banner
مقالات مختارة
banner

المرض الهولندي والذكاء الاصطناعي

{clean_title}
جهينة نيوز -

د.خالد الوزني

يتلخَّص مفهوم المرض الهولندي Dutch Disease في الاقتصاد بمقولة: "اقتصادٌ ظاهره قوي وباطنه معتل”، وقد نشأ المرض الهولندي في الفكر الاقتصادي في بداية سبعينات القرن الماضي نتيجة اكتشاف الغاز الطبيعي في هولندا، وتدفَّق ريعه الضخم في شكل زخّات نقدية Windfalls، ما أفضى إلى توظيف تلك العوائد الضخمة في الإنفاق على تحسين مستويات المعيشة، عبر الإنفاق الاستهلاكي، وسلع الرفاه، والخدمات العامة غير الإنتاجية، ويتزامن ذلك مع ركود الاهتمام بالقطاعات الإنتاجية المحلية الأخرى.

أما النتيجة فتكمن في الابتعاد عن التنوُّع الاقتصادي في الناتج، والتجارة الخارجية، والإيرادات العامة، اعتمادا على مصدر وحيد متذبذب، وقد يكون غير مستدام.

ومن هنا جاءت مقولة: "عملة قوية واقتصاد ضعيف” في أدبيات المرض الهولندي.

العديد من دول العالم، وخاصة في المنطقة العربية، عانت وتعاني من أعراض المرض الهولندي بعملة قوية واقتصاد غير مستدام وغير رشيق وغير منيع.

الشاهد من هذه المقدِّمة، أنَّ الفرصة العالمية التي بات يوفِّرها اقتصاد الذكاء الاصطناعي هي سبيل حقيقي للخروج من أعراض المرض الهولندي، الإقليمي على وجه الخصوص، حيث الاعتلال الاقتصادي الخفي الذي ينتشر داخل الجسد الاقتصادي للعديد من الدول، دون الانتباه إليه بسبب مظاهر قوة العملة، وتحسُّن معدلات البطالة، ومعدلات الاستهلاك، بل وتحقَّق بعض النتائج الإيجابية في النمو الحقيقي. الذكاء الاصطناعي بات من ممكِّنات تحسين الإنتاجية الزراعية وتخفيض كلفها، ومن معزِّزات رفع كفاءة القطاع الصناعي، وتحسين إنتاجيته، وتخفيض كلفه، وزيادة قيمته المضافة بشكل جوهري، وهو من مقوِّمات تحسين مستوى قطاع الخدمات، وتسهيل الحصول عليها بكلف منخفضة للغاية.

وفي الوقت الذي يؤدّي فيه المرض الهولندي إلى التحوُّل إلى القطاعات الاستهلاكية الخدمية غير التصديرية، فإنَّ الذكاء الاصطناعي يؤدّي إلى زيادة حجم الإنتاجية في قطاعات الصناعات التحويلية، ناهيك عن دوره في تخفيض كلف الإنتاج في ذلك القطاع، وفي القطاعات الإنتاجية الأخرى، الصناعية والزراعية وحتى الخدمية.

إنَّ الذكاء الاصطناعي التوليدي GAI هو أحد سبل معالجة دواعي المرض الهولندي في الاقتصادات التي بات الكثير منها معافاً في ظاهره، معتلٌ في باطنه، وهو السبيل إلى تشغيل القوة العاملة الشابة من الجنسين، وفي تحقيق معدلات تنمية عالية، وخاصة قطاعي الزراعة والصناعة، التحويلية منها والاستخراجية.

بقي القول: إنَّ استخدامات الذكاء الاصطناعي في القطاعات المختلفة تنمو باضطراد، وعليه، فإنَّ دورها قادم لا محالة، ولكن على الدول أن تقرِّر ما إذا كانت تريد أن تقف متفرجة مستوردة لنتاج الذكاء الاصطناعي، أم منتجة، مولدة، ومساهمة في تطوير اقتصادها. بين التبعية والاستقلالية شعرةُ إرادة بيد صنّاع القرار.

* أستاذ السياسات العامة المشارك بكلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية

تابعو جهينة نيوز على google news
 
Email : info [at] johinanews.com
 
تصميم و تطوير