30 عاما من العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الصديقين
بقلم السفير إيلدار سليموف
دخلت أواخر القرن المنصرم على نطاق الفضاء السوفيتي، وبالتحديد مطلع التسعينيات، دوامة الأحداث التي كانت ستؤدي بالعالم حتماً إلى ظهور مجموعة من دول نالت استقلالها المنشود عشية اضمحلال تاريخي للعملاق السوفيتي الشيوعي، ألا وهو اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية.
لقد باتت جمهورية أذربيجان من بين تلك الدول التي قامت أمامها هي الأخرى مهمة رئيسية انحصرت في الحصول على الاعتراف الواسع من قبل المجتمع الدولي. وبقدرما عملت الدبلوماسية الأذربيجانية جاهدةً على تحقيق هذه المهمة الشاقة، بقدرما اتسعت رقعة الإقرار الدولي باستقلالية أذربيجان وحقها المطلق في حُظوتها بحرية غير مقيَّدة خارج ما يُسمى المعسكر السوفيتي الفاشل الذي لم يتورع عن نهب وسرقة خيرات الشعب الأذربيجاني.
ولم تتوان القيادة الأردنية آنذاك تحت رئاسة حكيمة لجلالة الملك الحسين إبن طلال، طيب الله ثراه، عن تبوؤ مكانة خاصة بها في قلب الشعب الأذربيجاني وذاكرته التاريخية حينما جاء الأردن الصديق في طليعة الدول التي اعترفت باستقلال وسيادة وحرمة حدود جمهورية أذربيجان وذلك في 28 ديسمبر عام 1991.
وبعد هذا التاريخ المشهود، بدأت أول الاتصالات بين البلدين في شتى المستويات الدبلوماسية والسياسية التي أسفرت في المحصلة النهائية عن تأسيس العلاقات الدبلوماسية في 13 فبراير عام 1993 التي أفسحت مجالاً للدفع بعجلة تطوير العلاقات الثنائية والتعاون المتبادل على جميع الأصعدة. غير أن هذه العجلة كانت في حاجة ماسّة إلى تصويب مسارها، طالما غابت عنها رؤية مشتركة على مستوى القيادتين.
فجاءت القمة الإسلامية التي استضافتها مدينة الدار البيضاء المغربية في عام 1994 التي جمعت بين القائدين العظيمين حيدر علييف والملك الحسين إبن طلال، طيب الله ثراهما، حيث أقام هذا اللقاء علاقات الصداقة والأحوة بين القائديْن، وحدّد مسار العلاقات الثنائية والتعاون المتبادل للسنوات القادمة. ثم تبعه تبادل الزيارات والاجتماعات واللقاءات ذات الطابع السياسي والاقتصادي والثقافي وغيره على حد سواء، لا سيما بعد تأسيس التمثيل الدبلوماسي في كلتا العاصمتين على مستوى سفارة.
بمضي الزمن، ارتقت العلاقات الثنائية لتطأ قدمها مرحلة جديدة من حيث المضمون والنوعية، خاصة مع زيارات رسمية عالية التي تم تبادلها بين فخامة الرئيس إلهام علييف وجلالة الملك عبدالله الثاني، حفظهما الله، إذ أنها اصبحت شاهدة على عقد دورات اللجنة الحكومية المشتركة ومنتديات الأعمال وهلمّ جرّا. بيد أن بعض المعيقات اللوجيستية الناتجة عن الواقع الجغرافي تمنع البلدين من إحراز اختراق حقيقي في زيادة حجم التبادل التجاري الذي لا يتماشى مع القدرة الكامنة والإمكانيات القائمة، مما يجعلنا أن نركّز جهودنا أكثر نحو تسيير رحلات مباشرة بصورة منتظمة، علما بأن القاعدة القانونية بين الدولتين تتكون من أكثر من 50 اتفاقية ووثيقة رسمية أخرى.
فيما يتعلق بالشق الثقافي من التعاون الثنائي، فيستلزم الأمر العودة بكم إلى الماضي الذي شهد إقامة متبادلة للأيام الثقافية، وكذلك مشاركة فرق موسيقية ورقصية وفنية في فعاليات ثقافية مختلفة تستضيفها العاصمتان ومدن أخرى في كلتا الدولتين.
لطالما اقترنت أولى الخطوات المتبادلة في العلاقات بين أذربيجان والأردن بإسمي الزعيميْن الوطنيين حيدر علييف والملك الحسين، فقرّر الطرفان الأذربيجاني والأردني تخليد ذكراهما من خلال إسماء شارع في العاصمة باكو بإسم الملك الحسين وشارع في العاصمة عمان بإسم حيدر علييف. وانتهازا لهذه الفرصة السانحة، أجدد بالغ ووافر شكرنا وعرفاننا للحانب الأردني على رعاية خاصة التي يحظى بها شارع حدير علييف الواقع في بدر الجديدة.
وعند إلقاء النظر على المبادئ والقواسم المشتركة التي تتقاسمها دولتانا في سياستهما الخارجية، فنرى أن احترام وحدة أراضي دول وسيادتها وحرمة حدودها المعترف بها دولياً، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، وتشجيع الحوار بين الحضارات والأديان، والتزامهما بالقيم الخضارية والثقافية، تستحوذ على صدارة في تفاعلاتهما ومقارباتهما الدولية.
لا يخفى على أحد أن شعبي قد واجه ويلات وتداعيات كارثية جسيمة كثمن باهظ لقاءَ استقلاله عن الاتحاد السوفيتي، إذ أنه نُكب بافتعال الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتداخلة مع مصالح الأطراف الثالثة، الأمر الذي مهّد أرضية خصبة للاحتلال الأرمني غير المبرر.
غير أن صعود حيدر علييف إلى السلطة وتفرغه الكامل لشعبه ودولته، بما في ذلك تسخيره كل خبرته وحنكته المتراكمة، إلى جانب الطاقات الدبلوماسية وغير الدبلوماسية للبلد خدمةً للمصالح القومية، قد ساعد في اقتناء التقييم السليم والصائب من قبل المجتمع الدولي تجاه قضية قره باغ الجبلية التي كانت تؤرّقنا حتى 8 نوفمبر عام 2020 حينما حرّر الجيش الأذربيجاني الباسل تحت قيادة القائد المنتصر إلهام علييف قره باغ الجبلية والمناطق السبع المجاورة لها.
وهنا يقتضي الأمر أن أشيد بموقف ثابت كانت تتمسك به المملكة الأردنية الهاشمية في إطار المنظمات والهيئات الدولية من قضية قره باغ الجبلية القائتة، ما لقي ترحابا واسعا لدى الشعب الأذربيجاني.
هذا الدعم الأردني والدعم الأذربيجاني إزاء قضايا تطرحها المملكة على الصعيد الدولي، قد صاغ مستوى عالي من الحوار والتفاهم السياسي بين البلدين الصديقين. كما يتطلب ضميري أن أذكر بكل فخر وبأسمى أيات الشكر والامتنان، قرار مجلس الأعيان الأردني حول مذبحة خوجالي التي اقترفتها القوات المسلحة الأرمنية في بلدة خوجالي الأذربيجانية في 26 فبراير عام 1992 أثناء العدوان الجائر.
بالإضافة، يجب أن أضخّم دور الصحافة الأردنية في تقريب ما بين الدولتين والشعبين الصديقين، والتي لا تقصّر في نشر المعلومات الموضوعية المبنية على الحقائق التاريخية والعصرية عن أذربيجان وثقافة شعبها وتقاليده وعاداته وجغرافيته الأم.
وعندما نتحدث عن الجغرافية الأردنية، فيستوقفنا الموقع الاستراتيجي الذي تمتلكها المملكة، طالما هي صلب منطقة الشرق الأوسط وبرّ الأمان في خضم التطورات التي تدور في المنطقة ذاتها، ما يؤهّلها لدور مهم إزاء الأحداث الجارية ذات الشأن الإقليمي والدولي. ويمكن القول بأن نفس الأهمية تنطبق على أذربيجان. وهذه العوامل تجعل التعاون الثنائي بين أذربيجان والمملكة أن يتعزز ويتوسع أكثر، بما يعود على كلا الشعبين بالخير والنفع.
وفي الختام، تحدوني الثقة بأن الفعاليات المتفاوتة في المجالات شتى، بما في ذلك إصدار الكتب ونشر صور للمعالم والآثار التاريخية والثقافية والسياحية وما شابه ذلك، سوف تسهم في المزيد من تمتين علاقات الصدافة بين البلدين الصديقين، وبأن مستقبل العلاقات التي تجتمع عليها جمهورية أذربيجان والمملكة الأردنية الهاشمية يبّشر بالخير ويبعث على التفاؤل.