banner
كتّاب جهينة
banner

"المسلخ".. حكاية من مخيم البقعة

جهينة نيوز -

"المسلخ".. حكاية من مخيم البقعة

 

وليد حسني

 

في إحدى النكات الدارجة فإن خروفا أتعبته الحياة وصل الى دوار صويلح واستقل تاكسي أجرة باتجاه نزول صافوط البقعة قائلا للسائق" بالله عليك نزلني عند اقرب مسلخ" معرباعن رغبته الشخصية بالموت.

لا تبدو النكتة هناك بحاجة لتفسير وتاويل، فقد كان العشرات من أبناء مخيم البقعة يعتصمون مساء أمس احتجاجا على قرار تلزيم لمنطقة المسلخ وسط المخيم لمقاول أصبح منذ سنوات المتعهد الرئيسي لكل مشاريع لجنة الخدمات في المخيم، وحصل على الكثير من المكتسبات من الأراضي الإستراتيجية التي سمحت له بالتمدد داخل الأماكن الأكثر نشاطا واكتظاظا تجاريا في المخيم.

و"مسلخ البقعة" له قصة طويلة فمنذ ان تم اغلاقه قبل نحو سبع سنوات وهو يمثل مكرهة صحية لأهالي المنطقة الذين اتعبهم الصراخ والاستنجاد بكل مسؤول من اجل حل مشكلتهم، وجاء الحل أخيرا بحسب المسطرة العوجاء المثيرة للتساؤلات التي تنتهجها لجنة تحسين خدمات مخيم البقعة ودائرة الشؤون الفلسطينية، وبالنتيجة فقد تمت احالة التلزيم على المقاول ولمدة عشرين سنة باجرة سنوية تبغ 1500 دينار فقط لا غير، في الوقت الذي تبلغ فيه مساحة المنطقة نحو 300 متر مربع، وسيتم تحويلها لمحلات تجارية سينجح المقاول العتيد في حصاد ما سيحصده منها مثلما نجح في السابق بحصاد ما يزرعه لدى لجنة الخدمات من اراضي وعقارات..الخ.

بالأمس بدت احتجاجات المواطنين عالية جدا، في الوقت الذي تناطح فيه البعض في تجيير قرار اللجنة لصالحه، السيدة عضو لجنة اللامركزية كتبت متفاخرة بانها هي من وقفت وراء قرار اللجنة باعتباره القرار التاريخي الأكثر صوابا، معيبة على اهالي المخيم الاعتصام او الاحتجاج، وكأنها تصادر حق المواطنين بالتعبير عن ارائهم ومواقفهم.

هناك في "أمريكا اللاتينية" ــ كما أحب أن أسمي مخيم البقعة ــ ثمة عشرات الأسئلة التي يتوجب طرحها عما يجري في هذا "الجيتو" الذي تحول لمزرعة يتم خلالها توزيع الاراضي والمصالح والمكاسب على ثلة محصورة من المنتفعين، لا احد يعلم كيف تتم، وعلى أية أسس يحصل هؤلاء على امتيازات تثير التساؤل، وتثير الشفقة، والإستنكار.

أحد النوادي في البقعة يتصرف باعتباره المالك المطلق لكل ما في المخيم من أملاك، يحصل على قطع اراض ويقوم بصرف اراض أخرى لصالح آخرين، والبعض يحصل على قطعة أرض كتعويض له عن "بسطة خضار" فيبيعها بخمسين الف دينار، والبعض الآخر يقوم بالهيمنة على المنح الجامعية المخصصة لأبناء المخيم من المكرمة الملكية فيوزعها حسب هواه.

هناك في مخيم البقعة ثمة الالاف الغاضبين الذين لا تصل اصواتهم للمسؤولين، ولا يكاد يبلغ صراخهم الاحتجاجي ابعد من مساحة منازلهم، وثمة سطوة لا احد يعرف من يقف خلفها، وثمة تخريب وخراب لا احد يعرف منتهاه.

مئات الاف الدنانير تدخل صندوق لجنة الخدمات ولا تنعكس على المواطنين وعلى المخيم، ومئات الأطنان من القمامة التي تغرق المخيم واللجنة لا تبتكر اجراءات لحلها، اعتداءات على السوق لصالح اصحاب الخاوات، ولو قلنا إن مداخيل بعض هؤلاء تصل لالاف الدنانير شهريا فلن يصدقني أحد، ولا يكاد احد يمر من السوق إلا بشق الأنفس فقد سيطر اصحاب الخاوات حتى على الشارع الذي يشق السوق، بينما تتراوح أجرة البسطة الواحدة ما بين 10 الى 20 دينارا في اليوم الواحد، والبعض من فارضي الخاوات يملك العديد منها ويؤجرها وكانها من املاك الجد والوالد.

هذه هي الصورة الأولية في البوم المخيم الذي يغرق بالفوضى، وتقتله روح المصالح، والمحاباة، وتقاسم الغنائم، ولا أدري من الذي يستمرىء كل هذا الصمت على ما يجري وهل ثمة ثمن لهذا الصمت المريب؟ أم أن هناك اهدافا بعيدة المدى لا نعرفها؟.

ندرك ان المخيم تم العبث به حتى أنهك تماما ولم يعد يمثل أية هوية سياسية بقدر ما أصبح يمثل سوقا للمصالح والمغانم،  ولعل من المفيد القول هنا أن معظم مؤسسات المخيم تحوم حولها عشرات الأسئلة، وبعض الشكوك والقليل القليل من الثقة.

بالأمس كان ثمة العشرات يعتصمون هناك على انقاض"مسلخ البقعة"، مؤكدين على حق مواطني المنطقة بالحصول على ممر لمنازلهم، وعلى ساحة مفتوحة تسمح للهواء بالتسلل الى منازلهم، بدلا من توزيعه كغنيمة مجانية في سياق مسلسل طويل من المشاريع المثيرة للتساؤلات عن مهمات لجنة الخدمات، ومهمات دائرة الشؤون الفلسطينية، وحاجة المواطنين للقليل من الأمان والثقة..

اما السيدة عضو اللامركزية فمن الأفضل لها الصمت بدلا من منعها للمواطنين من الاحتجاج والتباهي بأنها هي من حولت المسلخ الى محلات تجارية لصالح أحدهم، وعليها ان تدرك ان الحق بالاحتجاج والاعتراض حق كفله الدستور والقانون، فما بالها إذا كان الظلم قد طغى حتى فاض عن الحاجة في مخيم البقعة أو "أمريكا اللاتينية".//

 

تابعو جهينة نيوز على google news
 
Email : info [at] johinanews.com
 
تصميم و تطوير