من ركب سفينة النجاة على حسب الأطفال والنساء والفقراء إلا بالأحذية والخضار الفاسدة، ولا نضعهم في صدر المجلس ثم بعد ذلك نبكي على حال الوطن وما حلّ به .
وهذه ليست قصة مرشح وناخب فقط ، ولكنها قصة الإنسان المستخلف في هذه الأرض .
إبراهيم ابو حويله ...