دراسة: ساعات العمل غير المنتظمة تسبب تداعيات على صحتك مع الوقت
وقد يترّتب على ذلك عواقب وخيمة على المدى الطويل، بحسب ما أظهره بحث جديد حول الارتباط بين أنماط العمل في مرحلة الشباب والنتائج الصحية في وقت لاحق من الحياة.
وأوضحت دراسات متعددة كيف يمكن لعدم انتظام ساعات العمل أن يُضر بالصحة العامة والحياة الاجتماعية، لكن الورقة الجديدة تنظر إلى العلاقة من خلال مقاربة "مسار الحياة"، وكيفية تأثير أنماط العمل على الصحة طوال فترة البلوغ عوض مرحلة زمنية واحدة.
وحدّد التقرير الجديد المنشور في مجلة "PLOS ONE" الأربعاء ، جدول عمل قياسي يبدأ في الساعة 6 صباحًا أو بعد ذلك، وينتهي عند الساعة 6 مساءً. ويعني جدول العمل المسائي البدء عند الساعة 2 بعد الظهر، أو في وقت لاحق حتى منتصف الليل، بينما كانت جداول العمل الليلية عبارة عن مناوبات تبدأ من الساعة 9 مساءً أو في وقت لاحق وتنتهي بحلول الساعة 8 صباحًا. كان لدى المشاركين جداول زمنية "متغيرة"، إذا كانت لديهم نوبات عمل منفصلة، أو متناوبة، أو ساعات عمل غير منتظمة.
وقال الدكتور وين-جوي هان، المؤلف الوحيد للدراسة والأستاذ في المدرسة الفضية للعمل الاجتماعي في جامعة نيويورك بمقابلة له مع المجلة: "حوالي ثلاثة أرباع أنماط العمل التي لاحظناها لم تتوافق بدقة مع العمل بشكل ثابت خلال ساعات النهار طوال سنوات عملنا".
وأضاف هان، الاختصاصي في سياسة الرعاية الاجتماعية مع التركيز على الأطفال والأسر: "هذا الواقع له تداعيات. فالأشخاص الذين لديهم أنماط عمل تنطوي على أي درجة من التقلب والتغيير أكثر عرضة للحصول على ساعات نوم أقل يوميًا، وتدني جودة النوم لديهم، وتراجع الوظائف الجسدية والعقلية، واحتمال أكبر للإبلاغ عن تدهور الحالة الصحية وأعراض الاكتئاب في سن الخمسين، مقارنة بمن لديهم جداول عمل قياسية مستقرة".
وبحث هان أيضًا في كيفية اعتماد هذه الارتباطات على الوضع الاجتماعي، الذي يتميز استنادًا إلى العرق، والإثنية، والجنس، والتعليم.
رغم تحديات جداول العمل اليوم، يقول خبراء الصحة إن هناك استراتيجيات يمكن للناس استخدامها للتخفيف من الآثار السلبية.
ولتقييم مشاكل نوبات العمل، استخدم هان بيانات لأكثر من 7300 مشارك، 50% منهم تقريبًا من البيض، و33% من السود، و19% من ذوي الأصول الإسبانية. لقد كانوا جزءًا من المسح الوطني الطولي للشباب في عام 1979، وهي عينة تمثيلية على المستوى الوطني من الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و22 عامًا، وتم استطلاع آرائهم في مراحل مختلفة على مرّ الوقت.
ووجد هان أنّ العمل لساعات قياسية مبكرة ثم الانتقال إلى جداول زمنية متقلبة بين سن 22 و49 عاما، ارتبط بشكل كبير بتدهور الحالة الصحية. وارتبط هذا النمط أيضًا بالإبلاغ عن أسوأ أعراض الصحة والاكتئاب في سن الخمسين. وكان حجم التأثير يعادل الحصول على تعليم أقل من مستوى المدرسة الثانوية فقط، وكانت تأثيرات جداول العمل المتقلبة أسوأ من تلك الناتجة عن البطالة في الغالب.
صديقك الوفي مفيد لصحتك.. التفاعل مع الكلاب قد يؤثر إيجابيًا على الدماغ بحسب دراسة
ووجدت الدراسة أيضًا اتجاهات متّصلة بالعرق والجنس، مثل زيادة احتمالية أن يكون لدى الأمريكيين السود جداول زمنية مرتبطة بتدهور الحالة الصحية، ولدى النساء اللواتي يعانين من نوم أقل جودة رغم حصولهن على ساعات نوم أكثر.
لا يحتوي التقرير على تفسير كامل للتأثيرات غير المتناسبة على النساء وذوي البشرة السوداء، لكن هذه النتيجة تشير وفق الدارسة، إلى "التقاطع بين أنماط التوظيف والوضع الاجتماعي، ما يسلّط الضوء على التفاوتات الصحية الكبيرة بين من لديهم موارد ومن لا يملكونها".
وقالت الدكتورة شياوكسي ياو، أستاذة أبحاث الخدمات الصحية في مايو كلينك بمينيسوتا، غير المشاركة في الدراسة، إنّ هذه النتائج ليست "مفاجئة للغاية"، لكنها أتت "في الوقت المناسب وهي مثيرة للقلق".
وصرحت ياو لـCNN أنه بسبب التقدم في التكنولوجيا واقتصاد الوظائف المؤقتة، خصوصًا منذ جائحة فيروس كورونا، يعمل الناس بشكل متزايد بجداول زمنية غير قياسية مقارنة بعقود عدة مضت.
وأضافت ياو: "قد يتمتع الأشخاص الذين يتمتعون بوضع اجتماعي واقتصادي أعلى بمرونة العمل من أي مكان وفي أي وقت، في حين قد لا يكون لدى الأشخاص الذين يعيشون في ما يسمى بالمواقع الاجتماعية الضعيفة أي خيار. نحن في كثير من الأحيان نشعر بالقلق بشأن أجور هؤلاء العمال ومكاسبهم، لكن هذه الدراسة تشير إلى أن جداول العمل وساعات العمل غير القياسية قد تعرض أساسًا العمال للخطر".
شرح الروابط بين العمل بنظام الورديات والصحة
وقال الخبراء إن هناك العديد من النظريات المحتملة التي يمكن أن تفسر النتائج، لكن الدراسة نفسها تظهر الارتباط فقط، وليس السببية.
وقالت ياو: "يمكن أن يكون لدى الشخص بعض عوامل الخطر التي تجعل من الصعب العثور على وظيفة مستقرة وتجعله أكثر عرضة للإصابة بالمرض. من الصعب استخدام البيانات الحالية للتوصل إلى نتيجة قاطعة مفادها أن جداول/ ساعات العمل تسببت في نتائج صحية ضارة".
وأوضحت الدكتورة لينا وين، وهي طبيبة طوارئ وأستاذة مساعدة في السياسة الصحية والإدارة بكلية معهد ميلكن للصحة العامة في جامعة جورج واشنطن، غير المشاركة في البحث، أن النتائج "تتوافق مع ما يعرفه الجميع في مجال الصحة العامة، بأن النتائج الصحية للفرد يتم تحديدها من خلال عدد لا يحصى من العوامل، ضمنًا العمل الذي يقومون به، لأن نوع العمل يحدد روتينهم اليومي، والأهم من ذلك، دخلهم وبالتالي ماهية الموارد التي يمكنهم الحصول عليها".
من جهته رأى الدكتور عزيزي سيكساس، المدير المساعد لمركز النوم الترجمي وعلوم الساعة البيولوجية بكلية الطب في جامعة ميامي ميلر، غير المشارك في الدراسة، أن الجداول الزمنية غير القياسية قد تصعّب الحفاظ على عادات نمط الحياة المهمة للصحة الجيدة، مثل النوم الجيد، وتناول الطعام في ساعات منتظمة، وقضاء الوقت مع أحبائك.
إلى ذلك، فإن عدم الاستقرار المالي لبعض الأعمال غير القياسية قد يسبب القلق أيضًا، بحسب ما ذكره ياو. وعندما تتضمن هذه الوظيفة العمل بشكل مستقل، فإن عدم وجود بيئة اجتماعية مستقرة يمكن أن يقلل من شعور الفرد بالانتماء والهوية.
وقالت ياو إنّ تغيير الجداول الزمنية أو الوظائف لتجنب ساعات العمل غير القياسية قد لا يكون ممكنا بالنسبة للبعض، لكن يمكنك استخدام استراتيجيات أخرى، مثل النظام الغذائي الصحي، وممارسة الرياضة، والاسترخاء، وقضاء الوقت مع الأصدقاء والعائلة، لتعويض الضرر المحتمل من العمل.
وأضافت أن وجود نوع من الروتين أو الجدول الزمني خلال المناوبة يمكن أن يجعل من السهل التوافق مع تلك الأنشطة المعززة للصحة، لا سيّما النوم.