الفيلم البريطاني الزامبي "أنا لست ساحرة"
الفيلم البريطاني الزامبي "أنا لست ساحرة"
إخراج: رونغانو نيوني
عندما يجتمع الفقر والجهل والظلم، وافكار التخلف والشعوذة، فعلى الاغلب، تكون المرأة والطفل الضحايا الاكثر تعرضا، لهذه الظروف اللاانسانية.
المخرجة البريطانية الزامبية الأصل "رونغانو نيوني"(2017)، تقتحم هذه المساحة من خلال فيلم" أنا لست ساحرة" الذي تعرضه لجنة السينما في مؤسسة عبد الحميد شومان، والذي تجري احداثه في زامبيا، ويدور حول الطفلة "شولا" (الممثلة مارغريت مولوبوا)، وعمرها 8 سنوات. حظها العاثر يضعها امام امرأة تنقل على راسها تنكة من الماء، تتعثر وتنسكب المياه على الارض، لتقوم هذه المراة باتهام الفتاة بأنها ساحرة، فإنها بنظراتها استطاعت ان تسقط تنكة الماء عن راسها، لتبدأ رحلة معاناة واستغلال "شولا" بعد ان تنتشر سمعتها كساحرة في القرية.
ينفتح الفيلم على حافلة تنقل السياح تتصدرهم سيدة بيضاء، جاؤوا إلى قرية نائية، للفرجة على مجموعة من النساء المحتجزات داخل مخيم باعتبارهن من "الساحرات"، وهن من العجائز اللواتي تم ربطهن بحبال مطاطية بيضاء، موصولة بقطع خشبية ضخمة، تمنعهن من "الطيران"، أو الهرب، وتقيّد المسافة التي يمكن لهنّ التحرك فيها، وجوههن مطلية بطلاء ابيض، يجبرن على أن يقمن بحركات وأصوات لا معنى لها، سوى خلق أجواء من الغرابة أمام السياح، لضمان تدفقهم على هذه المنطقة لصالح متنفذين.
يتم اصدار الحكم على " شولا" بعد ان تقدمت المرأة بالشكوى الى المركز الامني، وتستمع لها المحققة بلا مبالاة، ثم تتعالي الاصوات خارج مكتب التحقيق، ويتقدم رجل ليدلي بشهادته ضد" شولا" كيف انها جاءت اليه وهو يحرث الحقل، وتسببت بقطع يده وعندما تقول له المحققة ان يدك سليمة، يرد عليها ان ذلك حصل في الحلم اثناء نومه!
في هذه الاجواء من التخلف والجهل يظهر من يستغل هذه الظروف، ويوظفها لمصالحه الخاصة، وهنا نتعرف على شخصية" باندا"، الموظف ورجل الحكومة، والذي يعيش مع سيدة يبتزها، اختصها لنفسه بعد ان تم اتهامها بالسحر وهي صغيرة، ويجد في" شولا" مشروعا اسثماريا يكسب منه، ويستغلها للترويج لأعماله، والمتاجارة بالبيض "السحري"، باعتباره بيضا مختلفا، والذي يروج له في محطات التلفزة، ليبين قدرات الفتاة الخارقة، سواء بانزال المطر، أو قدرتها على معرفة اللصوص.
يستمر الفيلم بعرض الاجواء البائسة، بأسلوب الكوميديا السوداء، والأنماط والأجواء السريالية، واستغلال المرأة بأبشع الصور، من خلال العمل الشاق في المزارع البعيدة، في ظروف صعبة جدا، ومايرافق ذلك من جهل المجتمع، وغياب مؤسسات الدولة، والتواطؤ لاستغلال كل هذه الظروف، وبشكل خاص من "باندا".
وتموت " شولا"، وهي تتمنى لو انها رفضت واقعها، حتى لو تحولت الى عنزة، كما أوهموها إن تمردت، وبموتها، يتساقط المطر، وينشدن لها النساء الساحرات، ليظهرن في المشهد الاخير، وقد تحررن من ذلك الحبل المطاطي الابيض، الذي يمثل عبودية وقهر واستغلال النساء.
تقدم المخرجة الزامبية" نيوني"، عملا جريئا، بعيدا عن تصدير الشكل الفلكلوري، او المتاجرة بالتقاليد والقيم في بلدها، تطرح فيه بعض اشكال القسوة، الظلم الاجتماعي والحكومي الواقع على المراة الافريقية بشكل عام، الى درجة استغلال السحر والاساطير للهيمنة على المراة وخداع المجتمع، لحساب فئة مستفيدة من هذا التخلف والجهل الذي مايزال يسيطر على العقل الجمعي هناك. وذلك في اطار عمل متماسك، وان كانت فيه هناك بعض التحولات المفاجئة، وما يميز الفيلم هو ذلك الاداء العفوي للممثلين، وغالبيتهم يقفون لاول مرة امام الكاميرا، وخاصة" مارجريت مولوبوا- بدور شولا"، والموسيقى التي جاءت مضطربة كما هي حياة" شولا " بتحولاتها ، والتصوير الذي عكس البيئة التي تجري بها الاحداث، وتدور فيها الشخصيات، واعطى المكان مسحة واقعية، للتاثير بشكل اكبر على المتلقي..
رسمي محاسنة
العرض القادم: الثلاثاء31/7/2018
الفيلم الفرنسي "صنع في الولايات المتحدة الأمريكية" للمخرج جان لوك غودار