دليل أصدقاء البيئة: كيف نحيا حياة صديقة للبيئة؟
جهينة نيوز -د. أيوب أبودية
صدر كتاب "كيف نحيا حياة صديقة للبيئة" في الامارات العربية المتحدة عن مؤسسة زايد الدولية للبيئة، وذلك ضمن سلسلة عالم البيئة ومشروع "دليل أصدقاء البيئة". ويميز هذا الكتاب مناقشة دور الانسان العادي في مواجهة التغير المناخي فرديا عبر اتخاذ اجراءات على الصعيد الفردي بحيث يساهم كل فرد في خفض انبعاثاته من ثاني أكسيد الكربون وغيرها من الغازات الدفيئة.
لقد آن الأوان أن نرتقي بوعينا للبيئة عبر اجتناب الأعمال غير المسؤولة وغير الواعية تجاه الطبيعة الأم، إذ يجب استبدالها بممارسات واعية رفيقة بالبيئة بطريقة أو بأخرى. فماذا نفعل؟ هل نتوقف عن أكل اللحوم الحمراء من أجل هذا الهدف بالتحديد، فنصبح نباتيين، مثلا؟
ألم يحن الوقت لرد الديون التي اقترضناها من الطبيعة إلى الطبيعة نفسها؛ ديون تتمثل في الضرر الناجم عن سلوكنا البشري الذي ألحق الأهوال بالطبيعة منذ ولادة المجتمعات البشرية المنظمة، وخاصّة في ضوء المعرفة التي اكتسبناها منذ الثورة العلمية الكبرى في القرن السابع عشر، وحتى انطلاقة الثورة الصناعية الأولى في نهايات القرن الثامن عشر، والتي قامت على المحرك البخاري الذي يعمل على الفحم، حيث بات اليوم متوسط ارتفاع درجات الحرارة العالمية ملحوظًا بالفعل وتجاوز عتبة 1.5 درجة سلسيوس، في ما زاد معدل درجة حرارة أسطح البحار العالمية تقريبا بنفس المقدار، وأمسى يزداد بصورة تدرجية، بدءاً من ثمانينيات القرن العشرين حتى يومنا هذا.
فمنذ الثورة الصناعية الأولى التي بدأت في نهاية القرن الثامن عشر، حرقت البشرية الوقود الأحفوري، بدءاً بالخشب، تلاه الفحم، ثم توسّع استهلاكنا في نهايات القرن التاسع عشر عندما اكتشف النفط، فضلاً عن اختراع محرك الاحتراق الداخلي في عام 1872 للميلاد واكتشاف الذي جعل استهلاكنا للطاقة أكبر بكثير، سيما وأن هذه الأحداث تزامنت مع توسع الرأسمالية حول العالم، كما تزامنت مع القرصنة الذي مارسته الدول الاستعمارية لنهب خيراته من ذهب وفضة وتجارة للبشر وغير ذلك.
وبناءً عليه، فقد تصاعدت انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون العالمية بنحو 20 مرة عام 2000 نتيجة حرق الوقود الأحفوري مقارنةً بعام 1900 للميلاد. وفي مواجهة هذا الارتفاع في درجة الحرارة الذي بات يُعرف بالاحتباس الحراري وما ترتب عليه من تغيّر مناخي، تتوجت جهود اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ باتفاقية باريس 2015 للحد من الزيادة إلى درجتين سلسيوس بحلول نهاية القرن لتجنب العواقب الوخيمة. كما يجري اليوم تعديل هذا القرار، وخاصة بعد مؤتمر اسكتلندا 2021، ودبي 2023، لوضع الجهود اللازمة للحد من الارتفاع إلى 1.5 درجة مئوية، إذا كان ذلك ممكناً، وبصورة اختيارية. وطبعا، لم يعد ذلك ممكنا لتجاونا هذا السقف على صعيد عالمي.
ومن المتفق عليه أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري للفرد الأمريكي الواحد في عام 2015، بالنسبة للاستهلاك المنزلي قصير الأمد، وذلك وفقًا لشبكة البصمة العالمية Global footprint، فإنها كانت كما يلي:
وسائط النقل الشخصية 24٪
السكن (الكهرباء ، التدفئة ...) 22٪
الخدمات (المطاعم ، الرياضة ، المؤسسات التعليمية، الخدمات الحكومية...) 21٪
الغذاء (الأغذية والمشروبات) 17٪
السلع (الإلكترونيات ، الملابس ، ...) 15٪
لذلك يدور هذا الكتاب في فلك هذه العناصر المكونة لتلويث الأفراد للبيئة.
في عام 2014، ووفقًا لبيانات البنك الدولي، من حيث الكمية السنوية للكربون المنتجة لكل فرد، كان الإنسان القطري هو الأعلى انتاجا للغازات الدفيئة، حيث بلغت 45.42 طنا لكل فرد ، وكانت الولايات المتحدة عند 16.49 طن، والأردن عند 3 طن، في ما كان أدنى رقم في القائمة دولة الصومال عند 0.05 طن. فتخيلوا أن الإنسان القطري ينتج 900 مرة من الكربون أكثر من الإنسان الصومالي! فأين العدل والإنصاف في هذا العالم؟
ولوضع هذه الأرقام كتجربة حية معيشة في العالم الحقيقي، يحتاج كل مواطن أمريكي إلى زراعة نحو 1000 شجرة سنوياً، على افتراض أن الشجرة الناضجة الواحدة تمتص 16 كيلوغراماً من ثاني أكسيد الكربون سنويا، وذلك من أجل تحقيق حلمه لأغراض سداد ديونه البيئية لأمه الحنون - الأرض. لكن هذا النهج غير واقعي بالنسبة له، لذلك فهو بحاجة إلى تغيير أسلوب حياته جذرياُ، ولا يشتمل ذلك فقط على وقف استهلاك اللحوم الحمراء، بل يجب عليه أن يبحث عن وسائل نقل أخرى أكثر رفقا بالبيئة، وأيضاً عليه أن يختار بدائل للسكن والخدمات والسلع التي يشتريها ويستهلكها.وفي ضوء ذلك، فإنّ هدف هذا الكتاب الموسوم "كيف نحيا حياة صديقة للبيئة؟" هو أن يبدأ كل إنسان بخطوات مماثلة، وذلك كي يخفض من إطلاقه للغازات الدفيئة، وذلك عبر انتهاج سلوك يتمثل في اتخاذ نمط حياة جديد يسعى لأن يكون رفيقاً للبيئة، وفي الوقت نفسه لا يحرم نفسه من ملذات الحياة في ما يحقق حاجاته الضرورية فيها.إن الفائدة المرجوة من هذا العمل ذو التوجه البيئي هو أن يسهم هذا الكتاب في توجيه القارئ نحو العيش حياة بيئية سليمة صديقة للبيئة. ونعتقد أن الكتاب يمكنه أن يساهم في تحقق هذا الهدف عبر استطلاع إمكانات تغيير سلوكنا في الغذاء، والشراب، والتنقل، وفي اختيار المكان الأفضل لقضاء الإجازة، وفي اختيار الملابس، وما إلى ذلك.
كذلك نعتقد أنه يسهم في تقديم النصح من حيث اختيار موقع البناء لأغراض السكن، وشرح آليات توجيه البناء السليمة، وتطبيق عناصر التصميم المناخي الايجابي المناسب للموقع الجغرافي، وفي تظليل الأبنية، فضلاً عن اختيار النوافذ المناسبة، واختيار نوعية المواد وألوانها التي يفضل أن تستعمل في البناء، واختيار مصادر الطاقة النظيفة.
كما يناقش الكتاب ضرورة وكيفية عزل الأبنية عزلاً حرارياً جيداً، والشروع في إعادة تدوير المواد المستهلكة، واللجوء إلى الزراعة المناسبة حول البناء، والتحضير للحصاد المائي ما أمكن، مع مراعاة إعادة تدوير المياه المستهلكة، سواء في حال المياه السوداء أم المياه الرمادية. وأخيراُ يدرس الخطوات الخضراء الضرورية لتوفير استهلاك المياه والكهرباء ومصادر الطاقة الأخرى، ويناقش بعض السلوكيات الخضراء في حياتنا.
ولتعميم الفائدة فإنه يمكن تنزيل الكتاب مجانا على موقع:https://independent.academia.edu/AAbuDayyeh