عيد الاستقلال للملكة الاردنية الهاشمية 25/5/1946م
بقلم كريستين حنا نصر
قبل مرحلة الاستقلال والتحرر، كانت منطقة بلاد الشام تحديداً تخضع للاحتلال العثماني، لذا وبهدف تحريرها أعلن المغفور له الشريف الحسين بن علي الثورة العربية الكبرى عام 1916م، ضد الهيمنة العثمانية التي سيطرت على مقاليدها جمعية الاتحاد والترقي، وقد جرى ذلك وفق دبلوماسية بين الشريف الحسين ودول الحلفاء ( بريطانيا وفرنسا)، وعلى اثر معاهدة سايكس بيكو عام 1916م وسان ريمو 1920م المتعلقة بتقسيم منطقة بلاد الشام بين فرنسا وبريطانيا، أصبح الاردن تحت الاستعمار البريطاني، ولاحقا أسفرت العلاقة الدبلوماسية الاردنية البريطانية الى تأسيس امارة شرق الاردن عام 1921م والاعتراف بالملك (الامير انذاك) عبد الله الاول أميراً عليها ، حيث تعهد الانتداب البريطاني بتقديم المساعدة الأمنية والادارية والعسكرية والاقتصادية للاردن، وتزامناً مع الرغبة والمطالبات الشعبية الاردنية وتطلعات القيادة الهاشمية وتمسكها بالاستقلال وبعد عدة مؤتمرات ولقاءات مع حكومة الانتداب البريطاني تم الاعلان عن استقلال المملكة الاردنية الهاشمية بتاريخ 25 ايار عام 1946م، وذلك بصدور وثيقة الاستقلال عن المجلس التشريعي الذي أعلن استقلال الاردن ومبايعة حضرة صاحب الجلالة المغفور له الملك عبد الله الاول ملكاً للبلاد.
هذا الاستقلال العظيم الذي نحتفل به كل عام ونعيش نتاج ثمرته، فقد جاء على اثر انجازات هاشمية متعاقبة، ساهم فيها ملوك بني هاشم الى جانب المخلصين من أبناء الوطن، حيث عُرف عن جلالة الملك عبد الله الأول فكره القومي البعيد عن العنصرية الأثنية أو الدينية وغيرها، اذ حرص جلالته الاستفادة من عطاء رجالات وزعامات قومية مشهود لها في بلاد الشام للمساهمة في التأسيس للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاعلامية، وهنا استذكر من هذه الرجالات الصحفي القومي خليل فارس نصر، ممن كان له دور مهم في التمهيد لحياة صحفية وطنية بتاسيس أول مطبعة وجريدة في الاردن ( باسم جريدة الاردن) الأمر الذي عزز من الوعي الوطني ورسخ لسلطة رابعة وطنية وقومية حرة خدمت الوطن والقيادة الهاشمية، وعلى خطى المغفور له الملك المؤسس عبد الله الأول سار المغفور لهما جلالة الملك طلال بن عبد الله ضمن جهوده البارزة في الحياة الدستورية والتعليم وجلالة الملك الباني الحسين بن طلال ودوره في بناء المؤسسات الاقتصادية والتعليمية والصحية في الاردن الى جانب الاهتمام بتوثيق التعاون الدولي وعلاقات السلام الاردنية في الاقليم والعالم، واليوم وبكل مسؤولية وطنية وقومية وانسانية يواصل جلالة الملك المعزز عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله مسيرة التنمية والنماء الوطني، ونحن نعيش في عهده المئوية الاولى والثانية للدولة الاردنية.
ولاشك أن مسيرة الاستقلال وعبر عقودها المباركة المتواصلة، تتأثر بشكل أو بآخر بما يجري اليوم حولنا من تغييرات وأحداث اقليمية ودولية متسارعة، لذا فإنه للأسف وبسبب التطورات الجارية التي تعصف بالدول العربية فإن استقلال هذه الدول الصديقة والشقيقة بات مهدداً باطماع خارجية لاعادة الهيمنة والاستعمار، فعلى سبيل المثال محاولة تركيا اعادة الميثاق الملي بضم مناطق في الشمال السوري حتى حلب، كذلك نعيش ملامح مرحلة جديدة تتمثل بالتوسع الايراني ليس مباشرة عبر جيوش ايرانية ، ولكن من خلال ميليشيات موالية لها في عدة مناطق عربية تأتمر بـتوجيهات ايرانية سياسياً وعسكرياً وثقافياً والاخطر دينياً يوالذي ينطوي على مساعي لنشر التشيع فيها، كل هذه السياسات والتطورات دفعت بواقع جديد ، صورته البادية هيمنة واضحة لهذه الدول ( تركيا وايران) على بعض دول المنطقة، الى جانب ذلك هناك متغيرات يجب التنبه لها تتمثل بدخول المنطقة بتحالفات جديدة، تتمثل بوجود قواعد عسكرية مثل القواعد العسكرية الامريكية والروسية وغيرها في سوريا، كذلك الحال بوجود قواعد عسكرية في الاردن، ولكن مع الاخذ بعين الاعتبار احترامها التام للاستقلال والسيادة الاردنية الكاملة والشاملة، ومراعاتها أيضاً للمواثيق القائمة بينها وبين الاردن، وبالتالي فان علاقات الانتداب والاستعمار تحولت بشكل جذري، وبالطبع وفق معايير جديدة تتجسد في علاقات تعاون دولية وشراكة استراتيجية وفق الالتزام بالسيادة والمصالح المتبادلة، ومن ذلك علاقات التعاون الاقتصادي والعسكري والامني التي تربطه بالدول الصديقة مثل الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وغيرها، ومن مظاهر هذا التعاون في الاونة الاخيرة مواجهة محاولة ايران اختراق سيادة الاجواء الاردنية بالصواريخ والمسيرات تحت غطاء ضرب اسرائيل، مما دفع الاردن وبشكل مشروع وبموجب علاقات التعاون والتحالف الدفاع عن سيادته ومواطنية بالتصدي لها بمشاركة الدول الحليفة ضمن التحالف الاردني الغربي خدمة لمصالحنا الوطنية العليا، لقد أصبح المستعمر القديم الحليف الجديد ولكن وفق التزامات وضوابط في العلاقات ليساهم في التطور والتقدم العسكري والاقتصادي والتعليمي والصحي والتنموي الاردني الشامل، بما في ذلك المجال الثقافي بوجود المعاهد والمؤسسات الداعمة لكافة الانشطة الثقافية المعنية بتطور الحياة السياسية وغيرها .
ولابد اليوم من فهم المدلول العميق للاستقلال العصري على الصعيد الوطني الداخلي، بما في ذلك استقلالية المرأة وتمكينها علميا وثقافيا واقتصادياً بهدف انخراطها في التنمية المستدامة، الامر الذي عزز استقلالها المالي وقدرتها على الاستثمار والمشاركة السياسية، والعمل السياسي الوطني يتصل بضرورة استقلالية الاحزاب وتمسكها بالولاء الوطني فقط، الى جانب ضرورة استقلالها المالي وعدم تبعيتها لاي قوى خارجية، وهو أمر اتمناه اليوم ونحن نحتفل بالاستقلال وعلى اعتاب استحقاق انتخابي نيابي قادم، نتطلع فيه أن نحظى بانتخابات نزيهة لا تسيطر عليها اجندات خارجية ذات مصالح ونظرة حزبية أو دينية ضيقة، كما ان الاستقلال الاقتصادي امر مهم يقتضي بذل الجهود بغية تطوير الزراعة والصناعة والتجارة والتميز بمنتج محلي يتمتع بمواصفات ومعايير دولية متقدمة، كذلك الحال في ضرورة استقلال منظومة التعليم المتحضر المواكب بمناهجه واسسه وامكانياته التعليمية والتربوية للدول المتطورة، بما في ذلك استقلالية عمل المعلم وحرصه على صقل معارف الطلبة مع الاخذ بعين الاعتبار احترام فكرهم وعدم محاولة توجيهم السياسي لما يؤمن به المعلم، بل يتيح لهم امتلاك المهارات العقلية الناقدة المفكرة، باعتبار تمكين المرأة والشباب في التعليم يساهم في رفعة الوطن وتقدمه، فهم الاجيال التي ستتولى قيادة المسيرة الوطنية وهم بناة نهضتها.
ويرتبط بالاستقلال العصري دعم البحث العلمي والعمل على مأسسته بصورة تدعم الاكتشافات العلمية والاختراعات الكفيلة بالنهضة في كافة المجالات، وفي المحصلة فانه اذا ما تحقق ذلك، فاننا سنكون عمليا وواقعيا في استقلال عصري، يكون الوطن فيه مستقلا داخليا وفي علاقاته الخارجية باذن الله عن اي تدخل او اطماع، والاردن وبفضل حكمة قيادته الهاشمية صانعة الاستقلال والنهضة والتنمية وبفضل وعي شعبه واخلاصهم ويقظة رجال اجهزته الأمنية وتضحياتهم يحتفلون باستقلالهم بكل فخر وعزيمة لمواصلة الانجازات.