د.أنور الخُفّش يكتب : لماذا فشلت خطط الاصلاح الاقتصادية المصممة قِبل خبراء البنك الدولي و IMF ؟
السؤال المحوري لماذا فشلت خطط راسِموا السياسات الاقتصادية وكذلك برامج الإصلاح الاقتصادي المصمَّمة من قِبل خبراء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
اليس كون ارؤيا والأفكار لا تكفي للبناء والنهوض الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، لا بد من التخطيط والعمل, مع تجاهل عنصر الزمن كثره الرؤى لا يمكن اعتباره عناصر تسهم في هندسه الانهيار الاقتصادي لا سمح الله .
كما قال جون آدامز ولتكُن لدينا الجرأة على القراءة والتفكير فلنتمسَّك إذن بوسائل المعرفة بكل عواطفنا وخلجاتنا، ولتكن لدينا الجرأة على القراءة والتفكير والتعبير والكتابة.
يعاني الأردن من حالة إقتصادية لها خصوصيتها والمعضلة الإقتصادية أسيرة حالة الإستعصاء عن تقديم الحلول ، المسؤولية تتعاظم على الفريق الإقتصادي الحكومي ومجلس السياسات الإقتصادية والمالية (مهندس وراسم السياسات) . لذلك يمكن وصف الأزمة الإقتصادية كونها بنيوية وفكرية وتنظيمية ، مع مرور الزمن تتفاقم وتتعمق ، علاوة على كونها أصبحت مستمرة كون زيادة معدلات العجز في الموازنة مرتفعة جداً ، وإنخفاض معدلات النمو وتشمل أغلب قطاعات الأنشطة الإقتصادية والتجارية وتُظهر بوضوح ضعف استقطاب وتوطين الإستثمارات المباشرة طويلة الأمد .
خلال فترة الإزدهار الإقتصادي في السبعينيات ، كانت مرتبطة بشكل أساسي بطفرة النفط في الخليج، وخلقت الطفرة تغيراً في أنماط الإستهلاك في الأردن، دون أن يحصل تغيراً جوهريّاً في بناء القدرات الذاتية للإقتصاد، وأصبح نمط تشجيع الإستهلاك من بناء البيوت وإستيراد سلع وخدمات من الخارج. فإزدهار قطاع العقار يعني توظيفاً أكبر بزيادة الإستهلاك فيه، دون إستثمارها في قطاعات إنتاجية حقيقية يمكن التعويل عليها لاحقاً. الذي غيَّر أنماط الإستهلاك وإنفاق السكان والحكومات على حد سواء؛ انتقل الأردن سريعاً من فترة الإزدهار في السبعينيات إلى الهبوط في الثمانينيات، حتى وصلت الأزمة إلى ذروتها عام 1989، عندما وصل الدَّين الخارجي إلى ما يقارب 190% من الناتج المحلي الإجمالي، مع عدم قدرة الأردن على سداد ديونه، واضطراره لتقليل قيمة العملة بالنصف في تلك الفترة، وما ترافق مع ذلك من إرتفاع معدلات التضخُّم. هذه الأزمة كانت سبباً مباشراً في دخول الأردن في أول برامج مع صندوق النقد الدولي عام 1989.
بطبيعة الحال لا يمكن توفير مثل هذا الأمان الإقتصادي دون تقديمات الدعم الإجتماعي ، وسياسة التوظيف الكبيرة في مؤسسات الدولة ، والذي لا يمكن استمراره بدون استمرار المنح والمساعدات والديون وتحويلات العاملين في الخارج، والتي تسمح جميعها بإبقاء الوظائف آمنة مستقبلاً ، كذلك حالة الأمان الإقتصادي والإجتماعي مستقرة في الوطن .
السؤال المحوري لماذا فشلت خطط راسِموا السياسات الإقتصادية وكذلك برامج الإصلاح الإقتصادي المصمَّمة من قِبل خبراء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، في تحقيق التنمية الإجتماعية والإزدهار الإقتصادي ، على رغم إدراك القيادة الهاشمية بأن الشعب الأردني يستحق بناء مستقبل أفضل ، والتي كانت من أولويات برامج الإصلاح الهيكلي بالتعاون مع صندوق النقد منذ عام 1989 .
ببساطة ؛ كون طبيعة الإقتصاد الأردني تعاني كما أغلب دول العالم الثالث الفقيرة التي لا تكتمل محركات الدورة الإقتصادية بحيث لا يتبعها دورات إزدهار طبيعية لاحقاً لحالة ضعف النشاط الإقتصادي وإنخفاض معدلات النمو ، حكماً لا تتشابه مع الأزمات الدورية التي تواجه الإقتصادات المتقدمة كما في آسيا وأوروبا واليابان، كون ما يسمى ازدهاراً في بلد مثل الأردن لا يمكن مقارنته بأفضل أحواله بأوضاع توصف بالأزمات الإقتصادية في دول الغرب وحتى في الإقتصادات الناشئة ، نعم المشكلة والسبب الرئيس أو الجواب عن سبب الفشل ، كون إتباع نفس النهج أو وصفة الحلول المقترحة في الداخل لوصفات ناجحة لدول الإقتصادات المتقدمة .
لذلك فإنه من الحكمة ، الخروج من الأنماط الإقتصادية القائمة والقديمة، وإجتراح حلول جديدة وجذرية هيكلية في النهج والأدوات وكذلك الفريق الإقتصادي ، وقد تكون هي البداية بالفعل بالتفكير بتبنِّي سياسات بإتجاه مختلف أو بالإتجاه المعاكس عما سبق؛ وإن كانت تبدو غير كافية في حل المشكلة.
إن إستمرار واقع الحال الإقتصادي والإجتماعي ، بالتقدير والوزن النوعي ستفقد الأردن مكانة ورصيداً سياسيّاً كبيراً في المنطقة على حساب تأجيل الإقدام على جراحة سياسية منذ وقوع الأزمة الإقتصادية (عقدين تقريباً) . لذلك أمر جلالة الملك بتشكيل ورشة عمل وطنية ، لوضع «رؤية التحديث الإقتصادي».
رسم جلالة الملك عبدالله مسار البلاد للمرحلة المقبلة تحت عنوان "بالأردن الجديد" مستنداً إلى تطلُّعات طموحة وبناء تصوُّرات مستقبلية لتحقيق التحسن الإقتصادي وصولاً لإنجازات حقيقية لمستقبل أفضل في الأردن ، فكانت فكرة إطلاق رؤية التحديث الإقتصادي للأردن كجزء من أجندة الإصلاح الإجتماعي والإقتصادي ولتسريع تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة التي تسمح جميعها بإبقاء حالة الأمان الإقتصادي والإجتماعي قائمةً في الوطن .
الرئيس التنفيذي / مرصد مؤشر المستقبل الإقتصادي
anwar.aak@gmail.com