"عملية حارس الازدهار: تحليل استراتيجي لعسكرة البحر الاحمر وتبعاتها على الشرق الأوسط"
الدكتور ليث عبدالله القهيوي
في ظل التطورات الجيوسياسية المتسارعة في الشرق الأوسط، تبرز عملية "حارس الازدهار" كنقطة محورية في العلاقات الدولية والإقليمية. الضربات الجوية التي نفذتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ضد أهداف في اليمن، تكشف عن تشابك الأهداف الاستراتيجية، التحديات الإنسانية، والتداعيات السياسية المعقدة. هذه العملية، التي تهدف إلى حماية الملاحة في البحر الأحمر، تشير إلى أهمية هذه المنطقة كممر حيوي للتجارة العالمية ومسرح لتوازنات القوى الدولية والإقليمية.
الضربات الجوية تستهدف بشكل رئيسي تقويض القدرات العسكرية للحوثيين، الذين يشكلون تهديداً لأمن الملاحة في البحر الأحمر. هذه الخطوة تأتي في سياق السعي لحماية أحد أهم ممرات التجارة العالمية، وتعكس الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة. كما أن التأثير المباشر على الحوثيين يهدف إلى تقليص قدرتهم على شن هجمات ضد السفن التجارية والعسكرية، مما يسهم في استقرار المنطقة.
الضربات الجوية في اليمن تأتي مع تبعات إنسانية وسياسية معقدة. من الناحية الإنسانية، يجب التعامل بحذر شديد نظراً للأزمة الإنسانية المتفاقمة في اليمن، التي تتطلب التوازن بين الأهداف العسكرية والحاجة إلى تجنب الأضرار الجانبية. من الجانب السياسي، تثير هذه الضربات تساؤلات حول تأثيرها على الجهود الدبلوماسية لحل النزاع اليمني. إضافة إلى ذلك، تعكس المواقف الإقليمية، خاصة من دول مثل عُمان والأردن، القلق بشأن تصاعد التوترات وتأثيرها على الأمن الإقليمي.
يبرز الأردن كطرف محايد ومعتدل في هذه الأزمة، حيث عبر عن مخاوفه من تصاعد التوتر وانعكاسات ذلك سلبًا على الأمن الإقليمي.
يُعد باب المندب شريانًا حيويًا للتجارة العالمية وممرًا مائيًا استراتيجيًا بالنسبة لدول المنطقة والعالم. أي تهديد لأمن هذه المنطقة الحساسة من شأنه أن يؤثر سلبًا على الاقتصاد الإقليمي والعالمي. عملية "حارس الازدهار" تلقت دعماً من عدة دول غربية، مما يعكس الأهمية الدولية لأمن الملاحة في البحر الأحمر. ومع ذلك، توجد مخاوف دولية من إمكانية تصعيد الأوضاع في المنطقة نتيجة لهذه الضربات. هذا التصعيد قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، ليس فقط على اليمن، بل على الاستقرار الإقليمي بأسره.
من الواضح أن هناك تحديات لوجستية وعسكرية في تنفيذ الضربات بشكل فعال ودقيق. الحاجة إلى تجنب الأضرار الجانبية والتأثير الإنساني السلبي تعتبر من أبرز هذه التحديات. ومن ناحية أخرى، توفر العملية فرصة لتعزيز التعاون الدولي والإقليمي من أجل الأمن والاستقرار في المنطقة، وهو أمر بالغ الأهمية لضمان استمرارية التجارة العالمية والسلام الإقليمي.
تأثير عملية "حارس الازدهار" على الاقتصاد العالمي والتجارة يستحق التمعن. البحر الأحمر، كممر رئيسي للتجارة العالمية، يلعب دوراً حاسماً في حركة النفط والسلع الأساسية. أي تهديد لأمن هذه المنطقة يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات كبيرة في الأسواق العالمية ويزيد من تكلفة الشحن، مما يؤثر بشكل غير مباشر على أسعار المستهلكين عالمياً. تسليط الضوء على هذه الجوانب يبرز الأهمية الاقتصادية للعملية، ويوضح سبب الاهتمام الدولي الكبير بها.
الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة وبريطانيا في هذه العملية يعكس أبعاداً مهمة في السياسة الخارجية لكلا الدولتين. من خلال المشاركة في "حارس الازدهار"، يدعوا انهم يؤكدوا هاتان القوتان على التزامهما بأمن الملاحة البحرية واستقرار الشرق الأوسط، وهو ما يعزز مكانتهما كلاعبين رئيسيين في الجغرافيا السياسية العالمية. هذا التدخل يعد أيضاً مؤشراً على استمرارية النفوذ الغربي في المنطقة، رغم التحديات والانتقادات.
يُعد باب المندب شريانًا حيويًا للتجارة العالمية وممرًا مائيًا استراتيجيًا بالنسبة لدول المنطقة والعالم. أي تهديد لأمن هذه المنطقة الحساسة من شأنه أن يؤثر سلبًا على الاقتصاد الإقليمي والعالمي. لا شك أن للضربات الجوية عواقب وخيمة على الوضع الإنساني المتردي أصلاً في اليمن. كما أنها تُعمّق الأزمة السياسية وتجعل التوصل إلى حل سلمي أكثر صعوبة.
على الرغم من التأكيدات الأمريكية على تضييق نطاق العملية، إلا أن هناك مخاوف من اتساع رقعة الصراع وتحوله إلى حرب إقليمية. هذا من شأنه أن يهدد باستقرار المنطقة بأكملها.
ثمة حاجة ملحة لجهود دبلوماسية جادة تشمل كافة الأطراف بهدف وقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات و الاعتماد على الحلول العسكرية لن يفضي سوى إلى مزيد من المعاناة للشعب اليمني وتفاقم الأزمة الإنسانية.
كما ينبغي الاهتمام بالبعد الاقتصادي للأزمة، فالحصار وانهيار الاقتصاد اليمني يزيدان من معاناة السكان ويغذيان التطرف , ان رفع الحصار ودعم استقرار الاقتصاد اليمني أمران ضروريان لأي حل سياسي مستدام.
إن حل الأزمة اليمنية يتطلب رؤية شاملة تربط بين الأبعاد الإنسانية والاقتصادية والسياسية، فهي متشابكة ولا يمكن التعامل معها بمعزل عن بعضها البعض. السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل هو من خلال حل سياسي توافقي يلبي التطلعات .
أخيراً، لا يمكن تجاهل تأثير عملية "حارس الازدهار" على المشهد السياسي في اليمن. بينما تهدف العملية إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي، فإن تأثيرها على الأرض في اليمن يحمل تبعات مهمة للمستقبل السياسي للبلاد. توازن القوى داخل اليمن قد يتغير، وهو ما قد يفتح الباب لتطورات جديدة في عملية السلام، أو قد يؤدي إلى تعقيدات إضافية. الحاجة إلى مقاربة شاملة تضمن الأمن الإقليمي وتحترم السيادة اليمنية تظل أمراً حيوياً لأي حل دائم.