banner
مقالات مختارة
banner

في ذكرى اغتيال والدي الشهيد الشيخ طالب السهيل

{clean_title}
جهينة نيوز -
في ذكرى اغتيال والدي الشهيد الشيخ طالب السهيل
بقلم الاديبة سارة السهيل…. 

الأب كعبة الروح وطوق النجاه
في ذكرى اغتيال والدي الشهيد الشيخ طالب السهيل

الأب هو سر الوجود، فلولاه ما عرفنا للرحمة معني، ولا للأمان طوقا، ولا للعطف سبيلا ولا للرشاد دروبا، ورغم علامات الصرامة التي تعتلي قسمات وجه وسلوكه المتسم بالحسم، والمهابة التي تعلو جبهته، الا ان قلبه الدافئ يختزن مشاعر تملأ الكون رحمة وتحنان، يشع هذا الحنان في ضمة لصدر صغيره، وقبلة شمس ضحوك علي وجنتي ابنته.
فالأب هو واحة الأمان التي تستظل بظلالها الأسرة في صحراء الحياة الموحشة، وهو المأوى والسكن والملاذ الآمن دائما في مواجهة ظروف الحياة. ورغم انشغاله بأعماله لتدبير طلبات الأسرة، الا انه لا ينسى للحظة واحدة عشاقه الصغار، وما ان ينتهي من عمله حتى يسرع الي بيته ويحتضن عشاقه ليعوضهم ساعات الغياب في لحظات دفء أبدي فتتزل الرحمات والأمان على الصغار والكبار بالعش الأسري.
ورغم ان بعض الأباء يخفون مشاعرهم تحت جلدهم ولا يظهرونها، الا انهم سرعان ما تنجرف مشاعرهم كالسيل لحظة توعك أحد أبنائه او تعرضه لأي أذى، فيهب الأب لنجدته وحمايته من أية نازلة تهم به، وهنا يدرك الأبناء معنى الأب كرمز حامي ومحتضن ومنقذ من أي هلاك منتظر. فالأب يحمل في وجدانه روح الفارس الشجاع الذي يضحي بنفسه فداءا لأبنائه، فيصبح قدوة لهم في مواجهة أعاصير الحياة.
ولاشك ان مشاعر الأبوة الفياضة تسهم بشكل كبير في تحقيق السواء النفسي والعقلي للأبناء، وهذا السواء يشكل سدا منيعا لهم في مواجهة العقبات التي يصادفونها في مشوار حياتهم الطويلة.
يكفي الأب شرفا انسانيا خالدا انه يعطي بلا مقابل سوى ان يشعر أبنائه بالسعادة، وان هدفه الأسمى هو توصيل أبنائه الى شاطئ بعد ان عاش عمره من أجل ان يكون سفينة النجاه في مواجهة أمواج الحياة العاتية والمضطربة.
ولطالما ساهم الأباء بعطائهم اللانهائي وبعطفهم وحنانهم في تشكيل وعي وجدان أبنائهم المبدعين من الشعراء والروائيين، وعكست هذه الكتابات قيمة مشاعر الأبوة وتضحياته الجسام، وفيوضات الفروسية النبيلة في تجليات العطاء اللامحدود .
ولقد خلدت العديد من الاعمال الادبية في الشرق والغرب، هذه المعاني الشريفة لصورة الأب المعطاء والحنون رائعة ذاك "الاب غوريو” التي جسد فيها أعلي معاني الأب في عطفه وحبّه لأولاده.
وكذلك رائعة "البؤساء” لفيكتور هوغو، فبطلها جان فالجان قد جسد صورة الأب المحب الذي يضحي بكل شيء من أجل راحة ابنته وسعادتها، رغم أن "كوزيت” ليست ابنته في الحقيقة، فقد تبناها ورعاها، وفعل الأب كل ما يستطيع لحماية الابنة وإسعادها، بما دفعه الي الزج بنفسه في ثورة شعبية لإنقاذ حبيبها من الموت.
ومن الأدب العربي أبدع الشاعر والكاتب عبده وازن رواية "غرفه ابي” وهي من أرق الاعمال العربية ابرازا للأب وأهمية استحضاره في الحياة، بل ان هذه الرواية تكاد تمس شغاف قلبي لأنها تعكس حاجاتي الدائمة لاستحضار أبي الشهيد بعد ان ذقت مرارة اليتم مبكرا.
فالراوي يستعيد ماضيه وهو علي فراش المرض في غرفه ضيّقه بالمستشفي، ويستهل روايته برحلة البحث عن أبيه بدءا من غرفة أبيه ويستشهد الكاتب هنا بمقوله مبدعة للشاعر الالماني نوفاليس: "لا يشعر الفتي بالامان الاّ في غرفه أبيه”.
بينما تمضي بنا أجواء الرواية لتحمل مضامين متعددة لغرفة الأب الغائب ومنها الوطن، ومنها البحث عن ذات الكاتب في ذات أبيه. فالأب مات شاباً وظلّ حاضراً باسمه، وبصورته المعلقه علي الحائط بالابيض والاسود، وفي ذاكرة طفله الذي كبر وبلغ اربعين سنة وصار هو أيضا أبا يصارع مرض القلب وينتصرعليه ويشعر انه انتقم لأبيه أيضا من هذ المرض قائلا:
الآن أعيش حياتي انتقاماً، اعيش حياتي وحياتك معاً.

الي أبي
أبي كعبة روحي وترياق نفسي وهوى فؤادي بيتي وسكني وذخر أماني في كل وقت وحين، وبرغم انني فقدتك في سني عمري الأولي لكن نبضات قلبك تحتويني وتضمني في أشد أوقاتي طلمة، وتشع روحك الطاهرة على نفسي بنسمات الربيع الساحرة وأزهايرها فتنعشني ويغشيني ندى حنانك في السحر كما يغطي الندى بقطراته الورود فيزيل عنها ما ألمها من حر الهجير.
تستحضر نفسي روحك الطاهرة في برزخ الشهداء، يا شهيد الحق فتنجلي الهموم عن فؤادي وتنبسط سريرتي وتتملكني قوة روحية تحييني من عدم فأنطلق كالرهوان في الحياة متجاوزة كل العقبات والتحديات.
فلولاك يأابي ما عشقت الفنون والآداب التي تروي ظمأيي الدائم في الحياة، فبيتك كان محضنا للساسة والأدباء والمبدعين يبحرون في شتي آفاق الفنون المعرفية، وفي هذه الصالون تغذت روحي علي حب العلم وأهمية الفكر والانتصار للقيم الانسانية الرفيعة.
أبي الشهيد قدمت روحك الطاهرة فداءا لوطنك ولأجل ما أمنت به من قيم الانتصار للعروبة، وروحي وقلبي وعقلي وكيان كله يفتخربنضالك وبفروسيتك النبيلة، وأؤكد لك انك لم تغب يوما عني فانت تسكنني، وأنا أسكنك وطنا دافئا حنونا آمنا، وأنت تضئ شمعة أيامي اذا ما هبت رياح العواصف، وانت من يمسح دمعة الفؤاد اذا ما اشتعل بالشوق اليك فتسارع لاحتضاني في حنان سرمدي، فاليك كل حبي وكل تحناني يانبع الحنان والعطاء

الاديبة سارة طالب السهيل
تابعو جهينة نيوز على google news