ما المؤلم ...
لن يؤلمك سقوط طليطلة ولا سقوط غرناطة ولا السعي لأخر قلاع المسلمين في الإندلس إشبيلية .
ولن تؤلمك تلك الخيانة من إبن الإحمر ، ولا إنضمام قواته إلى قوات فرنانديز لحصار إشبيلية ، الذي إستمر لأكثر من أحدى عشر شهرا ، بمشاركة قوات مسلمة لحصار أخر معاقل المسلمين في الأندلس ، بعد ثمانية قرون تقريبا من العام الذي فتح فيه طارق بن زياد (الذي يدعي العرب والبربر والفرس نسبته إليهم) ، ليدفع هو الثمن بعدها ويبكي بكاء النساء ملكا لم يحافظ عليه كالرجال .
ولن تؤلمك تلك النهاية الغريبة لهذا البطل طارق بن زياد على يد الخليفة الغاضب سليمان بن عبد الملك ، الذي تولى الملك بعد وفاة أخيه الوليد ، فأراد من موسى بن نصير وطارق بن زياد ، تأجيل قدومهما إلى دمشق لحين إنتهاء مراسم تواليه الخلافة ، ليحوز الشرف والغنائم والنصر ، فكتب هذا الخليفة الغاضب نهاية غامضة لهؤلاء الأبطال بين النفي والسجن والقتل ، والتاريخ يتوقف عندما دخل هؤلاء بالأسرى والغنائم دمشق .
ولن تؤلمك خيانة تلك الإمارات الصغيرة التي تساقطت تحت ضربات التوحد من ليون وقشتالة تحت راية فرنانديز .
ولن تؤلمك تلك الذكرى التي أجبر فيها الخليفة الناصر الأموي من أقوى ملوك الاندلس ، ملوك اوروبا الإثنين والعشرين على القدوم إلى قصره وتقبيل يده على مرأى من العامة .
نعم بدأ الفتح بأقل من عشرة آلاف ولكنه أنتهى وهناك ملايين لم تستطع أن تصنع ما صنعه هؤلاء البضعة آلاف ، ربما هذا هو المؤلم .
لم يكن النقص في العدد والعدّة ولكن النقص كان في الإنسان ، ذلك الإنسان الذي إستطاع الإسلام الأول بناءه لم يعد موجودا ، وربما هذا هو المؤلم .
أتعلم ما المؤلم .. المؤلم كيف يكون إنسان واحد هناك بمئات آلاف من الرجال ، بل والمؤلم ملايين هناك و هنا بلا عدد .
أتعلم ما المؤلم عندما يصبح المسلمون غثاء كغثاء السيل بلا أدنى تأثير ولا فعل ولا إنفعال .
أتعلم ما المؤلم عندما ينشغل العَالم بما ينشغل به الجاهل ولا يستطيع أن يدرك أن الفرق في الإنسان .
أتعلم ما المؤلم عندما يجوع الطفل ويذهب شرف الحرة ولا ندرك نحن ما هو الطريق للخروج .
اتعلم ما المؤلم أننا نحن ضياع ونبحث عن مخرج ولا نملك رأيا ولا مشاورة ولا عقل راجح .
لذلك أصر على بناء الإنسان .