المزاجية أم الجهل.. لماذا يقاطع البعض منتجاً ويترك آخر؟
عايش : ذرائع التشكيك بالمقاطعة ليست مبنية على قواعد محكمة
الخضور: المقاطعة تحتاج لبعد معرفي وإدراك بتصنيع المنتج
الأنباط – ميناس بني ياسين
منذ بدء العدوان الصهيوني قبل 32 يوماً على قطاع غزة والفعل الوحشي الذي خلف حتى الآن عدداً يتجاوز 10 آلاف شهيد، انتشرت دعوات المقاطعة في عدد من البلاد العربية والأوروبية، لشركات داعمة للكيان الصهيوني بهدف اضعاف اقتصادهم ورداً على العدوان الصهيوني ولتكون وسيلة شعبية تعبر عن رفض الشعوب التعامل مع الشركات والمنتجات التي تدعم الكيان وتقدم له الدعم المالي والمعنوي.
وبدأت حملات المقاطعة نشر قوائم طويلة ومفصلة حول اسماء الشركات التي طالتها المقاطعة سواء في قطاع المأكولات والألبسة والعناية بالبشرة داعين أن تصبح المقاطعة مبدأ وفكر عند كل مواطن يرفض جرائم الاحتلال ويدينها، ووصل عدد الشركات إلى ما يقارب 140 شركة على لائحة المقاطعة لدعمها عدوان "إسرائيل"، وبدأت فروع أكبر الشركات العالمية تسجل خسائر وبأرقام كبيرة، لا بل حتى باتت تخلو من الزوار والزبائن وأعيدت منتجات بعدد هائل إلى الشركة الأم جراء المقاطعة، إضافة إلى أن صور "الماركات" كان لها دور كبير في السير وراء حملات المقاطعة، لأنها صممت بشكل مؤلم يذكر كل مواطن سولت له نفسه الشراء وارتياد المطاعم التي ضمن المقاطعة بمشاهد الشهداء وهم أشلاء وبدماء الأطفال الذين كانوا تحت الأنقاض، ويؤكد بعض المحللين أن هذا نجاح في إيصال صوت الشارع العربي وموقفه من العدوان على أطفال غزة ونساءها وشيوخها، بل أن الرسالة وصلت للعالم أجمع وأصبحت الحقيقة ترى بشكل أكبر.
لكن الفكرة تكمن في عدد لا بأس به من المقاطعين الذين لم يفهموا معنى المقاطعة بشكل واضح فبدلاً من اعتبار المقاطعة فكراً وقضية أخذوا مقاطعة ما يسهل عليهم مقاطعتهم له كأن يقاطعوا مطعماً داعماً للكيان الصهيوني، لكن لم يقاطعوا "براند" لمنتج عناية بالبشرة أو التدخين، وهذا ما جعل التركيز على مقاطعة شركة معينة وأخرى لا، لربما لأن المواطن لا يستطيع مقاطعة هذا المنتج أو أنه غير مطلع على قائمة الشركات التي يجب عليه مقاطعتها.
وتثير هذه المسألة تساؤلات كثيرة وأهمها متى أصبحت الشركات العالمية تسيطر على السوق العالمية والعربية ومتى اجتاحت الأسواق العربية بهذا الشكل؟ ولمَ كان استخدام هذه "البراندات" ضخماً في حين أن المقاطعة أظهرت البدائل المحلية لكل منتج عالمي بيّنت أنها بمستوى عالِ؟
وما الذي يدفع المواطن نحو مقاطعة منتج وآخر لا، فهل هي الإزدواجية والمزاجية أم أن هناك منتجات وسلع احتلت بالفعل السوق والبيت العربي ولا بديل لها؟
وفي خضم هذه التساؤلات تحدثت "الأنباط" مع الخبير الاقتصادي حسام عايش للخوض في تفاصيل المقاطعة وهل تدخل فيها مزاجية الاختيار، وأوضح أنه من الصعب القول بأنها مزاجية ولكن الفكرة أنه هناك سلع من المقدور مقاطعتها وسلع أخرى لا لانه لا يوجد بديل عنها، وسلع أخرى أساسية وليس لها بديل عربي وإن كان هناك بديل فهو ليس بالكفاءة المطلوبة، إضافة إلى وجود العديد من الأنظمة التي تستدعي نوعا معينا من الادوات والسلع والاجهزة المستوردة من الخارج.
وأكد أن المقاطعة رمزية لأشياء يمكن التخلي عنها لا سيما في الحديث عن السلع الترفيهية والمطاعم ولبعض المنتجات الغذائية والتي من الممكن الاستغناء عنها ليس فقط في المقاطعة وإنما مدى الحياة، بمعنى الذهاب نحو ما يمكن مقاطعته، وإذا ما تطورت فكرة المقاطعة وتحولت الى سياسات دول وشعوب، وسيطور هذا فكرة الاستغناء والتوقف عن شراء سلع وخدمات الدول الداعمة للعدوان، ولذلك فان الحجج التي يتم التسويق لها للتشكيك بالمقاطعة ليست مبنية على قواعد محكمة.
وبين أن المقاطعة ستظل شكل من أشكال التعبير عن المواقف تجاه الدول التي تدعم الكيان الصهيوني ولا تكون فقط مرتبطة بغزة وإنما للتعبير عن مواقف أخرى كالاساءة للبني محمد عليه الصلاة والسلام وحرق القرآن الكريم وأي عنصرية تظهرها هذه الدول تجاه العرب والمسلمين، والمقاطعة لا تستهدف الاستثمارات في الاردن ولا العاملين فيها ولا حتى المستثمرين.
ونوه إلى أنه كان يجب على الشركات الفرعية في الأردن التابعة للشركة الأم الرد بالمثل كما فعلت الشركات الفرعية في "إسرائيل" وقدمت الدعم الكامل المادي والمعنوي، كان من الأولى أن تقدم هذه الشركات دعمها أيضاً للأشقاء في غزة لتوضيح موقفها، مؤكدا أن الانتقائية هنا تعني وجود البديل وما يمكن مقاطعته ومقدور المواطن على المقاطعة لا سيما وأنها فكر يدعو للإحلال بدلاً من الاعتماد على المنتج المستورد والاهتمام بالمنتج المحلي.
وأكد الخبير الاجتماعي والنفسي علي الخضور أن المواطن اليوم يتجه نحو الجودة والنوعية والانسان بطبعه يتجه نحو الأفضل، وفكرة المقاطعة تحتاج إلى بعد معرفي وإدراك بتصنيع المنتج وهل هو محلي الصنع أم عربي أم غربي وإلى أين تذهب أرباحه؟ وعلى المواطن اليوم وعيه بعلاقة الدولة المصدرة مع دولته الأم، ومن الطبيعي ألا يتجه المواطن للمنتجات التي من المفروض مقاطعتها بل عليه المقاطعة الاتجاه نحو المنتج المحلي لا سيما وأن هذه الشركات الكبرى وأرباحها تذهب للكيان الصهيوني.
وأكد أن عدم الدراية في هذه الأمور من الممكن أن تكون جهل وعدم معرفة كافية في هذ الأمور وبناءً عليه فإن هناك دور كبير لوسائل الإعلام في تثقيف هؤلاء المواطنين وإيصال الفكرة بوضوح لهم.
أما فيما يتعلق بعدم مقاطعة منتج معين كسجائر التدخين والتي بسبب العادة والإدمان والأنانية في رغبته بالتدخين منعته من مقاطعة الدخان، بل ويبدأ بالاسقاط والتبرير بأن شراءه لهذه السجائر لن يؤثر كثيراً في دعم أرباح العدوان وهذه تعتبر حالة نفسية ووسائل دفاعية عن سلوكه الخاطئ.
وأكد الخضور في نهاية حديثه إلى أنه يجب أن تعمل وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بأن يكون هناك مؤسسة تبين أهمية هذه المقاطعة بالحديث مع خبراء اجتماعيين واقتصاديين ونفسيين وسياسيين.