ما هو قانون قيصر، وهل يحرم السوريين في مناطق النظام حقاً من المساعدات الإنسانية؟
عندما ضرب الزلزال المدمر جنوب تركيا وشمال سوريا يوم الإثنين 6 فبراير/شباط 2023، سارعت العديد من الدول بإرسال المساعدات إلى المناطق المنكوبة، لكن إعلام النظام السوري أكد أن هذه المساعدات لا تجد طريقها إلى دمشق، بسبب الحصار الاقتصادي والعقوبات المطبقة على سوريا، وأبرزها مجموعة العقوبات التي تعرف باسم "قانون قيصر". سارع ناشطون لتفنيد هذه الكذبة، مؤكدين أن قانون قيصر لا يؤثر على المساعدات الإنسانية والإغاثية، فما هو هذا القانون تحديداً، من أصدره ومن يستهدف؟
ما هو قانون قيصر؟
قانون قيصر هو تشريع أمريكي يستهدف الحكومة السورية بالعقوبات، التي تشمل عدداً من رموز النظام المتهمين بجرائم حرب ضد المدنيين السوريين (ومن ضمنهم بشار الأسد)، وقد صدر هذا التشريع عام 2019 بهدف حماية المدنيين في سوريا.
وقد تم التوقيع على قانون قيصر من قبل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ليدخل حيز التنفيذ في 17 يونيو/حزيران 2020.
نسخ سابقة من قانون قيصر
قبل أن يأخذ قانون قيصر شكله النهائي ويدخل حيز التنفيذ عام 2020، كان هناك العديد من المحاولات الأخرى لفرض عقوبات على الأسد ونظامه، منها مشروع مقترح لفرض مناطق حظر طيران فوق سوريا.
وقد تم تمرير قانون قيصر على مجلس النواب الأمريكي للمرة الأولى عام 2017، لكن مجلس الشيوخ لم يصدق عليه آنذاك. وفي العام الذي تلاه حدث العكس، حين مرر مجلس الشيوخ القانون إلا أن "النواب" عارضه، فقد أدرج ضمن حزمة من المشاريع القانونية، من بينها قوانين تستهدف الشركات المقاطعة لإسرائيل.
تم تمرير المشروع ثانية على مجلس الشيوخ لكن السيناتور راند بول قام بتعطيل العمل به؛ مما دفع اللوبي السوري في الولايات المتحدة إلى التحرك، وكان في مقدمتهم المجلس السوري الأمريكي وعدد من المنظمات السورية والأمريكية الداعمة للقانون، فقام هؤلاء بصياغة القانون مجدداً وتمريره إلى الكونغرس بعد أن وجدوا حلاً متمثلاً بربط القانون بميزانية وزارة الدفاع التي صدق عليها الجمهوريون والديمقراطيون، وهكذا تم إقرار قانون قيصر في نهاية المطاف.
القطاعات التي تستهدفها عقوبات قانون قيصر
تم استهداف عدد من الصناعات التي تديرها الحكومة السورية، من ضمنها تلك المتعلقة بالبنية التحتية والصيانة العسكرية وإنتاج الطاقة. يستهدف القانون أيضاً الشركات والأفراد الذين يقدمون التمويل أو المساعدة لرأس النظام السوري بشار الأسد، وضمن ذلك الكيانات الإيرانية والروسية الداعمة للأسد في حربه ضد المدنيين.
كذلك، يفرض التشريع عقوبات جديدة على الكيانات التي تتعامل مع وكالات الحكومة السورية العسكرية والاستخباراتية.
بمعنى آخر، يفرض قانون قيصر حصاراً على نظام الأسد ورموزه من خلال:
فرض عقوبات على الأجانب المتورطين في معاملات مالية مع مؤسسات تابعة للحكومة السورية.
فرض عقوبات على الجهات التي تقدم الدعم العسكري للحكومة السورية.
فرض عقوبات على المرتزقة الذين يحاربون بالنيابة عن الحكومة السورية أو روسيا أو إيران أو أي رمز من رموز النظام الذين طُبقت عليهم العقوبات.
فرض عقوبات على الجهات التي تقدم الدعم المالي أو التقني أو المعلومات للحكومة السورية.
فرض عقوبات على الجهات التي تساعد على توسعة الإنتاج المحلي لسوريا من الغاز والنفط أو مشتقاته.
فرض عقوبات على الجهات التي تقدم الطائرات أو قِطعها أو الخدمات المرتبطة بالطيران لأهداف عسكرية في سورية.
فرض عقوبات على المسؤولين عن جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان ضد المدنيين وضمن ذلك رئيس النظام السوري، ورئيس الوزراء ونائبه، وقادة القوات المسلحة البرية والبحرية والاستخبارات، والمسؤولون في وزارة الداخلية من إدارة الأمن السياسي، والمخابرات والشرطة، فضلاً عن قادة الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، والمسؤولون عن السجون التي يسيطر عليها النظام، ورؤساء الفروع الأمنية.
وعلى الرغم من هذه العقوبات، يهدف قانون قيصر أيضاً إلى تشجيع المفاوضات بين النظام والمعارضة، من خلال السماح لرئيس الولايات المتحدة برفع العقوبات عن الأسد إذا انخرط الطرفان في مفاوضات فعالة تؤدي إلى وقف العنف ضد المدنيين.
وقد أثرت العقوبات تلك بشدة على الاقتصاد السوري، لا سيما قطاعات البناء والتمويل والطاقة.
هل يقيد قانون قيصر حركة المساعدات الإنسانية؟
عكس ما يروجه النظام السوري، لا علاقة لقانون قيصر بحركة المساعدات الإنسانية والإغاثية في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، فمنذ بداية الحرب في سوريا تقوم الأمم المتحدة وعدد كبير من المنظمات الإغاثية الأخرى بإدخال المساعدات الإغاثية للمتضررين من الحرب في مناطق النظام.
ليس هذا فحسب، بل يستفيد النظام السوري إلى أقصى حد، من تلك المساعدات عبر إجراءات مثل التلاعب بسعر الصرف؛ لضمان ملء جيوبه بالعملة الصعبة، إذ يستحوذ على قرابة ثلثي قيمة المساعدات الداخلة إلى سوريا بهذه الطريقة، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة The Guardian.
فضلاً عن ذلك يستحوذ المقربون من النظام، وفي مقدمتهم أسماء الأسد، على الشركات الإغاثية المحلية التي تتعاقد معها هيئات مثل الأمم المتحدة لتنفيذ خدماتها في الداخل السوري.
لماذا حمل قانون قيصر هذا الاسم؟
"قيصر" هو الاسم الحركي العسكري في جهاز الشرطة العسكرية للنظام في العاصمة دمشق، كانت مهمة قيصر قبل الثورة تقتصر على تصوير الحوادث الجنائية المرتبطة بالجيش والمؤسسة العسكرية من جرائم قتل وغيرها، لكن بعد الثورة أسندت إليه مهمة الذهاب إلى المستشفيات العسكرية للنظام لتصوير جثث المعتقلين لدى النظام والذين قضوا تحت التعذيب، وهكذا تمكن قيصر من توثيق هذه الجرائم بالصور وتخزينها، وجمع نحو 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل سوري قضوا تحت التعذيب.
وفي 2013، حدث ما لم يكن بحسبان النظام السوري، فقد انشق قيصر عن المؤسسة العسكرية وبحوزته أدلة لا تترك مكاناً للشك في إجرام النظام.
وفيما بعد بدأ قيصر بتسريب هذه الصور، التي شكلت صدمة للسوريين وفاجعة لأهالي المعتقلين، الذين تمكن كثير منهم من التعرف على جثث أبنائهم.
وفي وقت لاحق، تم عرض هذه الأدلة المصورة في متحف الهولوكوست بالولايات المتحدة وفي الأمم المتحدة .
وبما أن التشريع الأمريكي يستهدف نظام الأسد بسبب جرائم الحرب العديدة التي ارتكبها، فقد اتخذ المشرعون من "قيصر" اسماً رمزياً لهذا القانون.