2024-05-14 - الثلاثاء
banner
مقالات مختارة
banner

سيدي اليسوع... انا متأسف

{clean_title}
جهينة نيوز -
بقلم عيسى قراقع
سيدي اليسوع: انا متأسف، لن استطيع اضاءة شجرة الميلاد هذه السنة في ساحة الميلاد في بيت لحم، لا يوجد من يحتفل ويصلي، الجميع يا سيدي اصبح غائبا، الدعاء والرجاء والمحبة والسلام، طوردوا بالصواريخ الصهيونية، بأطنان القنابل الفتاكة حتى اشتعلوا وتبخروا في صهريج غزة.
متأسف يا سيدي، انا الراهب والشيخ والولد الذي يسكن قرب المغارة، المذود هذا العام يصرخ، لا حليب ولا هواء ولا حماية، المذود محاصر في مخاضه الجديد، ولادة ربانية متعسرة، الكنيسة دمرت ولازلت يا سيدي مصلوبا في شوارع غزة وجنين والقدس، فوق الحطام والجثث والركام، لقد قتلوك في الآية، والبحر والدم يمتزجان ويلتقيان في صلاة منتصف الليل بين البرق والرصاصة.
سيدي: وما قتلوك وما صلبوك 
صعدت وهبطت في كل الأزمنة 
الشبيه والمشبه معجزة التراب والماء
 ها نحن ننحت الهواء
من النطفة حتى الانتفاضة 
نستعيد ملامحنا بين غارة وغارة
سيدي اليسوع انا متأسف، لن نراك في هذه السنة الباردة المظلمة، ولن يلبس الأولاد ملابس العيد الجميلة وينتظرون الهدايا من بابا نويل، الأطفال ماتوا قتلا وخوفا ورعبا، لم يعد على ارضك المباركة ملجأ او معبد او مدرسة، وانت الذي ترى وتسمع: المنازل المدمرة، المستشفيات والقبور المحروثة المتناثرة، الجثث المدفونة تحت الأنقاض والمتفسخة، صرخات ونداءات وصمت وعجز ثقيل، هذه ليست القيامة، وهذا ليس عصر الأنبياء، الطغيان عم البلاد، هنا غزة مجزرة تتلوها مجزرة، وابادة للشرائع والأديان والرسالات الكونية، وحوش خارج العالم، لا صوت ولا ضوء، قصف وانفجارات ودخان، تاريخ التخريب والتدمير والانحطاط الإنساني، انهم يا سيدي يقطعون يدك التي لوحت للحرية.
سيدي: تجاوزنا الخوف والصدمة 
والتباس التوقع والمفاجأة
لنا قلب يدق خارج الجسد
ولنا رئة تتنفس خارج المكان
نحمل احلامنا الى رؤوس الجبال كل ليلة
سيدي اليسوع: انا متأسف، بيت لحم لم تلبس زينتها وتضيء شموعها وقناديلها وتتعطر ببخورها، بيت لحم تبحث عنك في جحيم غزة، تحمل الكتاب المقدس والمعول، إرادة روحية تحارب النسيان والطمم، تزيح التراب عن الضحايا وترمم حاضرهم وماضيهم وملامح الهوية، بيت لحم تحت القصف والنار في الشجاعية وخانيونس وجباليا، مقاومة العنصرية الصهيونية الفاشية وشهوات الانتقام، بيت لحم تدافع عن حضورك الثوري والإنساني واصرارك الجارف على الصمود والانتصار والبقاء.
سيدي: نحن شعب ما بعد الدمار والكارثة والدهشة 
نكتب التاريخ بالحب والنار 
نحطم السياج
ونزرع على سلامة الذاكرة اغنية.
سيدي اليسوع: انا متأسف، لا احد في الساحة، اولادك وبناتك في السجون والمعسكرات، اعتقالات يومية جماعية، عزل وضرب وتعذيب وتنكيل واهانات، واراك في سجن نفحة مصلوبا ومشبوحا وعاريا، الدماء تنزف، اعدامات ميدانية، جرائم غير مسبوقة، موت بين الجدران في ساحات التعذيب، وحدك يا سيدي تصارع الموت هناك مكبلا، لقد مات العالم أخلاقيا وانسانيا، واغلقوا أبواب الجوامع والكنائس، الطفل فيك يبحث عن حليب بين القنابل وفي السجون والزنازين الضيقة.
سيدي: اعطنا حبا واغطية
الغرب المتوحش والصهيونية والحف الأطلسي
لا تصلي هذا العام الا للانقاض
جثث وزفير وشهيق ودمى محطمة
من ينزع المسامير ويحرك الخشبة؟
سيدي اليسوع انا متأسف، انا في المقبرة او في السجن، طريق الجلجلة مغلق، حواجز وابراج ومستوطنون ومداهمات وقتل يومي، لا استطيع ان اقرع الاجراس، الأرض صامتة وقاحلة ومرعبة، ارضك تتعذب، الإرهاب الصهيوني والهيمنة والملاحقة، عودة القرون الوسطى، المحاكم الميدانية، المستوطنات، الجدار العازل، السلب والنهب والتجويع، وغزة مسرح للقتل لا مثيل له في التاريخ، اجتثاث الهوية شعبا وبلادا، مقومات واسسا ثقافية وعمرانية واقتصادية وبشرية، انحدار كارثي للثقافات والديمقراطيات وقيم العدالة، لا وزن للنبوءة والحياة، فكيف تضيئ يا سيدي وانت تتناوب الانفجار في حراسة القدس والاسوار والنشيد؟
سيدي: انا خائف
الناس تتوضأ بدمها ولا تقف للصلاة
لا مكان لها غير الفراغ والغبار
الصهيونية تلتهم اللحم والعظم والخبز
ضع السماء في حنجرتك يا سيدي
حرك النجوم وافتح ذراعيك للفضاء.
سيدي اليسوع، انا متأسف، وقد قلت في نداءك ان الحق سيحرركم، ولكن الصهيونية تستدعي كل الشياطين والخرافات المسلحة، الجحود والاباحية، الاستباحة دون أي رادع او قانون او شريعة الهية، انقلاب عليك بصفتك مربيا للحرية، البشارة وروح القدس والرحمة، وقد تم اعدام راهبتين في كنيسة العائلة المقدسة في غزة، القناص على الشباك وفي الطائرة الحربية، القناص داخل المحراب وفي الترانيم الشجية، القناص لا يراك الا من فوهة بندقية.
هللويا 
في ليلة من الليالي
لست ادري ما اعتراني
ظلمة تغمرني يا رب
الأرض ضاقت والسماء
والدمع بات يبكي يا الهي
هللويا.
سيدي اليسوع، انا متأسف، الطبيعة العنصرية والوحشية للصهيونية تغلبت على الطبيعة الإنسانية، والحداثة الغربية تفترس تعاليمك السماوية، تبحث عنك في جنين واريحا والخليل وعكا، تسعى لاستئصالك من خارطة التاريخ والعودة للظلام الفكري، وتفتش كل بيت وحارة، أسلحة وبوارج ودعم سياسي وعقائدي وايديولوجي، يغتالون الفرج في ليلة الميلاد، لا مواعيد ولا زيارات ولا احتفالات، الورد تحول الى دم، الدبابات والجرافات تهرس الجثث وتجرف المقابر وتبيد العائلات، وانا على يقين ان تلك الراهبة التي قتلوها في الكنيسة المعمدانية تركت طيرا يتحرك بين النور والظلام.
مريم العذراء تضع وليدها بين قذيفتين 
الحمد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام
ينشق القمر في احشاء امرأة عاشقة
ووفق الريح والمطر
سنخرج لملاقاة المستقبل
انظر هذه اللحظة
انه يهز جذع النخلة.
تابعو جهينة نيوز على google news