الذكاء الاصطناعي والاقتصاد
د. حيدر المجالي*
بداية إن الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence - AI) مجال في علوم الكمبيوتر يهتم بتطوير نظم وبرامج تمتلك القدرة على القيام بمهام تعتبر ذكاءً بشريًا، ويهدف إلى تصميم وتطوير أنظمة تكون قادرة على التعلم والتفكير واتخاذ القرارات بنفسية مشابهة للبشر. الذكاء الاصطناعي يهدف إلى إعطاء الحواسيب القدرة على القيام بمهام معينة مثل تعلم الآلة، والتعرف على الصوت والصورة، ومعالجة اللغة الطبيعية، والتخطيط، والتفكير الذكي والتشخيص الطبي، والاقتصاد والتجارة الإلكترونية، والسيارات الذاتية، وأنظمة التحكم الصناعي. وتتنوع التطبيقات العملية للذكاء الاصطناعي وتشمل العديد من المجالات حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في تحسين الكفاءة والدقة واتخاذ القرارات المستندة إلى قاعدة بيانات ضخمة حيث تطورت الروبوتات واعتمدت تطبيقات حديثة كالمساعد الذكي «Smart Assistant» لإنجاز المهام بسهولة ويسر، وتطبيق « Chat GPT « لحل المسائل العلمية ووضع الحلول للعديد من المشكلات، وتحرير المقالات العلمية والأدبية وغيرها.
وفيما يخص موضوعنا، الذكاء الاصطناعي والاقتصاد فهما عنصران يعملان معا لتحقيق تحسينات في الكفاءة والأداء الاقتصادي وهما مجالان يستخدمان تطبيقات التكنولوجيا والبيانات في سياق النظم الاقتصادية والاجتماعية حيث يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل وتفسير البيانات الاقتصادية والمالية، وتوفير توقعات حول السلوك الاقتصادي، والتنبؤ بالاتجاهات الاقتصادية المستقبلية. كما يمكن أن يساهم الذكاء الاصطناعي في تحسين الكفاءة وتحسين الأداء وتحفيز النمو الاقتصادي وزيادة الانتاج وتخفيض التكاليف وتحسين التخطيط الإستراتيجي وإدارة المخزون وتحسين سلاسل التوريد. ووفقا لتقرير صدر في عام 22 عن مؤسسة Goldman Sacks فمن المتوقع ان يساهم الذكاء الاصطناعي في زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 1.5 % على مدى السنوات العشر المقبلة وذلك بتحفيز التجارة والاستثمار والتعاون الدولي حيث سيضيف الذكاء الاصطناعي تريليونات الدولارات إلى الاقتصاد العالمي. وبحسب توقعات المنتدى الاقتصادي العالمي، يُتوقع أن يُضيف استخدام الذكاء الاصطناعي 16 تريليون $ إلى الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030. ومن المتوقع أن تستفيد كل من الصين والولايات المتحدة الأميركية بشكل كبير من هذه الطفرة التكنولوجية، بنسبة 70 % من التأثير العالمي للذكاء الاصطناعي. وتشير الدراسات إلى أن الخدمات المصرفية والتكنولوجيا العالمية والعلوم الحيوية ستكون من بين أكثر القطاعات استفادة. ففي قطاع الخدمات المصرفية يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدم قيمة إضافية بين 200 و 340 مليار دولار سنوياً، وفي قطاع البيع بالتجزئة والسلع يُمكن أن يصل التأثير إلى ما بين 400 و 660 مليار دولار سنوياً. وفيما يتعلق بأسواق العمل العالمية فمن المتوقع أن يُتيح نمو إنتاجية العمالة بنسبة تتراوح بين 0.1 إلى 0.6 % سنوياً حتى عام 2040 ويمكن أن يتأثر نحو 60 % من الوظائف عالميا في حين قد يعزز دمج الذكاء الاصطناعي بعض الوظائف الإنتاجية ويُساهم في تحسين كفاءة الأداء وكيفية عمل الشركات. وفي تحليل أجراه صندوق النقد الدولي حول تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل العالمية، تبين أن نحو 40 % من العمالة العالمية تتعرض للذكاء الاصطناعي بطريقة معينة ومن المتوقع أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى فقدان 85 مليون وظيفة وإنشاء 97 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 25. فالذكاء الاصطناعي يعمل على تقليل التوظيف والاستغناء عن العمالة، مثلما حدث في شركات ميتا وأمازون وألفابت وشركات أخرى الا انه يخلق فرصا للتطوير والنمو لأعمال هذه الشركات العالمية.
إن استخدام الذكاء الاصطناعي في تحفيز النمو الاقتصادي يتطلب التخطيط والتنفيذ الجيد وتبني إستراتيجية واضحة وتعاونا بين القطاعين العام والخاص لتحقيق فوائد التكنولوجيا وضمان التوازن بين الاقتصاد والمصلحة العامة حيث يتم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة الإنتاجية ودعم النمو. وتؤثر عمليات الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد في أداء الشركات والصناعات وتحسين خدمة العملاء حيث يمكن لروبوتات المحادثة (Chatbots) التفاعل مع العملاء وتقديم الدعم وتحليل البيانات المرتبطة بسلاسل الإمداد (Supply Chains) واللوجستيات. وسيؤثر الذكاء الاصطناعي في أسواق المال حيث ستتأثر من التطور التكنولوجي مثل التداول الآلي واتخاذ قرارات الشراء والبيع للأصول المالية بسرعة أكبر استنادًا إلى تحليلات دقيقة للبيانات والأنماط السوقية وتوقعات الأسواق واتجاهاتها، والتحكم في المخاطر من خلال مراقبة وتحليل الأنشطة، واكتشاف الأنشطة غير المشروعة والاحتيال في الأسواق المالية.
الدول الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي تتمتع بمزايا اقتصادية تنافسية كبيرة، حيث إنها تُشجِّع على استثماره وتضع القوانين المنظمة لاستخدامه، ولهذا فالدول الراغبة في جني ثمار التكنولوجيا يجب أن تأخذ في اعتبارها عدة عوامل تتمثل في البحث والتطوير وتوفير دورات تدريبية لمساعدة العاملين على التكيف مع التكنولوجيا الحديثة ومعالجة التحديات الناجمة عن الذكاء الاصطناعي. بينما الدول التي لا تولي اهتماماً لهذا المجال، فقد تفقد فرصاً اقتصادية كبيرة وتواجه صعوبة لمواجهة التطورات العالمية وغياب الدور الاستثماري الكبير في هذا المجال. ووفقا لتقرير صادر عن مؤشر S&P 500 يمكن أن يستمر النمو في شركات الذكاء الاصطناعي إلى 5200 نقطة هذا العام، مما يعني زيادة بنسبة 9 % على الأقل للعام 24. بينما أشار تقرير حديث نشرته «Business Insider» سلط الضوء على أنشطة «وول ستريت» معتبرا أن الطفرة الهائلة التي تحققها أسهم شركات الذكاء الاصطناعي ستدعم الاقتصاد العالمي وتزيد من نسبة النمو الاقتصادي للدول بنسبة من 1 % إلى 2.3 % .
ولمساعدة الدول على صياغة سياسات سليمة للذكاء الاصطناعي، أنشأ صندوق النقد الدولي «مؤشر الجاهزية للذكاء الاصطناعي» الذي يقيس مدى الاستعدادات في مجالات مثل البنية التحتية الرقمية، وسياسات رأس المال البشري وسوق العمل، والابتكار والتكامل الاقتصادي، والتنظيم والقواعد الأخلاقية. وباستخدام هذا المؤشر، أجرى خبراء الصندوق تقييما لمدى جاهزية 125 دولة في العالم وتبين من نتائج التقييم أن الاقتصادات الأغنى، واقتصادات الأسواق الصاعدة، مجهزة على الأغلب بشكل أفضل لاعتماد الذكاء الاصطناعي مقارنة بالبلدان منخفضة الدخل، فقد حصلت سنغافورة والولايات المتحدة والدنمارك على أعلى الدرجات في المؤشر وحلت الامارات في المركز 28، ولهذا ينبغي للاقتصادات المتقدمة أن تعطي الأولوية لابتكار الذكاء الاصطناعي وإدماجه مع الحرص على إرساء أطر تنظيمية قوية. فهذا المنهج سينشئ بيئة آمنة ومسؤولة للذكاء الاصطناعي، ويساعد في المحافظة على الثقة العامة ويعزز الأمان السيبراني بالكشف المبكر عن التهديدات. وينبغي لاقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية أن تعطي الأولوية لوضع أساس قوي لتحولها التكنولوجي من خلال الاستثمارات في البنية التحتية الرقمية وتوافر الكفاءات في مجال العمل الرقمي. بالمقابل فإن السعي خلف استخدام الذكاء الاصطناعي لا يخلو من الصعاب حيث يجب التفكير في التحديات والمخاطر المحتملة، مثل تأثيره على سوق العمل وفقدان بعض الوظائف التقليدية، وزيادة التفاوت الاقتصادي والقلق من الخصوصية والأمان في جمع ومعالجة البيانات، وتحيز الخوارزميات والتحديات القانونية والأخلاقية المتعلقة بالاستخدام السليم للذكاء الاصطناعي.
في الأردن تم إقرار الإستراتيجية الأردنية للذكاء الاصطناعي والخطة التنفيذية (2023-2027) والتي تستند إلى الارتقاء بالأردن ليكون من الدول الرائدة بهذا المجال حيث تم وضع خمسة أهداف رئيسة للإستراتيجية تتضمن تطوير المنظومة الداعمة للذكاء الاصطناعي، وتشجيع البحث العلمي والتطوير، وتعزيز بيئة الاستثمار وريادة الأعمال في هذا المجال، وضمان البيئة التشريعية والتنظيمية الداعمة للتوظيف الآمن للذكاء الاصطناعي، وأخيرا تطبيق أدوات الذكاء الاصطناعي لرفع كفاءة القطاع العام والقطاعات ذات الأولوية.
*خبير الاقتصاد والتمويل