banner
أخبار محلية
banner

المنظومة الإعلامية على وشك الإنهيار ...

{clean_title}
جهينة نيوز -
الإعلام تحت المجهر

الأنباط - خليل النظامي

سنوات طويلة ونحن ننوه ونحذر السلطات السياسية من إنهيار المنظومة الإعلامية الأردنية الخاصة والحكومية، ونطالب عبر العديد من المواضع واللقاءات سواء المواجهية مع رؤساء الحكومات والوزراء المعنين بملف الإعلام، أو من خلال سلسلة المقالات والتحليلات التي ننشرها كـ صحفيين متخصصين عبر وسائل الإعلام المختلفة، بهدف الإرتقاء والسمو بـ الصورة العامة لـ الدولة الأردنية والمجتمع الأردني التي لا يمكن أن ترسمها ريشة غير ريشة الصحافة والإعلام.

وبـ النظر لـ دول العالم المتقدم ؛ نلاحظ التطور الهائل الذي شهدته القطاعات الإعلامية من حيث إقتصاديات الإعلام، ومستوى الحريات الصحفية والإعلامية، وتطور بنية وقدرات الكوادر البشرية من الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام، فضلا عن التطور التكنولوجي والرقمي الذي تشهده المنظومات الإعلامية في تلك الدول، الأمر الذي مكنهم من رسم الصورة الحقيقية عن أوطانهم ودولهم وبثها لـ جميع أنحاء العالم وإحداث التأثير المطلوب سياسيا وإقتصاديا وعسكريا وإجتماعيا وعلميا.

ولا أنسى هنا ؛ الثورة الإعلامية الرقمية التي باتت دول الخليج ومصر الشقيقة تتميز بها عن غيرها من الدول في الوطن العربي، فضلا عن الثورة التكنولوجية الإعلامية التي وبرغم الحرب أصبحت عليها سوريا ولبنان والعراق، فـ المتابع المتخصص لـ مخرجات المنظومة الإعلامية وسلوكياتها على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي في هذه الدول، يلاحظ بكل سهولة حجم الإنتشار والتأثير التي أصبحت تؤديه الماكنات الإعلامية الرقمية لديهم على المستويات والصعد كافة والسياسية تحديدا.

التطور الهائل على الصعيد الإعلامي في الدول سالفة الذكر، لم يأتي صدفة أو من تلقاء نفسه، إنما جاء نظرا لـ رؤية وكفاءة المتخصصين في صناعة وبناء الخطط والإستراتيجيات الإعلامية، وإدراك السلطات السياسية أهمية الإعلام في رسم صورة الأوطان الحقيقية، وتعزيز سلوكيات الممارسة الديمقراطية، ورفع مستوى الحريات العامة والخاصة، إضافة إلى رسم الصور السياحية والإقتصادية والعلمية، ومكافحة الفساد وتحقيق العدالة للجميع، فضلا عن المساهمات الكبيرة التي تساهم بها مكونات القطاع الخاص والإستثمار جنبا إلى جنب مع السلطات السياسية في دعم مكونات المنظومة الإعلامية والإرتقاء بها.
 
وبـ العودة لـ المنظومة الأعلامية الأردنية، نلاحظ أنها لم ترقى بعد لـ مسمى "منظومة"، نظرا لـ العشوائية والفوضى في سلوكياتها ومخرجاتها سواء تلك التي تخرج من مؤسسات القطاع العام (الحكومي)، أو من القطاع الخاص (المؤسسات الإعلامية المختلفة)، فضلا عن عدم وجود حاضنة خاصة أو ما يعرف بـ اللغة الصحفية "مطبخ إعلامي" يضم خبراء ومتخصصين ذوي كفاءة وجودة عالية متطورة على الصعد الرقمية والتكنولوجية في فلسفة بناء الاستراتيجيات والخطط الإعلامية وتطبيقها على واقع الممارسة المهنية.

ومن الشواهد التي تسند صحة حديثنا هذا، ما أحدثته تبعات العدوان الصهيوني على قطاع غزة المتمثلة بـ تعدد وتنوع الشائعات التي صدرتها وحد الإعلام الرقمي المتخصص عند الكيان الصهيوني ضد الأردن والسلطات السياسية في الأردن، مرورا بـ التأثير الإعلامي الذي أحدثته الحملات الإعلامية الخاصة بـ المقاطعة والإضرابات في الداخل الأردني من قبل قوى وأنظمة سياسية خارجية، فضلا عن ما أحدثته الماكنات الإعلامية لدى قوى الشد العكسي ومخرجات جماعات الضغط على الرأي العام الأردني، وصولا إلى أزمة خسارة منتخبنا الوطني أمام قطر الشقيقة التي تبعها تراشق إعلامي عبر وسائل الإعلام وشبكة تطبيقات ومنصات التواصل الاجتماعي بين المجتمعين كاد أن يضعف العلاقة المتينة بين البلدين.

الوقائع سالفة الذكر، وغيرها الكثير مما لم نأتي على ذكره، أحدثت أشكالات متنوعة ومتعددة من الفوضى في الأوساط السياسية والمؤسسية والشعبية في الأردن، نتج عنها عرقلة في سير بعض العمليات المؤسسية، ومحاولة العبث في صورة المواقف الأردنية النبيلة تجاه القضايا العربية والإسلامية على رأسها القضية الفلسطينية، فضلا عن بث الفتنة والعنصرية والفئوية بين مسامات مكونات الرأي العام الأردني، الأمر الذي جعل صورته هشة وعشوائية فوضوية وغير منسجمة ومنقسمة لـ عدة أقسام، كل قسم يتبع ايدلوجية سياسية وحراكية تتناقض مع الأخرى.

هذه العشوائية وبعد عملية من التشخيص والتحليل والتفكيك، خرجنا بـ انها جاءت نتيجة عدة عوامل أبرزها وأهمها أن الكفاءات التي تخطط وترسم وتدير دفة المنظومة الإعلامية الخاصة والحكومية في الأردن ليسوا من أهل هذا العلم والمهنة، ويتضح أمامنا، ضيق الأفق الذهني الذي يتمتعون به في مسألة التحليل والمعالجة الإعلامية، فضلا عن إنتهاجهم سلوكيات وإنتاجهم خطط إعلامية تنفيذية تقليدية غير متطورة وغير مواكبة لـ مستجدات عمليات الإتصال الجماهيري السياسية والدبلوماسية والاجتماعية، وهذا إن دل على شيء فـ إنما يدل على أن الأساس الذي يعملون وفقه يمكن تسميته بـ منهجية "الفزعة"، لا أساس إستراتيجي مبني على أسس ومعايير ودراسات وبحوث علمية خاصة.

ومن الأفضل عدم الإنزلاق لـ تفاصيل السلوكيات الإعلامية للكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة، نظرا لأنها تفاصيل يمكن أن تعري منهجية "الفزعة" التي يسلكونها بطريقة غير صحية لـ القارىء والمستمع لهذا التحليل، إلاّ أنه يستوجب علينا المرور على مسألة غاية في الأهمية تتمثل بـ فلسفة تعيين وإنتقاء من يديرون ويوجهون المنظومة الإعلامية الحكومية والخاصة في الأردن، والتي باتت إلى حد كبير تتشابه مع فلسفة تعيين وإنتقاء الوزراء في الحكومات المتعاقبة التي تبنى على أسس متعددة في ذيلها أساس الكفاءة والجودة.

هذه الفلسفة التي باتت وكأنها ثقافة إدارية متوارثة، تتفق مع المثل القروي السائد "عينة يا رجل بكرة بتعلم لحاله الشغل"، ونحن كـ متخصصين وباحثين في علم الاتصال ربما نتفق مع هذا القول في الوظائف من الصف الثالث والرابع، أم أن يتطبق هذا القول كـ منهجية في الوظائف القيادية من الصف الأول والثاني، فهذا مسمار إنهيار المنظومة بشكلها الكامل، فـ الأصل أن تخضع مسألة تعيين القيادات الإعلامية لـ إختبارات ذات مستويات عالية من البروتوكولات الاتصالية الحديثة والرقمية المتطورة، فضلا عن التخصصية والخبرة الكبيرة في الممارسة المهنية وبناء الاستراتيجيات والخطط الإعلامية، والاطلاع المحلي والإقليمي والدولي الواسع.

والأردن ليس كـ دول جنوب إفريقيا وغيرها من الدول المتأخرة في إنتاج الكفاءات والموارد البشرية المتخصصة، بل نحن من طلائع الدول المنتجة لـ جودة الكفاءات البشرية ومن أبرز الدول في المنطقة التي يشهد لها القاصي والداني في عملية إنتاج الصحفيين والقيادات الإعلامية المتخصصة على الصعيدين العلمي والمهني، والشواهد كثيرة فما عليك إلاّ أن تمر مرورا على كبار الهيئات التدريسية في الجامعات العربية، وتتنقل عبر أضخم الفضائيات ووسائل الإعلام العربية وستجد جودة الكفاءات الأردنية.

بـ النهاية ؛ "ما مضى قد مضى وإنتهى"، ونحن الأن على طريق إعادة تصحيح المسار الإقتصادي والسياسي والإداري في الدولة الأردنية، والمرحلة المقبلة ستكون أشد خطرا وتعقيدا على المستويين المحلي والدولي على الصعد السياسية والاجتماعية والدبلوماسية كافة، وقد حان الوقت أن تدرك السلطات السياسية في الدولة درجة خطورة عشوائية وفوضى المشهد الإعلامي وسلوكياته، وأن تدرك بنفس الوقت أهمية الدور الذي يؤديه الإعلام المتخصص في إطار حماية الدولة والمجتمع والدفاع عنهم من قوى الشد العكسي الداخلية والقوى السياسية الخارجية المعادية.

اقتناع وإدراك السلطات السياسية والدولة العميقة في الأردن لأهمية وخطورة الإعلام يجب أن ينبثق عنه مجموعة من الأجراءات المستعجلة، أهمها تأسيس مطبخ ضيق ومتخصص في الاتصال الجماهيري السياسي والدبلوماسي والإجتماعي يقوم على إدارته مجموعة من المتخصصين، يتم إختيارهم وفقا لمعايير الكفاءة والجودة والتخصصية بعيدا عن الواسطة والمحسوبية والمحاصصة غير المنطقية، وتكون أبرز مهامه تشخيص وتحليل أخر ثلاث سنوات مضت من خلال دراسات وبحوث علمية إعلامية خاصة، والبدء بـ البناء والتأسيس لـ منظومة إعلامية جديدة وفقا لتوصيات الخبراء والمتخصصين وما تخرج به الدراسات والبحوث العلمية من نتائج.
يتبع....
تابعو جهينة نيوز على google news