عندما كانت النصيحة بجمل
جهينة نيوز -عندما كانت النصيحة بجمل
عامر الحباشنة
في قصة ابو النصايح التي اورثنا اياها الآباء والأجداد، إن الرجل الذي تغرب عن أهله واحدا وعشرين عاما طلبا للرزق، وكسب مقابل ذلك ثلاثة جمال عن خدمته ،أي بمعدل جمل كل سبع سنين، وفي طريق عودته لأهله قابل الشيخ الكهل في خيمة الصحراء، استغرب وجوده لوحده، فعرف منه أنه ابو النصائح ومهنته تقديم النصائح لمن يرغب من المارين به ، وكل نصيحة منه بجمل، فدفعه فضوله وحبه المعرفة ان يطلب نصيحة مقابل أحد جماله، ليجد نفسه متورطا بثلاث نصائح لا تتجاوز الواحدة منهن بضع كلمات، وذلك مقابل شقا وتعب عمره وغربته ،أي مقابل جماله الثلاثة.
النصيحة الأولى.. "ان رأيت سهيل لا تنام جنب السيل"
النصيحة الثانية.." إللي ما لك فيه لا تتدخل فيه "
النصيحة الثالثة... " نام على ضيم ولا تصبح نادما "
وحدث أن غادر الرجل خيمة بخفي حنين بدون جِماله، متسلحا بالنصائح التي لم تقنعه ولم تشف فضوله..
ومحور موضوعنا هي النصيحة الأولى، النصيحة المرتبطة بالظواهر الفلكية التي تعطي إشارات استشرافية عما سيحدث، وهنا وعودة للرجل، ففي طريق عودته لأهله خالي الوفاض، صادف ان غربت شمس يومه في مضارب قوم يسكنون حافة واد ببيوتهم ومالهم( بيوت الشعر واغنامهم )، وبعد استراحة قصيرة وشيء من الطعام، لفت انتباهه نجم سهيل في قبة السماء، فقام محذرا معازيبه من خطر السيول القادم تلك الليلة، لكنهم لم يسمعوا كلامه، فخرج إلى اعلى التلة لينام ملتزما بالنصيحة التي دفع ثمنها غاليا، سبع سنوات من عمره وتعبه، فكان ما كان من أن السيل داهم القوم واخذ بيوتهم وحلالهم، حيث لم يتعظوا ولم ياخذوا بنصيحته، فهلكوا وسلم.
وهنا، نعود لمحور النصيحة الأولى الغالية، فمن يرى ما حدث ويحدث حولنا وما يخطط له من مشاريع تصفوية في الإقليم، وما يواجه الوطن من تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية، افقدت الثقة بمعظم المؤسسات الوطنية، فاتسعت الهوة بين مؤسسات الدولة وبين الناس، فلم تعد رواية الحكومات مسموعة ولم تعد مقنعة، والحال مع السلطة التشريعية، حتى طال الأمر السلطة القضائية، فغابت الشفافية والمصارحة، وتاهت الحقائق أمام سطوة الانطباعات، واتسع الفراغ الذي يملؤه الجميع بما يريدون، فلم تعد تجد متفائلا، ومن يحاول يصطدم بحقائق الواقع، فاصبحنا أسرى الاشاعة التي حجبت الحقيقة، وكثر الحديث عن الاصلاحيين دون أن ترى إصلاحيين، وعن الفساد الذي أصبح عنوانا دون تعريف، لدرجة أن الفساد الحقيقي تعمق أكثر كلما زاد الحديث عنه، ولم تعد الوظيفة العامة إلا منصة للتصويب والتشهير ولا يحسد من يتولاها، ومع غياب وتصحر في العمل الوطني والسياسي المقابل من القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة، والذي اصبح يعمل إن عمل بنظرية ردود الفعل...وغير ذلك من الظواهر السلبية.
كل هذا، ألا يستوجب الإنتباه، وكأننا نرى سهيلا يطالعنا كل ليلة وما زلنا نراوح حافة الوادي منتظرين السيل الجارف، فمن ينتبه لهذا النجم الذي نراه كل ليلة محذرا، النجم هو تلك الظواهر والإشارات التي يشهدها الوطن بكثير من مؤسساته، فمن يخرجنا من جنب هذا الوادي لنقطة أعلى وأكثر امنا، أهي السلطة التنفيذية، ام التشريعية أم القضائية، ام ثلاثتها ، وهل من برنامج وطني جامع أساسه الوطن الجامع والمشروع المتوافق عليه، والمرجعية العليا، ؟؟ ،التي تؤمن منظومة إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية جذرية، ولنعترف أننا اخفقنا هنا وهناك، ولنحاسب من تقصد الإخفاق وكان متاحا له الإصلاح، وهذا لن يتأتى إلا بتحويل كثير من الرغبات والحديث الحكومي الناعم والايجابي إلى أفعال وممارسات على الأرض، وهذا أمر لا يتحقق إلا بمراجعة لما عرف بمنظومة " الإصلاحات" التي تمت وثبت عدم نجاحها ونجاعتها،
اعرف ويعي الكثير من الأردنيين حجم التاثير الخارجي في ما يحدث في الداخل، ويمتلك الناس وعيا أكثر مما تعتقد سلطاته، وهذا يتطلب ارتقاء الخطاب الحكومي لمستوى أعلى بعيدا عن الدعائية وبعيدا عن الحلول الآنية، والذرائعية بالخارج التي يجب أن لا تأسرنا للاستسلام لها وكأنها قدر، بل لتكن دافعا نحو اجتراء حلول عملية لما نواجه داخليا ، وأساس كل هذا ما ينعكس على المواطن على الأرض وما يتلمسه على الواقع، وغير ذلك سنبقى نسكن الوادي منتظرين السيل القادم، فسبع سنوات من صمود الاردنيين في زمن " الربيع العربي" كافية لأن تكون ثمنا ليسمعوا صوت الناس.
ولله الأمر من قبل ومن بعد//.