اسامة زايد يحصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة
حصل الزميل أسامة زايد نائب رئيس تحرير جريدة الجمهورية على درجة الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية بتقدير مرتبة الشرف الأولى من كلية دار العلوم جامعة القاهرة بعنوان الأخرويات بين الحضارة المصرية القديمة والفكر الإسلامي
وتكونت لجنة المناقشة والحكم على الرسالة من السادةالأساتذةأ.د. عبدالراضي محمد عبدالمحسن عميد كلية دار العلوم السابق ورئيس قسم الفلسفة الإسلامية مشرفا وأ.د.طارق سيد توفيق مشرفًا مشاركًا الأستاذ بكلية الآثار - جامعة القاهرة و أ.د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور أستاذ الفلسفة الإسلامية بالكلية وأمين عام مجمع اللغة العربية مناقشًا داخليًّا و أ.د.محمد شحاتة إبراهيم مناقشًا خارجيًّا الأستاذ بكلية أصول الدين جامعة الأزهر.
*
زخرت عقيدة المصريين القدماء عن الحياة الآخرة بالنصوص والصور والأشكال التي تنتشر في الجبانات وعلى جدران المعابد في كافة ربوع مصر، مما يبرهن على عمق وثراء وتنوع الفكر الديني وإيمانهم العميق الذي وصل إلى حد الاعتقاد بوجود إله واحد فرد صمد مسيطر على هذا الكون، وإن كان يشوب بعض النصوص الغموض ويصعب تفسيرها، وهذا يرجع إلى تدخلات رجال الدين "الكهنة" الذين يضفون على العالم الأخروي أسرارًا خاصة بهم للاحتفاظ بمكانتهم داخل المجتمع وتحقيق المكاسب المادية.
عرف المصريون القدماء حقيقة الحياة الدنيا بأنَّها "مرحلة انتقالية وأنَّ الحياة الآخرة هي الحياة الأبدية السرمدية" لذلك سخّروا حياتهم الأولى في فعل الطاعات والخيرات واتباع أوامر الإله الخالق لكى يسعدوا في عالمهم الأخروي، وآمنوا بالبعث والنشور والحساب والجزاء والميزان والصراط والجنة والنار بعد الموت، وبناء على ذلك يري الباحث أنَّ كل ما ورد عن مظاهر إيمان المصري القديم بالحياة الآخرة موافق في كثير من محتوياته لما جاءت به الأديان والرسالات السماوية التي بين أيدينا الآن.
والسؤال الذى يطرح نفسه من أين عرف المصريون القدماء كل هذه التصورات عن عالم الآخرة ؟ ومن أين استقوا مصادرها؟ وهل كانت هذه المصادر آثار ديانات سماوية بائدة؟ أم كانت بقايا ديانات وثنية وضعية؟ مع الأخذ في الاعتبار أنَّ مثل هذه القضايا عن العالم الأخروي ليست مما يدرك بالعقل، أو يخضع لمقاييس المنطق.
وأتصور أنَّ مشكلة البشرية كانت وما زالت هي التعويل على العقل بشكل مفرط وجعله حاكمًا وسيدًا على كل الأشياء الموجودة في الكون حتى وصل الأمر بهم الى جعل الغيب في ميزان العقل
*
قد بيّنت في هذه الدراسة معتقدات المصريين القدماء حول العالم الآخر ومراحل تطورها وتطرقت إلى ماهية الموت وأنواعه واستعدادات المصريين القدماء إلى هذا العالم الذي يتطلب منه تشييد المقبرة وتقديم القرابين وزيارة الموتى بصفة مستمرة وفي المواسم والأعياد وكان الإنفاق علي ذلك من خلال الأوقاف التي يوقفها الميت في حياته الدنيا ويعهد إلى ابنه الأكبر في القيام بهذه التدابير.
وعرف المصري القديم مسألة تلقين الميت والتي تعد فلسفة لاهوتية مصرية خالصة سبقت بها كافة الرسالات السماوية.
وكشفت الدراسة عن مدي علاقة الإنسان بمعبوده وسعيه الدءوب إلى إرضائه من خلال تقديم القرابين وصيانة المعابد وعدم ارتكاب الموبقات بها وكانت الطهارة شرطًا لدخولها وكذلك علاقة الإنسان مع أخيه والمجتمع في ضرورة إقامة العدل" ماعت" للحفاظ علي النظام الكوني واتباع قواعد السلوك القويم.
كما تناولت الدراسة مكونات الإنسان من البا والكا والقرين والظل والاسم وغيرها والتي كانت سببًا رئيسيًا في إعادة البعث للميت في عالمه الأخروي وذلك من خلال محاولاته المستبسلة في حفظ الجثة فتوصل إلى التحنيط الذي برع فيه وميزه عن بقية الشعوب القديمة لضمان عودة الروح إلى جسد الميت.
تطرقت الدراسة إلى القيم والمبادئ الأخلاقية والرقي والنضوج الفكر لدي المصري القديم والتي تناولتها- كتب الآداب والحكم والأمثال- فيما عرف بمسألة محاكمة الموتي والميزان وأنَّ الحياة الدنيا ماهي إلا صراع بين الخير والشر وسوف يأتي يوم للحساب يقتص فيه الإله من الظالم وترد الحقوق إلى أصحابها، مما يبرهن علي عمق الفكر الديني وثرائه وتنوعه وإيمانه الثابت.
وتناولت الدراسة أيضًا نعيم المصري القديم في عالمه الأخروي" الجنة" والتي صورها علي أن بها أنهارًا من خمر وعسل مصفي وليس بها تعب ولا نصب وفيها فواكه من عنب ورمان وبها تزاور الرجل مع زوجته وأهله وأحبائه كما يوجد بها الربات وفيها كل المتع الحسية والجسدية وهذا ما يتفق مع الفكر الإسلامي.
وكشفت الدراسة عن أساليب تنوع عقاب المذنبيين والملعونين سواء بالحرق في بحيرات وحفرات ومراجل النار مفصولي الرأس، أو بتقييد أذرعهم وتركهم في وضع مقلوب، وضرب العنق بالسيوف وما يتبعها من فصل الأعضاء وغيرها وهذه الأساليب العقابية في الحياة الآخرة صورها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في مواضع متعددة.
والحقيقة التي لا يستطيع أحد أن يغفلها من الباحثين أنَّ المصريين القدماء تركوا لنا تراثًا إنسانيًا من الآداب والحكم والأمثال توارثتها الأجيال جيلًا بعد جيل، وكانت نبراسًا تضئ لهم الطريق عبر العصور والأزمان سابقة بذلك كل الأديان والرسالات السماوية ويهدف بها معاني أسمي ومقاصد أنبل تخلد ذكراه وترفع من شأن قومه وفيها سبل الفلاح والنجاح في الحياة الدنيا وتجعله مقبولًا في عالمه الأخروي، وهي أبقي من البروج المشيدة من الحديد والنحاس وأيقن أن كل صروح الحياة عرض زائل.
كما أنَّ التفكير في الموت والأبدية كان حافزًا يدفع الإنسان إلى أن يسلك الصراط السوي في الحياة الدنيا مخافة الله إذ أنَّ الله هو الذي يسعد ويشقي.
وقد توصلت الدراسة إلى النتائج الآتية:
ان إيمان المصري القديم بالحياة الآخرة كان نتيجة لمنبع إلهي وأنَّ التحريف في العقائد يرجع إلى الهوي وظلال النفس وعبث الكهنة في الحفاظ علي مكانتهم ومكاسبهم المالية والمادية، فضلًا عن تدخل الملوك واختلاط الدين بالسياسة في فرض الوصاية علي الأفراد والشعوب في معتقداتهم الدينية.
أغلب معتقدات المصريين القدماء الدينية لم تخرج عما نادت به الرسالات السماوية التي بعثها الله( علي أيدي الأنبياء والرسل.
كان للرسل والأنبياء الذين زاروا مصر، ومن نشأ وترعرع بها أثر بالغ في هداية المصريين القدماء إلى معرفة الله تعالى والكشف عن أسرار الوجود والحكمة من الحياة الدنيا التي هي مقدمة للحياة الآخرة الخالدة السرمدية.
أعتقد المصريون القدماء أن الروح كائن حي مستقل عن جسد الإنسان ويمكنه أن ينضم إليه عند الموت ويقف بجانبه موقف إخلاص.
أنَّ المصريين القدماء أول من راعي السنة التي تحرم جماع النساء في المعابد كما تحرم دخولها دون اغتسال وكذلك عرفوا الختان.
لولا اعتقاد المصريون القدماء بالحياة الآخرة ما وصل إلينا شيء عن الآثار والتماثيل والأهرامات الضخمة التي تحكى لنا تاريخ الحضارة المصرية القديمة فهي في الأصل لم تكن من مظاهر الحياة الدينا وزينتها بل كان هدفها إيماني في عودة الروح إلى الميت.
انتقلت العديد من العادات والتقاليد من مصر القديمة إلى مصر الحديثة مثل الحداد علي الميت بقيام النائحات اللاتي يمزّقن ثيابهن ويقمن بلطم الخدود والصياح على الميت فضلًا عن قيام الرجال بإطلاق لحاهم وشعرهم، وتوزيع الأطعمة والفواكه والمشروبات علي المقابر في الأعياد والمناسبات، ونحر الذبائح وهو ما يعرف في مصرنا الحديثة" بالرحمة" فضلًا عن وضع الأكاليل من الزهور علي المقابر، وحمل الأعلام والموسيقي، وتأبين الميت فيما عرف بالخميس والأربعين والذكري السنوية، ووضع الشواهد علي القبور إلى غير ذلك والتي يتنافى أغلبها مع الشرع الإسلامي.
ظهور العديد من الكتابات التوحيدية الخالصة التي ظهرت في العصر الحجري الحديث والمعارف الروحية والميتافيزقية التي يستحيل أن يتوصل إليها العقل البشري لأنَّه قاصر في معرفة الأمور الغيبية ولا بد من وجود وحي إلهي كما في متون الأهرام وكتاب الموتي وكذلك الكتابات التي تتحدث عن البعث والحساب والميزان والجنة والنار.
فتح الباب أمام الباحثين والدارسين في مجال مقارنة الأديان بتناول جوانب أخري في الحضارة المصرية القديمة ومقارنتها بالعقيدة الإسلامية كالضمير والأخلاق والسلوك الإنساني والأسرة والنظم الاجتماعية والسياسية والثقافية والأدبية والقانونية وغيرها
ضرورة اهتمام الجامعات والمعاهد العليا بتعلم اللغة المصرية القديمة في محاولة جادة لإعادة كتابة تاريخ الحضارة المصرية القديمة بعيدًا عن الكتابات الغربية التي تخضع إلى الماديات
ضرورة توضيح الصورة الحقيقة للحضارة المصرية القديمة من خلال عقد الندوات والأبحاث العلمية في المدارس والجامعات لإزالة اللبس عما أُلصق بها بأنَّ ديانتها كلها وثنية بل كانت على فترات معينة تتنشر فيها عبادة الأوثان وتقديس الحيوانات، مع وجود الموحدين والمؤمنين بالله تعالى