عيد الجلوس الملكي و يوم الجيش مناسبة وطنية يعتز بها الاردنيون
بقلم : كريستين حنا نصر
أثناء اقامتي في لندن عام 1999م تلقيت وعبر شاشات التلفزة العالمية ببالغ الاسف والحزن خبر وفاة المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال، ولكن في الوقت نفسه انتابني الأمل والاعتزاز بإن يتولى بعده صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين سلطاته الدستورية ملكاً على المملكة الاردنية الهاشمية، ومرد هذا الأمل والشعور بالاطمئنان هو أن يعتلي هذا الأمير الشاب، وولي عهد مملكتنا المحبوب العرش الهاشمي، الذي درس في جامعة أكسفورد في المملكة المتحدة، وفي كلية الخدمة الخارجية في جامعة جورج تاون في واشنطن وتلقى تعليمه العسكري في أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في المملكة المتحدة،ليبدأ بعدها مسيرة متميزة في الخدمة العسكرية في صفوف القوات المسلحة الأردنية-الجيش العربي، ملك يؤمن بالشباب والنهضة والتنمية ويمتلك الارادة والحيوية ونشاط الشباب وتطلعهم بغد ومستقبل واعد، ليكمل ويعزز جلالته وبنظرة عصرية ومنهجية حديثة مسيرة البناء التي قادها والده الراحل ومن سبقه من ملوك بني هاشم، وبتركيز واضح من جلالته على المؤسسة العسكرية والتنموية الاقتصادية لثقته بأن الجانب الامني والاقتصادي ركيزة في تطور الدولة المعاصرة .
إن الشخصية المتميزة والمهارات الدبلوماسية والثقافية والنظرة الحضارية الشمولية التي يتمتع بها جلالة الملك المعزز عبد الله الثاني، كانت عاملاً مهماً في مسيرة الانجاز والعطاء، فاتقانه للغة الانجليزية وما يتصل بها من مهارات التواصل مع المجتمع الغربي ساهمت في تعزيز العلاقات الدبلوماسية الخارجية للاردن، بما في ذلك العلاقة مع امريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول ذات المكانة العالمية، الامر الذي جعل الاردن من الناحية الاستراتجية في مرتبة متقدمة لها دورها الرئيس في المنطقة والعالم، فخطابات ولقاءات جلالته العميقة الدلالات والرسائل في المحافل الدولية بما في ذلك الجمعية العامة للامم المتحدة و الكونجرس والمؤتمرات العالمية مثل مؤتمر دافوس الاقتصادي وخلال تسلم جلالته لجوائز عالمية مثل جائزة مصباح السلام وتمبلتون، نجحت في ترسيخ المكانة والثقة العالمية بحكمة جلالته، وأفادت ايضاً في تعزيز الاستثمار واستقطاب الشركات التجارية ورجالات الأعمال للأردن.
وفيما يخص العلاقات الاردنية الخارجية، فقد شهدت في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني تطوراً شاملاً يراعي المصالح الاردنية المتعلقة بالأمن والتنمية، وفي هذا الاطار تميزت العلاقات الدبلوماسية الاردنية الامريكية بمجالات تعاون متعددة وبشكل يخدم المصالح المتبادلة، ويعزز مسيرة التنمية المستدامة المحلية ويدعم التجارة والاستثمار ، بما في ذلك إتفاقية التجارة الحرة بين البلدين ( التي وقعت بين البلدين عام 2000م كأول اتفاقية تجارة حرة بين امريكا والدول العربية)، فتح بموجبها المجال للمصانع والشركات الاردنية بتصدير بضائعها للسوق الامريكي، وعلى الصعيد الامني والدفاعي تعززت العلاقات الثنائية وبرزت اهميتها مؤخرا بحماية الاقليم الجوي الاردني من اختراق الصواريخ والطائرات المسيرة الايرانية، التي أطلقت بذريعة الرد على هجوم اسرائيلي سابق ضد سفارة ايران في دمشق، وقد حققت العلاقات الاردنية الامريكية والعلاقات الاردنية مع الدول الصديقة مثل فرنسا وبريطانيا اهمية استراتيجية دفاعية، الى جانب وجود قواعد عسكرية امريكية واوروبية على الاراضي الاردنية تتقيد وتلتزم بقواعد السيادة الاردنية وتُفيد في الجانب التدريبي والتعاون العسكري، وعلى صعيد الشراكة الاردنية مع دول الاتحاد الاوروبي فقد تعززت باتفاقية شراكة عام 2002م ولاحقا نجح الاردن بان يكون اول دولة متوسطية شريكة ذات "وضع متقدم" مع الاتحاد الأوروبي منذ عام 2010م.
وفي عهد جلالته وبهدف التنمية وخلق مناخ استثماري في الاردن وجعلها منطقة استراتيجية مركزية تجذب رجال الاعمال، اقيمت المناطق الاقتصادية الخاصة مثل منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، واقليم البترا التنموي السياحي ومنطقة البحر الميت التنموية، وفي اعتقادي الشخصي أن هناك تطور ملحوظ يمكن مشاهدته في مستويات التنظيم والبناء والبنية التحتية والخدمات المتقدمة في هذه المناطق التي تساعد اليوم كمشاريع وطنية في زيادة الايرادات، وتساهم أيضاً في مواجهة ومعالجة مشكلات البطالة والفقر، ولكن يجب ادراك مسألة مهمة وهي ان ازمة كورونا والصراع الدائر اليوم في غزة والتهديد المستمر بامكانية توسع الصراع، جميعها تحديات أثرت سلباً على القطاع الاقتصادي والسياحي الأردني.
وفي ظل الازمات التي تشهدها المنطقة والتي يمكن وصفها بالساخنة، فقد جسدت دبلوماسية جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين نموذجاً عملياً للسلام الذي يراه الملك وينادي به العالم كله، خاصة أن جلالته أطلق مبادرات فاعلة بهذا الخصوص مثل رسالة عمّان وكلمة سواء، بهدف نشر قيم التعايش والتسامح وقبول الآخر، ولا شك أن جهود جلالته واضحة من أجل تحقيق التهدئة والسلام في الملف السوري وعلى صعيد الحرب الدائرة بين اسرائيل وحماس، حيث برز دور جلالته في ايصال الصوت العربي والاسلامي المتزن المتمسك بالسلام للراي العام الغربي، وفي اطار الجانب الاغاثي والمساعدات فان التوجيهات الملكية السامية واضحة بتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني وايصال المساعدات الاغاثية لهم.
وبالتزامن مع احتفالنا بذكرى الثورة العربية الكبرى التي قادها المغفور له الشريف الحسين بن علي ورفع شعارها( الحرية والاستقلال والوحدة) ورسخ بموجبها القواعد المتينة لقيام الدولة الاردنية التي تدخل اليوم مئويتها الثانية، ومناسبة يوم الجيش أيضاً، فلا بد من الاشارة الى ان اليوبيل الفضي لتولي جلالته سلطاته الدستوية، شهد عناية ملكية مباشرة شملت التوجيه باعادة هيكلة القوات المسلحة وتنظيمها وتسليحها وتدريبها وفق أحدث البرامج والخبرات المتقدمة، خاصة في ظل التحديات المتعلقة بامن الحدود والتهديدات الخارجية التي تتصدى لها اجهزتنا الامنية بكل شجاعة، كما تم تاسيس مديريات متخصصة واستحداث تخصصات مهنية وادارية تلبي الاحتياجات العسكرية والمدنية في نفس الوقت، باعتبار الجيش له رسالة تنموية محلية ورسالة انسانية عالمية تتمثل بدور قوات حفظ السلام ومساعدة المجتمعات الدولية وقت الازمات والكوارث، كما حظي جانب تحسين الاوضاع الصحية والتعليمية والاقتصادية لمنتسبي الجيش وكافة الاجهزة الامنية رعاية ملكية ايضاً، بما في ذلك رعاية اسر العسكريين العاملين والمتقاعدين والمحاربين القدامى واسر الشهداء ايضاً.
وبمناسبة عيد الجلوس الملكي واليوبيل الفضي لتولي جلالة الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية وذكرى الثورة العربية ويوم الجيش، اتوجه لقيادتنا الهاشمية واسرتنا الاردنية الواحدة وجيشنا واجهزتنا الامنية بالتهنئة وبمشاعر الفخر والاعتزاز بمسيرة التنمية والنهضة التي يقودها جلالته بكل اقتدار وحكمة.