علي الزعتري يكتب:الاستقواء بالصهيودية
جهينة نيوز -الاستقواء بالصهيودية
الشاهُ الصغيرُ رضا بهلوي طارَ ليتذكَّرَ مع الصهيودية في القدس، بالقلنسوة، على حائط البراق، ذكرى مذبحةَ اليهود. هذا المسلم الذي تقول مدوناتهُ أنه حج َّ في وقتٍ سابقٍ لم تطأ قدميهِ في هذه الزيارة بلاطةً من الأقصى.
من السودان انبرى متحدث دوغلو حميدتي لمحطةٍ صهيوديةٍ بالقولِ أن الدعم السريع يمر بما مرَّتْ به الصهيودية على يد الإرهاب {العربي}!
و في الأردن، المؤسسة الصهيودية تتهم نائباً بتهريب سلاح و تلقي عليهِ القبض في حدثٍ يحتاج لتفسيرٍ و يقول البعضُ رَدّاً أنَّ النائبَ خالفَ القانون و أنَّهُ لذلك فإِنَّ مع الصهيودية الحق بالقبضِ عليهِ.
أمثلِةٌ صارخةٌ عن الاستقواءِ بالصهيودية تكادُ تُمَزِّقُ القلب و لا تفسيرَ لها غير الطمعَ بالسلطةِ أو التماهي الأَجوفَ مع عدو.
أما الشاهُ وريثَ العرش البهلوي فهو منذ وقتٍ في حركةٍ دعائيةٍيحدوهُ الحلم بالعودة للعرشِ الطاووسي الذي دحرجهُ الخميني.و قد أصدرَ بياناتٍ و ألقى خطاباتٍ يحضرها بعض مواطنيهِ الإيرانيين الذين هربوا بعد عام ١٩٧٩ لدعمِ الحلم هذا. و بما أنه من ساكني الولايات المتحدة فلقد اقتنعَ أن رحلةَ العودة يجبُ أن تمرَّ من بوابة الصهيودية و لذلك قرَّرَ أن يبيعُ ذاتهُ لها آملاً عونها في اعتلاء العرش.ذَلَّ نفسهُ بالقلنسوةِ و صلاتهِ إلى حائطٍ مستقوياً بالصهيودية الجديدة، حين أسلافهُ القدامى ساقوا الصهيوديةَ القديمة للسبي، و لربما اعتذر عن ذاكَ الزمانِ راغباً بزمانهِ القادم كما يود أن يكون. تمتازُ الجالية الإيرانية المغتربة الأمريكية الشمالية بالتحرر من قيود التدين المفروضة ببلدهم الأم، فهم مسلمون إسماً و مسيحيون و يهود و زرادشتيون و بهائيون و لا دينيون، وعلى اختلاف خلفياتهم هذه هم نشطاء رُوَّادَ و أغنياء في مجتمعاتهم الغربية يشتركون في حب إيران من باب النوستالجيا و بغضِ الحاضر الإيراني الحاكم. ربما كانوا لا يودون العودة بالتاريخ للشاهنشاهية، أو حتى العودةَ لإيران، لكن البديلَ للحكم الثيوقراطي الحالي محدود.مجاهدوا خلق ليسوا بأفضلَ بنظر الإيرانيين و خلو البلاد من سلطةٍ مركزية فيما لو سقطت جمهورية إيران الإسلامية دافعٌ قوي للتفكك المبني على أكثر من أربعين قومية تسكن إيران.فالبهلويُ الوريثُ على هزالةِ حظوظهِ قد يكون واجهةً لتحررهم و تأكيد وحدة بلادهم رغمَ أنهُ لا يملك فعلاً زخماً سياسياً و لا روابط داخلية ببلاده ليؤسس عليها عودةً مظفرة و لا هم كإيرانيون مهتمون بحياةٍ ببلادهم لعلمهم أنها لن توازي حياتهم التي بنوها في الغرب.و لذلك فمن وجهةِ نظرِ رضا بهلوي ليس من ضيرٍ الاستقواء بالصهيودية، لعلَّ و عسى، في سبيلِ تحقيقِ هدفِ هدم دولةَ الخميني و استعادة قصرهِ الشاهنشاهي.لكن عودة شاهٍ لإيران دونها دماءٌ قد يتلوها بناءٌ، هذا إن نجح.و النتيجة الحتمية ستكون خراب البلاد لاستعادة الرخاء السراب.
و لم تكن الصهيودية بعيدةً عن السودان و لم يكن غَزَلَ و غَزْلَ التطبيع حدَثاً حديثاً بعد مرحلة البشير. السلاح والخبرات الصهيودية رافقت كل متمردٍ على السودان تقريباً منذ الاستقلال عام ١٩٥٦ و من بداية تمرد جون قرنق، وهي زرعت بذاراً لليوم الذي نشهد. ألم يجتهد جعفر النميري لتهريب الفلاشا من الحبشة لشرق السودان ثم للصهيودية؟ اليوم أحفادهم هؤلاء الفلاشا يفتحون و يقفلون الأقصى و المدن و القرى الفلسطينية في دورهم الانكشاري بمجتمعٍ يقبلهم يهوداً و يرفضهم سوداً. ثم أن التقارب بين السودان و الصهيودية راود خيال أركان البشير و كنتُ كتبتُ عن هذا، لضمان البقاء، ثم تراجع الكلام و زار البشير دمشق زيارةً غامضةً سقطَ بعدها. أتى البرهان و دوغلو و بَصَما في أوغندا و الخرطوم مع الصهيودية بما تراجع البشيرُ عنه و أعلنا صواب التطبيع لما فيهِ من مصلحةٍ للسودان. فأنْ يستأنسَ ناطقٌ باسم دوغلو حميدتي "بالنضال"الصهيوني مستقوياً به على البرهان والجيش ليس بجديدٍ رغم أنهُ استقواءٌ فيهِ غباوةٌ فظةٌ و تشبيهٌ فضائحيٌّ ارتماءً بالحضن الصهيودي، مِثل َ سوء تقديرِ الشاهِ الصغير.الصهيودية لا تهتم كثيراً لدوغلو و البرهان و حطام السودان و إيران طالما أنها هي التي تحطم، و لكلُ حادثٍ عندها حديث. فهم لها أدواتٌ مستهلكةٌ يسهلُ استخدامها و رميها للقمامة.
ثم نختمُ بالأردن حيثُ حديثَ المجتمع هو النائب المتهم بتهريب سلاحٍ عبر الحدود مع الصهيودية.و لا شك أن تفسيرَ و تفصيلَ الحدث ليس أمراً يمكن الخوض فيه لغيابِ المعلومةِ و أنَّ الأمر هو للدولة و أجهزتها القادرة.بيدَ أننا نحن لا نرضىٰ القبضَ الصهيودي على عربيٍّ، أردنيٍّ و فلسطينيٍّ، و من أي قطرٍ كان المنبت، و لا الترويجَ بقوانين الصهيودية لأن صفةَ القبضِ تحملُ صفةَ القانون، و الصهيوديةُ مارقةٌ لا تملكُ شرعيةَ قانون.الصهيوديةُ هي السلبُ لإيجابيةِ القانون، أي قانون، و كل ما يصدر منها و عنها هو دحضٌ لقانونِ الإنسانية. و لهذا فإن أَسْرَ و احتجازَ الأردني هو عملٌ غير قانونيٍّ من أصلهِ مثل احتلال فلسطين.و انتقاد النائب، على خلفيةِ كسرهِ قانوناً صهيودياً على أساس شرعيةِ الصهيودية، ليس من الصواب بشيء.بل هو نوعٌ من الاستقواءِ بالصهيوديةِ على حقوق المواطنةِ لأن أساسَ المواطنة هو الانتماء لوطنٍ و الزودَ عنه من الاحتلال و السلب، و هما أساسَ الصهيودية و ممارستها. أما كيف تتصرفُ الدولة بهذهِ المسألةِ المعقدة فهذا شأنها و حساباتها و كيف هي تزودُ عن حياضها و مواطنيها لهوَ أمرٌ لا شكَّ فيهِ.
هي باختصار أمثلةَ استقواء و ليست كل أوجهِ الاستقواء الذي نراه من حولنا.غير أنهُ مهما طالَ الزمان فنحنُ نعرفُ أن الاستقواء بالعدو لا يقودُ للنصر بقدرِ ما يقود للعارِ الذي يكتبهُ التاريخ و للخذلانِ و الهزيمةِ المخزية في النهايةِ القادمةِ من دونِ شك.
علي الزعتري
الأردن
إبريل ٢٠٢٣