الأسير عبدالرحمن المقادمة
أسرى الحرية يناضلون لرفع الظلم عن شعبهم
الأسيرات الفلسطينيات ظروفهن صعبة ويتعرضن لابشع الجرائم في سجون الأحتلال الأسرائيلي
الزنزانة لونها رمادي يدخل الكآبة للنفس ويبعث على الأستفزاز لا شيئًا هناك يبعث على الحياة
أصبحنا من شدة الإحباط لا قيمة للوقت
لدي سؤال ما العمل المطلوب
سليم النجار- غصون غانم
حاولنا أن نفهم قيامته العجيبة - ونهوضه من هجين الماء والطّين والموات٠ وندرك الدّهشة الخرساء التي انطقت ضوءزنزاته التي تفطرت لها الأرض، من رحمها الغائر، كالكسر، التي تجمعه سنوات اعتقاله٠
الأسير محمد حسن المقادمة من مخيم جباليا شمال قطاع غزة والمحكوم بالسجن "١٨" عامًا يعاني من روماتيزم في الركب الأمر الذي يؤثر على حركته ويزيد من معاناته في ظل الاستهتار الطبي٠
اعتقل المقادمة في عام ٢٠٠٧ بتهمة مقاومة الأحتلال الإسرائيلي، وكان وقتها يبلغ من العمر ٢١ عاماً واكمل تعليمه الجامعي تخصص تاريخ داخل السجن من جامعة القدس المفتوحة٠
ظلّ الليل قرينا، يفسد خلتنا وهج بارق، وشيء كالعصف٠ تربعت كلماته لوحة تستعيد حياته ما قبل الأسر وأثناء الأسر، وما بين وبين كانت ومازالت فلسطين بوصلته٠ حاورناه بطريقة تليق بأسير الحرية، فحاورنا بنص أدبي أهداه لطفلة الأسيرة فرح باكير، وعاد بنا لذكرياته، وقلقه، فكان الحوار نصًا اجترح فيه حكايات الحياة، بدلأ من حوار السين والجيم، فالبوح الذي قدمه الأسير المقادمة فلا يليق إلا أن يكون كما أبدعه٠٠٠:
في كل يوم..، وصباحها الباكر..، تذهب برتابه معتادة مع صديقتها وجارتها إلى المدرسة..،
دائماً سوياً في رحلة الذهاب و الإياب..، تحمل على كاحلها حقيبتها بمتعة المشقة في درب المعرفة..، بزيّ الطالبات الرسمي..، في مشهد روتيني معتاد بإزدحام الأزمات المتراكمة عبر المكان..، بقدم الطرقات وبلاطها داخل القدس.. والأزقة.. عبق التاريخ المغاير ، والأصالة..، وبعراقة حجارة الجدران..، ولو سمح لها التكلم ..!، لتحدثت عن الشعوب..، التي غزت عبر زيارة ..، أو الغزو..، نية الصلاة..، أو عابر سبيل ..، كيف لا.. وهي القدس..، ويكفيها أسدها ..، قاداتها..، ومركزها بين الأمم ..، والحضارات..
مرح ..، تلك الزهرة اليانعة في ربيع ندى عبيرها .. ب.. ستة عشرة عاماً لم تتممها بعد ..، وما هي .. عند دخولها البيت .. كفراشة عبر نسمات الهواء في أدبها وأخلاقها ..، ترسم الأبتسامة في أرجاء المكان مرحاً وفي النفوس الأهل ..، وخاصة أمها ..، كلها نشاط وحيوية بعطائها والمساعدة ..، بتميز وذكاء متفوقة في دراستها ..، مجتهدة ومرحة داخل الفصل وبين زميلاتها والمعلمات .. كانت طفلة ..، تعبر الشارع عائدة من مدرستها ..، وكان هناك يقف ذاك الجندي العنصري الحاقد..، أدعى متذرعاً بأسباب واهية يملئها الكراهية بأنها هاجمته لتقتله .. بسكين ..! طفلة مقابل جندي ..، ولو ..كان إدعائه صحيحاً بدعواه ..، وإذ أراد هدها .. فكأنها صفعة واحدة ليلقيها مغشية في أرضها ..، لكنه بحقده المتشبع حد الأغماء ..! فاطلق من سلاحه أربعة عشرة رصاصة في يدها اليسرى ..، كانت كفيلة لتلقيها مغرقة في دمائها ، ويدها والرصاصات .. هي كفيلة لتهشيم عظامها والمفصل إلى الكتف ..
مرح.. متخنة الجراح في أرضها منذ ساعات مستلقية في إغماء... مغمى عليها، نزفت دماءً حد الموت ..، وكان مقصوداً بسياسة الأحتلال الإهمال الطبي ..، لم يتم إسعافها مباشرة ..، وصلت المستشفى تحت حراسة مشددة ..
الوالدة.، وبعد سنوات وفي الذكرى السنوية السادسة لاعتقالها ..، تجلس مع صديقتها الوفية وصديقات مرح من أيام الدراسة و واحدة أسيرة محررة .. إجتمعنا وفاءً لها ولأهلها وللقضية ..، وقد حكم عليها بثمان ونصف من سنوات الظلم في محاكم خفافيش الظلام التي تدعي العدالة..، أمها ومن يوم غابت مرح غرب من البيت شمس الفرح وبهجة الحياة ومعناها ..، وسكن قلبهم الأوجاع..، والاهات وسكب الدموع دماً ..
الوالدة..، ومن مجلسها.. الكل من حولها يواسونها ويصبرها ..، تلك الأم الرؤوفة مفطورة القلب على عزيزتها مرح الحياة ..، مستذكرة..، كيف اتصلت صاحبتها التي بجوارها تناظرها ..، لكي تعلمها يومذاك عن الخبر لتعتقد يومها أنها تمازحها ..، راود الفكر للحظات أنها كذبة نيسان ..!لكن الشهر تشرين الأول/أكتوبر..، أو لعلها مزحة من العيار الثقيل..، لكن صوتها عبر الهاتف اخترق القلب وهو يبكيها بتقطع عبراتها والكلمات..، كان صوتها يعتصر حزناً وينزف ألماً..، حينها أدركت الأمر أن الخبر كارثة نزل وقعها ..، فقد تابع المشهد عبر منصات التواصل الأجتماعي..، ذهبوا مسرعين..، لم يسمح لهنَّ يومها بزيارتها في المشفى أو حتى نظرة سريعة ..، تراود الأمر أفكار حد الجنون..، تلك الطفلة أصبحت أسيرة الكيان الحاقد . .، وبعد يوم من اعتقالها تتذكر عندما أجرت العمليه الأولى لانتزاع الرصاصات . .، وأستقر بعضها في الجسد ..، وبعد عشرين يوماً .. وبعد إزالة الألتهابات تمت عمليه زراعة بلاتين داعم عوضاً عن العظام ...
إم مرح..، وفي مجلس الوفاء لذكراها..، تحدثهنَّ عن آخر زيارة لها في زمن الكورونا "كوفيد١٩" الذي اجتاح العالم ووصل داخل السجون الإسرائيليه ..، قد أصبحت ابنتي ناضجة الوعي..، تلك التي تركتنا طفله قبل سنوات..، لم تعد كذلك..، فقد أمضت أوقاتها في سجنها رغم مرارة البعد والحرمان وأوجاع الجروح والآم الأعصاب والمسكنات وخاصة الالام فصل الشتاء..، وطقسه البارد.. ،
نظرت.، وهي الأسيرة المحررة إلى الوالدة وأشارت برأسها على صحة الكلام .. وقالت:
الأسيرات في الدامون أوضاعهن صعبة ..، هناك تقصير بحقهن ..، ومن جوانب كثيرة ..، وهن متعايشات مع الوضع الراهن قدر المستطاع وما هو ممكن..، رغم قلة الحيله..، أما عن اخبار مرح..، قد عشنا سوياً وتعرفت عليها..، صحيح انها تعاني فقدان الأهل والبعد والغياب ..، وصحيح انها تعاني من يدها..والعجز القائم في العمل الوظيفي بشكله السليم. .، إلا أنها تجاوزت كل الصعاب وهي كتلة نشاط حيويه..، تساعد الجميع وروح الجماعه عنوانها..، تقرأ كثيراً وتعرف كيف تستغل وقتها وتستثمره .. مكافحة في دراستها رغم قلة الأدوات العلميه والمعرفية..، فالمكتبة متواضعة...، مرحُ لا فراغ في يومها.. وقد انهت امتحانات الثانوية العامة بمعدل80% ، وهذا نجاح وتفوق..
الوالدة..، تناظر صديقات إبنتها وهي ممتنة لزيارتهنَّ..، وقد أثرت إيجاباً شاكرة لهنَّ على الوفاء. . ومقدره على الصحبه. . وأتبعت قائله:
رغم كل الصعوبات .. هي صامدة.. صابرة.. مؤمنة بقدرها.. يغمرها الأمل واللقاء..، كلها شوق وحنين . . شامخة بعزه.. ويقابلها حقد السجان وظلمة السجن وقهره . .، وحكمها الجائر..
الوالدة.. ، صمتت لوهلة..، شاردة الذهن لذكرى اخر زيارة..، عندما دخلت لقاعة الزيارة. .، تلاقت العيون وتخللها حوار يفيض بمعاني الحنان والرحمة.. مابين نصيحة و وصيه.. الى عتاب.. تغمره المشاعر..، تذكر الزيارة.. لتنزلق دمعةً حارقه في مقلة القلب ينبضها الحنين في وجع الغياب...صاحب الوالدة تربت على كتفها مواساة وقالت :
لا تحزني...،ابنتك أصبحت شابة بكامل الوعي...، وتساعد من حولها...،الدنيا علمتها ومن داخل سجنها...،لم تعد الطفلة...،فأبت قبل أعوام...،لتصبح زيتونة متجذرة في أرض الوطن...،تظلل بأغصانها العطاء..والعمل..ﻷخواتها الأسيرات..،أصبحت تمثلهن أمام السجان لتطالب بحقوقهن اليومية..،تقدم لهن بروح الأصالة..،وتجمع بينهن..،والوقوف بجانبهن..، والتخفيف عنهن من عذابات القيد..،قدر المستطاع
..،وهي عنيدة الرأس بطبعها..،فلا مستحيل في قاموس حياتها..
والبعد عن الأهل..،فالأسيرات ظروفهن صعبة وخاصة..،وهي تساعد قاطعت الحديث ..،احدى الصديقات التي شاهدن الحدث حينها..،وقالت : مرح ..اذكر الحديث..وكأنه في الأمس القريب..،كان اليوم الثاني عشر من أكتوبر ،كانت نقطة تحول..، بمسار حياتها..،فقدرها الذي جمعها بذلك الجندي الحاقد
غير حياتها من الجذور..،كانت تطمح أن تدرس
سكرتيرا طبية..،وكانت تحب المساعدة (مساعدة كل الناس) لكن بإرادتها الطلبية قبلت المحنة والأسر
إلى منحة وفرصة إيجابية..،وأضافت دربها المظلم بزيت القلم والمعرفة ونور العقل..،وقد لخصت كتبا كثيرة..،لتبني لنفسها عتبات ثابتة لدخول الجامعةوالرقي على سلم النجاح والتفوق...
ابتسم قلب الأم فرحا...ومن عمق القلب..لإنجازات عزيزتها..وقالت:
هي مصمنة بإكمال دراستها..،وفي كل زيارة تقول لي بروحها المرحة ومعنويات صلبة...وكفاح وعزم..وأنها بين أخواتها الأسيرات تردد دائمآ عليهن :عندما يفرج عني..،وأصبح طليقة في سماء الحرية...، سأكمل دراستي الجامعية..،وسألتحق بكلية الحقوق...،لأصبح محامية..،فالسجن علمني الكثير..،والكثير سأمضي صوب هدفي...،ولن ألين دونه..أو أتخلى وسأعمل بكل الجهد الممكن...لرفع الظلم الجاثم على صدر الوطن...والقائم على شعبي