في روما يعني “الزواج” وأخطر من “المرض” في بلاد الرافدين.. كيف كان الحب لدى الثقافات القديمة؟
من المعروف أن الحب شعورٌ عالميٌّ، لكن الثقافات المختلفة حول العالم عبَّرت عنه بطرق مختلفة، سواء من خلال التعبير بالكلمات أو بلغة الجسد. وفي بعض الثقافات يكون الزواج مرادفاً للحب.
لكن هناك ثقافات أخرى يختلف فيها الزواج عن الحب، حيث يمثل الزواج خطوةً استراتيجيةً لتحسين حياة الشخص، لا نتيجةً للحب الذي يكنّه تجاه امرأة ما. وبجانب اختلاف التعبير عن الحب باختلاف الثقافات تَغيّر مفهوم الحب أيضاً مع اختلاف الزمن، منذ عصور المصريين القدماء والرومان القدماء كانت مفاهيم الحب حاضرة وضرورية للمجتمع.
كيف كان الحب في العصور القديمة؟
إن الحب في العصور القديمة، كما هو الحال اليوم، يعبر عن نفسه في جميع أنواع العلاقات والمعاني والدلالات والتوقعات، واختبر محاسنه ومساوئه أناس عاشوا منذ آلاف السنين، من روما وحتى بلاد الرافدين.
1- الحب في العصر الحجري
قد تبدو الرومانسية في العصر الحجري موضوعاً غريبا، لأنها فترة زمنية غالباً ما ترتبط بالغرائز البدائية والبقاء بدلاً من الحب والعاطفة.
خلال تلك الفترة، التي استمرت من حوالي 3.4 مليون سنة مضت إلى نحو 3000 قبل الميلاد، عاش البشر في مجموعات صغيرة واعتمدوا على الصيد والتجمع من أجل البقاء.
غالباً ما كانت هذه المجموعات تتمحور حول الأسرة والمجتمع، وكانت العلاقات داخل هذه المجموعات حاسمة للبقاء على قيد الحياة.
من المحتمل أن تكون العلاقات الرومانسية قد لعبت دوراً مهماً في تكوين هذه المجموعات والحفاظ عليها، لأنها وفرت وسيلة للدعم الاجتماعي والتعاون.
هناك القليل من الأدلة المباشرة على العلاقات الرومانسية في العصر الحجري، لأن هذه الفترة الزمنية تسبق اللغة المكتوبة.
ومع ذلك، هناك بعض الدلائل التي تشير إلى أن الحب والعاطفة كانا مهمين لأناس العصر الحجري.
على سبيل المثال أشار بعض الباحثين وفقاً لما ذكره موقعMediumالأمريكي إلى وجود الفن والمجوهرات من هذه الفترة الزمنية كدليل على العلاقات الرومانسية.
تشير هذه العناصر، التي غالباً ما تصور شخصيات تشارك في إيماءات رومانسية أو عاطفية، إلى أن الحب والعاطفة كانا موضع تقدير في ثقافة العصر الحجري.
هناك دليل آخر يشير إلى أهمية الرومانسية في العصر الحجري، وهو حقيقة أن البشر كانوا دائماً كائنات اجتماعية.
من منظور تطوري، من المنطقي أن يكون البشر قد طوروا القدرة على تكوين روابط عاطفية قوية من أجل البقاء والازدهار في بيئة مليئة بالتحديات.
رغم عدم وجود دليل مباشر، فمن الواضح أن الرومانسية والعاطفة كانتا دائماً جزءاً مهماً من الثقافة الإنسانية.
2- الحب في روما كان يعني الزواج
في روما القديمة، لم يكن يُتوقع من الأزواج أن تجمعهم علاقة حب رومانسية مثل التي يُتوقع أن يتمتع بها غالبية الأزواج في عصرنا الحالي.
ومثل كثير من المجتمعات الأخرى في ذلك الوقت، كانت الزيجات تقليدية من أجل استمرار نسل الأسرة، وفقاً لما ذكره موقعWorld Atlasالكندي.
كانت الزيجات تعاقدية، وتستهدف تحسين ثروة الشخص ومكانته، وكان الرجال يتمتعون بموقع قوي للغاية على صعيد الحب والجنس والزواج في روما، حتى وإن كانت هناك بعض الاستثناءات.
أشعار الحب التي تعود إلى روما القديمة، والتي عُثر عليها اليوم، كُتبت في الغالب عن طريق الرجال الذين ينظمونها من أجل النساء اللواتي على علاقة بهم.
ونظراً إلى أن النساء كُنّ غير متساويات مع الرجال، فإن كثيراً من أشعار الحب كانت ذات مسحة مظلمة خافتة.
كانت النساء يُعرفن عن طريق الرجال في حياتهن، ولم يتمتعن بالكثير من الاستقلالية في روما القديمة، بل كُنّ في الأساس زوجات وأمهات.
3- الحب مرتبط بالوفاء في مصر القديمة
في مصر القديمة كان الحب والوفاء يسيران جنباً إلى جنب، وكان الحب أيضاً مفهوماً يرتبط بما بعد الموت.
صحيحٌ أن الزيجات التقليدية كانت حاضرة، ولكن كانت هناك أيضاً قصص لأشخاص في مصر القديمة تزوجوا بعد قصص حب رومانسية.
كان السائد في مجتمع مصر القديمة أن يتزوج الرجل والمرأة كي يُظهر كل منهما وفاءه للآخر، وكان الزوج والزوجة شريكي حياة متساويين، واعتبرت علاقتهما أيضاً علاقة صداقة.
ووفقاً لما ذكره موقعDeutsche Welleالألماني، فقد عرف قدماء المصريين الحب وتفاخروا به، وعبروا عنه من خلال كتابة القصائد العاطفية على جدران المعابد وأوراق البردي قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام.
كما أن ملوك مصر القديمة سخّروا الفن والعمارة لتخليد أبرز قصص الحب في حياتهم، والأدب المصري القديم يمتلئ بكلمات أطلقها الملوك الفراعنة على زوجاتهم مثل "محبوبة" أو "ملكة"، ومنحوهن ألقاباً مثل "جميلة الوجه" و"عظيمة المحبة" و"المشرقة كالشمس" و"منعشة القلوب" و"سيدة البهجة" و"سيدة النسيم"، وغيرها من الألقاب الأخرى التي تظهر أهمية الحب في حياتهم اليومية.
4- الحب لدى الإغريق كان من خلال التعبير
في اليونان القديمة كان الحب مفهوماً فكّر فيه بعض أشهر فلاسفة التاريخ، ومنهم أفلاطون وأرسطو.
حاول الفلاسفة اليونانيون شرح الحب بعقلانية، وصنفوا في كثير من الأحيان أنواع الحب المختلفة التي يمكن أن يشعر بها الناس، ولذلك كان لديهم العديد من كلمات الحب التي تصف كل واحدة منها حالة معينة.
ووفقاً لما ذكره موقعDictionaryفإنّ كلمةErosتصف الشعور الجنسي، وكلمةphiliaتصف الصداقة، وتصف كلمةludusالحب المرح، وكلمةagapeتصف حب الإيثار، وكلمةpragmaتصف الحب الناضج، وتصف كلمةphilautiaحب النفس.
5- الحب أخطر من المرض في بلاد الرافدين
توفر النصوص الطبية من بلاد ما بين النهرين القديمة (العراق حالياً) وصفات وممارسات لعلاج جميع أنواع الأمراض والجروح والأمراض، ومع ذلك، كان هناك مرض واحد لا علاج له وهو: "الحب العاطفي"، يأتي هذا المقطع من نص طبي موجود في مكتبة آشور بانيبال الملكية في نينوى.
كان الزواج في بلاد ما بين النهرين القديمة ذا أهمية حيوية للمجتمع، لأنه ضمن استمرار سلالة الأسرة ووفر الاستقرار الاجتماعي.
كانت الزيجات المرتبة هي القاعدة، حيث لم يلتقِ الزوجان في كثير من الأحيان، وحتى- وفقاً لهيرودوت- كانت هناك مزادات للزواج، حيث تم بيع النساء لمن يدفع أعلى سعر، لكن العلاقات الإنسانية في بلاد ما بين النهرين القديمة كانت معقدة ومتعددة الطبقات، مثل تلك الموجودة اليوم.
إضافة إلى ذلك، وعلى النقيض من الحب الرومانسي والزوجين اللذين يتشاركان حياتهما معاً، فقد كان هناك "جانب تجاري" للزواج والجنس.
ووفقاً لما قاله موقعWorld History، فإن المؤرخ هيرودوت ذكر أن كل امرأة اضطرت للجلوس خارج معبد عشتار (إنانا)، مرة واحدة على الأقل في حياتها، من أجل ممارسة الجنس مع أي شخص غريب يختارها، إذ كان يعتقد أن هذه العادة تضمن الخصوبة والازدهار المستمر للمجتمع.
وبما أن عذرية المرأة كانت ضرورية للزواج، فقد يبدو أن من غير المرجح أن تشارك النساء غير المتزوجات في هذه العادة، ومع ذلك يقول هيرودوت إن "كل امرأة" كانت مطالبة بذلك.