فهم الكليات العامة للحياة ...
أن فهم الكليات العامة للحياة يعد أمرا خارج عن قدرة البشر ، ولم تستطع أي فئة من البشر على إختلاف قدراتها وإمكانياتها من أن تصل إلى تلك المرحلة ، ولكن ما نصل إليه هو فهم لأجزاء من الصورة في محاولة منّا للوصول إلى الصورة الكاملة .
في ظل الصراع الدائر يتم طرح الكثير من الأسئلة التي تحتاج إلى أجوبة مباشرة ، ويجد البشر انفسهم في وضع حرج في تقبل الكثير من الأمور والقضايا المتعلقة بالحرب ، فعندما يقرر عقل ما هناك أن يقوم بحرب لأجل هدف ما ، وتكون لديه القدرة البشرية والعسكرية لإحداث ضرر كبير مثل ما فعل نابليون وهتلر أو هذا الكيان الفاشي ، ويذهب نتيجة لهذه الحروب ضحايا وخسائر وفظائع لا يمكن تقبلها ولا التعايش معها .
عندها تقف حائرا هل وصلت الإنسانية إلى هذا المستوى ، وعندها تتساءل عن الجدوى من كل هذا ، وكثيرة هي العقول التي تقف عاجزة عن الوصول إلى فهم سليم في هذه الأحداث ، كل هذا القتل يحدث في هذه الأرض وكل هذه الدماء الطاهرة تذهب هكذا بلا محاسبة ، حتى لو كان من وراءها بدون ضمير ، هل يجب أن تذهب هذه الدماء هكذا .
وهذا ما حاول نبي الله موسى الوصول إليه ، فُدل على الرجل الصالح في الرواية ، وكانت القصة المشهورة إنك لن تستيطع معي صبرا ، نعم لن تستطيع أن تصبر على ما لم تحط به خبرا ، ونعم سيقف عقلك ومنهجك عاجزا عن إدراك العلّة من كل هذا ، ففهم الأشياء جزء من تصورها ، وأنت لن تستطيع تصور ما كان وما سيكون كيف يكون ، بل معظم ما أنت قادر عليه هو محاولة فهم الواقع وربطه بالماضي والإحتياط للمستقبل ، وهذا قد تفلح فيه وقد لا تفلح فيه مثل معظم البشر .
ولذلك أعاد الله علة الخلق والهدف منه إلى علمه ، وجعل حسابهم عنده ، وهذا الحساب سواء للمؤمن والكافر، وهنا يلجأ المؤمن إلى ركن شديد ، ويعلق الكافر في حرج شديد .
لقد أنتهج الغرب منهج العلمانية ، وسعى بكل السبل لفصل الدين عن معناه الحقيقي وإرتباطه بالحياة ، وجعله مجموعة من الشعائر والطقوس التي لا علاقة لها بالحياة ، وفي سبيل ذلك وضع لنفسه مجموعة من القيم تتفق مع هذا المنهج ، وما يقوم به الغرب اليوم يتفق تماما مع هذا المنهج ، بحيث تصبح القوة والمصلحة فوق كل إعتبار إخلاقي وإنساني ، حتى لو ادعى الغرب بأنه يهتم لحياة المدنيين ويسعى للحفاظ عليها ، فهو في الحقيقة لا يهتم بها وهذا واضح تماما في الاحداث الإخيرة ولن أعود إلى التاريخ الذي يحتفل بالملايين من الضحايا.
يقول نيتشه إننا تخلصنا من فكرة وجود إله ولكن أرى أن ظلاله لا تزال موجودة في حياتنا ، فهم يريدون حتى محاربة ظلال وجود خالق في تصرفات البشر ، وكما يشير إلى ذلك الباحث عبد الوهاب المسيري ، بأن من هذه الظلال الإبقاء على الكبار في السن وعلى الأطفال من ذوي الإعاقة ، والحفاظ على الفئات المهمشة في المجتمع مع أنها تعد أفواه تأكل ولا تنتج .
وبناء على هذه النظرية يجب التخلص منها ، ولكن وتبقى هذه ( لكن ) مفتوحة فنيتشه يرى أنها من ظلال الإيمان بالخالق في الحياة ، التي يجب أن يتخلص الغرب منها ، وما هو أخطر من ذلك أن من يتبنى العلمانية منهجا ، ويمارس طقوس تعبدية ، هو في الحقيقة يمارس طقوسا مفصولة عن إيمانه وعن واقع العلمانية التي يؤمن بها .
ولذلك انت تتعامل مع الأخر على إختلاف في الرؤية والفكر والعقيدة ، وتريد أن تخضعه لرؤيتك وعقيدتك ، وهو قد تحرر من العقائد ويسعى للمنفعة المطلقة القائمة على مصالح لا تتصل بإخلاق ولا إنسانية ولا عقيدة ،ولو كان عنده ذرة من كل هذا لما أقدم على ما قام به خلال فترات الإستعمار ، وما تبع ذلك من طريقة التعامل مع السكان الإصليين للمناطق التي إحتلها والتي ما زال يحتلها ، ويزعم أنها أوطان ، وهي تاريخيا أرض محتلة تمت السيطرة عليها بالقوة ، وتم تفريغها من أهلها بكل الوسائل للوصول إلى ما هم عليه اليوم .
ونظرية الخضوع للغالب وتقبل حكمه هي نظرية تسيطر على تفكيرهم تماما ، ولذلك هم لا يتقبلون المقاومة ويرون أنها سبيل غير مشروع ، وهذا ما رد عليه المسيري رحمه الله عندما قال لهم ، إذا كان يجب عليكم تقبل حكم النازية الألمانية وعدم المقاومة والإستسلام لرغباتهم القائمة على ما تؤمنوا به من العلمانية ، فهم يطبقونها بشكل مجرد وأقرب إلى الصواب مما تطبقونها أنتم .
وهناك نقطة جوهرية في هذا الصراع نفقد معها القدرة على الحركة ، وهي تلك النقطة التي نطالب معها أنفسنا بما لا طاقة لنا به ، فمن أين نأتي بسلاح يوقف طائرة حربية عن قصف المدنيين والمدارس ودور العبادة ، ومن يستطيع أن يتبنى مقاربة يهزم فيها السلاح البسيط هذه الإسلحة المتقدمة .
وهذا ما لم تفعله المقاومة ، ولكنها حرصت على تطوير ما تملك من وسائل حتى توقف بهذه الوسائل تلك الفعالية الكبيرة لآلة الحرب المدمرة ، وإستطاعت ان تحقق نتائج في هذا ، مع كل الخسائر التي نراها، ولكن إيقاف آلة الحرب للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والدول الغربية بدعم هذا الكيان يجب ان تأخذ منحى أخر برأيي .
وذلك المنحى هو ما يسبب خسارة مادية ونفسية ومعنوية كبيرة لهذا التحالف في عقر داره، و يجعله يفكر مرة تلو مرة في تغيير وسائله في التعامل مع الأخر أما أن نبقى رهن نظريات التأثير غير المباشر أو تلك التي تحدث ضررا بسيطا .
فهو قادر على تحمل مثل هذه الخسائر في سبيل الهدف الذي يسعى إليه ، ولكن إذا كانت هذه الخسارة نوعية وضارة بشكل كبير بمصالحه وتمسه في عقر داره ، وتؤثر عليه بشكل مباشر ، عندها سيفكر في تغيير نهجه في التعامل مع الأخر .
وهذا ما يقوم به الكيان فهو إضافة إلى أنه يحقق مصالحهم في هذا الجزء من العالم هو يبقى أثرا مباشرة وفاعلا في عقر دارهم ، عن طريق اللوبيات والمقاطعة المباشرة هناك ، وعن طريق دعم من يتبنى دعمهم ويدافع عنهم ، وهم يعيدون جزء من المال الذي يتلقونه كمساعدات إلى هذه الدول لإبقاء الأثر والفاعلية في مواقع التواصل والإعلام والحكومات ومجالس الشعب .
أن مخاطبة الأخر مهمة وسأبقى أركز على ضرورة إعداد خطاب يتماهي مع فكر الأخر ويشرح موقف المقاومة للأخر بعيدا عن الخطاب المعروف ، ويأخذ بالإعتبار طبيعة وعقلية هذا الأخر والجزء الجيد فيه أو في المجتمع حتى نستطيع الوصول إلى أكبر عدد منهم .
مع ضرورة إعادة التفكير في الطرق والوسائل التي نتبعها حتى نصل إلى إيقاع الضرر المباشر بمن يوقع بنا الضرر ولا نكتفي بالإقوال والإفعال الجانبية التي لا تؤثر عليه .