صورة المرأة في رواية جوهرة والبيت الكبير للكاتب الجزائري علي فضيل العربي
قراءة بديعة النعيمي
تُعدّ المرأة عنصرا أساسيا في المجتمع منذ القدم فهي صورة ورمزا للبطولة والتضحية.
وهي في الرواية أيقونة يصعب الاستغناء عنها. وقد أصبحت محورا من المحاور التي استخدمها الأدباء في رسم صورتها للتعبير عن مختلف أفكارهم وتصوراتهم .كما أنها تمثل لهم منطلقا فكريا للبوح عن مختلف همومهم وواقعهم الاجتماعي والاقتصادي وعلى هذا فإن المرأة قد أصبحت بمثابة رمز فني، يحمل العديد من المعاني والدلالات. فحركة المرأة ترتبط بحركة المجتمع من جهة ومن جهة أخرى تمثل دلالة ورمزا ثريا موحيا عن الوطن.
وتكمن مهمة الصورة في الخصوصية التي تنفرد بها عن غيرها. وفي معالجتها لموضوع ما. وكذلك طريقة إيصال الفكرة المراد إيصالها للمتلقي.
وصورة المرأة عند علي فضيل العربي في رواية جوهرة والبيت الكبير لا تعبر عن أزمة عائلة بعينها او بيتا عاديا طارئا إنما هي أزمة وطن قد يتخطى الجزائر والمغرب العربي ليمتد إلى الوطن العربي.وهذا يظهر لنا في آخر أحداث الرواية حينما أزال الأبناء والأحفاد من آل الهواري الجدران التي قسمت البيت الكبير والأبواب التي فرقتهم. وكأن علي فضيل العربي يزيل حدود سايكس بيكو ويعيد الوطن العربي كبيرا مثلما كان لا تفصله حدود ولا جوازات أو تأشيرات مستحدثة،فرقت الأجساد والقلوب.
ففي صفحة 262 ما ورد على لسان معمر أحد اولاد جوهرة بنت حمداد بطلة الرواية( هدمنا الجدران،جدارا،جدارا). وقد كان هذا بفضل جوهرة بنت حمداد التي ما فتئت تذكر الأبناء والأحفاد بالمحافظة على إرث الأجداد والحفاظ على وحدة البيت الكبير وإزالة الجدران والأبواب. وبهذا فإن صورة المرأة عند علي فضيل تتحرك في إطار وطني يعطيها القدرة على مواصلة رحلتها وسط عائلة ادعى أفرادها المدنية،فقسموا إرث الأجداد وتفرقت القلوب وتناحر الأبناء لكنها تنجح في النهاية بحكمتها وحنكتها في إعادة البيت كما كان ولم الشمل كما سابق عهده.
والمتلقي لجوهرة والبيت الكبير يستطيع التقاط الصور المتعددة التي عالجها الكاتب من خلال تصوره وعاداته وتقاليده التي تربى عليها. فنجد صورة المرأة المناضلة التي تكافح من أجل الوطن متمثلة بجوهرة بنت حمداد وحالها بعد استشهاد زوجها خالد الهواري. ومما جاء على لسان ابنها معمر صفحة 43 ( أقسمت ألا ترفع الراية البيضاء ،فهي تعلم أن الاستسلام من طبع الضعفاء والجبناء...رغم كل المحن صمدت صمود الأبطال في معركة التحرير. مازالت قصتها مع جنود الاحتلال الفرنسي والحركي ،تثير آيات الإعجاب ...لم تكن تخشى الموت أو العذاب....كانت تطحن،تبيت الليل وهي تدير الرحى ،تخبز،تحضر الأكل للثوار،وتحمله لهم) وفي نفس الصفحة ( كانت تحمل السلاح والذخيرة للمجاهدين).
كما ظهرت صورة المرأة الواعية سياسيا من خلال شخصية جوهرة بنت حمداد في أكثر من حدث من أحداث الرواية من خلال إدراكها لأهمية القتال من أجل الحرية التي لن نحصل عليها مالم يتحرر الوطن ففي صفحة 44 على لسان معمر ( لقد كانت الثورة في حاجة ماسة لكل فلس أو درهم. وكانت أمي تردد وهي تلفنا في ذلك القماش الأصفر الرث كما روت: عندما نشرب ماء الاستقلال وننال الحرية ستلبسون الثياب الجديدة يا أبنائي).
كما تمثلت صورة الوعي السياسي من خلال ما ورد على لسان الجدة ياقوت صفحة 59( فرنسا غدارة يا أولادي. لم ترحم أسلافكم ،ملأت سفنها بهم ورمت بهم في البحر الخالي. ذنبهم الوحيد ،أنهم ثاروا ضدها وعلى ظلمها).
كما تظهر لنا صورة الأم جلية واضحة في رواية جوهرة والبيت الكبير فقد كانت هي الصورة المركزية المضيئة في أركان البيت الكبير متمثلة في جوهرة التي ظلت تمنح الطاقة للأبناء والأحفاد. فمما جاء على لسانها صفحة 53 وهي تحثهم على الاتحاد ( آه،لو تلعنون الشيطان وأراكم يدا واحدة). والأم هي العطاء ففي صفحة 9 عن جوهرة على لسان معمر( عاشت أمي جوهرة بنت حمداد لنا،نحن الأخوة الخمسة). وفي صفحة 6 على لسان معمر أيضا( كنا الأرض العطشى وكانت أمي مزنا تمطر علينا بسخاء لا مثيل له).
وفي صفحة 88 يتضح دور الأم الحازمة التي تحمي أولادها من أنفسهم.فعن جوهرة على لسان معمر( كانت امراة صموتا لا تحب لغو الكلام ،كلامها ما قل ودل وكأنه فرض كفاية.لكنها عندما تشرق في سمائها ملاحم الأجداد الكرام أو ينحرف الأبناء والأحفاد....فإن الكلام لحظتها يصبح فرض عين لديها. لا أحد يجرؤ على إخماده).
كما ظهرت صفحة 4 عن جوهرة على لسان معمر صورة الأم القوية الصلبة المربية والموجهة للأبناء والأحفاد ( كانت أمي تختم حديث الأمجاد والبطولات قائلة بحسرة : النار تلد الرماد يا أولادي ،اشربوا نبع الجدود ترتووا) وفي صفحة 5 على لسان جوهرة لأولادها( ربّوا أولادكم على الوفاء والأمانة).
كما ظهرت لنا في رواية جوهرة والبيت الكبير صورة المرأة المقهورة ويمثل هذا النمط واقع المرأة المتأزم الذي ينظر إليها نظرة مادية فقط،يفقدها حريتها الإنسانية مجرد ملكية ،قيمتها في الانصياع لرغبات الأهل ونجد هذه الصورة في شخصية فاطمة الزهراء عمة معمر حيث زوجها أبوها من ابن عمها دون علمها ففي صفحة 11 عنها ما جاء على لسان معمر( كانت عمتي فاطمة الزهراء امراة طيبة. تزوجها ابن عمها......وهي ما زالت في سن الرعي. يومها رجع جدي من سوق الاثنين وأخبر جدتيطيب الله ثراها بموعد زواجها) وهنا يظهر عدم استشارة البنت بالموافقة على الزواج بل عوضا عن ذلك يزوجها الأب في السوق ويحدد مهرها وموعد زواجها. وفي صفحة 112 يذكر معمر قصة طلاق عمته فاطمة الزهراء ( هي كلمة واحدة يقولها فقط، أنت طالق بالثلاث. تضع الزوجة حايكها وعجارها وتتأبط رزمتها وتعود إلى بيت أهلها).
كما يستطيع المتلقي التقاط صورة أخرى من صور علي فضيل العربي للمرأة وهي صورة المرأة المظلومة ومنها ما جاء على لسان معمر عما جرى لجارتهم حليمة ليلة دخلتها صفحة 166( شاع سرّ عدم عذريتها بين الرجال...قتلها أخوها البكر بإيعاز من والدها...وحليمة التي لم تتجاوز مرحلة الرعي بقليل،مستسلمة لقدرها المحتوم وهي لم تعرف معنى الحرام ولم تقربه).
ونجد أيضاً صورة المرأة النرجسية تلك التي تتعالى على زوجها وتعامله كأداة لتحقيق ما تريد من مصالح وتتمثل في رواية جوهرة والبيت الكبير في شخصية زوجة محمود الهواري الذي سافر إلى فرنسا وتزوج قشتالية بعد أن أنقذها من محاولة انتحار،طلبت منه الزواج وعندما أنجبت منه البنين تخلت عنه فعاد إلى بلاده خالي الوفاض. ففي صفحة 16 ما جاء عن زوجة محمود على لسان معمر ( ولم يكن يقوى على رد الصاع ولو بمثله ،أدرك أنها امرأة عنيدة كقومها ناكرة للفضل مثلهم).
كما كانت صورة المرأة الحكيمة تتجلى كالبدر في رواية جوهرة والبيت الكبير في شخصيتي الياقوت وجوهرة وقد استاطعت كلتاهما الحفاظ على إرث الأجداد من الضياع ففي صفحة 181مما جاء عن الجدة الياقوت على لسان معمر( لم تدخل مدرسة أو جامعة. فقد أخذت دروسها وحكمتها من كلية الحياة). وعلى لسان جوهرة لولدها معمر صفحة 79( أمك يا عالم الدين علمتها مدرسة الحياة دروسا ربما ام تعلمكم أياخا مدارس الحكومة).
كما ظهرت لنا صور كثيرة للمرأة تمثلت في شخصية جوهرة كصورة ربة البيت الناجحة التي تطعم بيتها مما تربي وتزرع.
وصورة المرأة التي تقف جنبا إلى جنب مع زوجها في أعماله اليومية والكثير من الصور التي تحمل معاني حضور المرأة الإنساني وتفردها الأنثوي.وقد قامت بنية الرواية على هذا الحضور.
وقد الكاتب نجح في تناول موضوع المرأة في أبعادها المختلفة ،النفسية والاجتماعية والفكرية بطرق فنية تتباين وطبيعة الموقف.
كما تناول الكاتب الكثير من الإسقاطات المهمة التي يحتاج كل منها إلى دراسة مطولة.مثل تناوله لطقوس مهمة شملت طقوس الزواج وزيارة مقامات الصالحين ومواسم فرط الزيتون وعصره وغيرها الكثير من الطقوس الأصيلة التي تعتبر من الموروثات المهمة لدى الأمم. كما وأتى على ذكر الكثير من الأحداث التاريخية المهمة في فترات عدة من تاريخ لا يقتصر على تاريخ الجزائر فقط بل تعداه إلى عدد من البلدان العربية ما يدل على سعة ثقافة الكاتب واطلاعه وإيمانه ببلاد العرب أوطاني وإثبات عبارة كلنا في الهمّ عرب.