banner
مقالات مختارة
banner

الفن وتهذيب السلوك والاخلاق بقلم/ سارة السهيل

{clean_title}
جهينة نيوز -

ارتبط الانسان منذ بدء الخليقة بالفنون الطبيعية وتفاعل مع زقزقة العصفور وتغريد البلابل وصوت خرير الماء وصهيل الخيل ، والابداعات الربانية في خلق السماء الصافية والجبال بالوانها المختلفة والحدائق الغناء بمختلف الوان الزهور والورود كلوحة فنية بديعة خلقها الرب العظيم ، ليعلم الانسان فنون التذوق للجمال ، فالله جميل يحب الجمال .
وسرعان ما تشرب الانسان هذا الذوق ، وأخذ من عود يابس الناي  يبث من خلاله شجونه ويحقق له الراحة النفسية والانسجام الاجتماعي مع بيئته ، وسرعان ما صنع من جلود الماعز التارة والدف والرق ليدق عليها بالايقاعات الموسيقية المختلفة معبرا عن فرحه بمناسبة اجتماعية للتطور لاحقا لصنع الآلات الموسيقية الترية وغيرها.
ولماكانت الطبيعة حبلى بالجمال الرباني فانها قد غزت قلب الانسان ببهائها وسحرها فراح  ينشدها شعرا في محاكاة لهذه الطبيعة البديعة  والتي أيضا ابدع في رسم اللوحات المعبرة عنها داخل الكهوف ، ومع  تطور البشرية في مراحل زمنية متعددة تطورت الفنون المعبرة عن الانسان في تفاعلها مع البيئة والمجتمع الحاضن  من سينما ومسرح ودراما .
هذا يعني الانسان والفن متلازمان ، تلازما جعل كل واحد منهما يؤثر في الاخر ،  لكن الانسان هو الاكثر استفادة بما تحققه الفنون من اشباعات روحية ووجدانية تطهر النفوس من الطاقات السلبية والانفعالات الحارقة ومن السلوك العدواني .
وباتت الحاجة للفنون في زمن تكنولوجيا السماوات المفتوحة اكثر الحاحا وضرورة صحية ونفسية واجتماعية ، ففي زماننا تتلاحق الاحداث وتتسارع بشكل يفوق قدراتنا على الاستيعاب مما سبب لنا القلق و التوتر وفقدان التوازن العصبي ، ناهيك عن الاغراق في المادية وتراجع اشباع الاحتياجات الروحية اللازمة للتطهير والتوازان النفسي.
واصبح الفن مساهماً وصانعاً لثقافة الناس، ومسهما في تشكيل توجهاتهم الفكرية في مختلف مجالات الحياة ، حتى صار الفن عنصرا رئيسيا في بناء شخصية الفرد واكتساب انماط  سلوكية  عبر تفاعله مع مجمل هذه الفنون .
و أثبت العلم الحديث ، أن الجنين في بطن أمه يتأثر إما بصورة إيجابية أو سلبية .. وفقاً لما يستمع إليه من الأنواع الموسيقية  و ينعكس على سلوكه وأسلوب حركته في بطن امه بفعل تأثره بهذه الموسيقى . 
تتمثل قدسية الفن في انها تمنح الانسان الحرية في التعبير فيشعر بقيمة الاستقلال والقدرة على الابتكار والابداع . والممتع في الفنون انها تمثل لغة تفهمها كل الشعوب على اختلاف أعراقها وجنسيتها ولغاتها المنطوقة، فالفنون تعبير انساني مجرد ينتقل صداه متجاوزا اي عوائق مادية ، وكما يقول جبران خليل جبران , واصفا الموسيقى بانها لغة لا تؤمن بالعراقيل و الحواجز  فأنت لا تفهم أنجليزيا مثلا إذا كنت لا تتقن لغته لكنك بالمقابل تشعر بأفراحه و أتراحه وتتعاطف معه إذا عبر عنها باللحن و الكلمة
الموسيقي
وهي لغة تعبر عن الانفعالات والعواطف والمشاعر، تغذي النفس والروح وتجدد نشاطهما وتبعث فيهما الراحة و الطمأنينة بل ان للالحان الموسيقية مفعول السحرفي الارتقاء بالذوق و صقل الطبع ومن ثم تهذيب السلوك و الأخلاق ، ونظرا لاهمية الموسيقي في حياة الانسان ، وجدنا  اليونانيين القدامى يرتفعون بها إلى مرتبة القداسة .
الغناء
فن انساني عالمي فردي وجماعي ، يهدهد مشاعرنا ويمتص ثوراتنا النفسية الداخلية ويهدئ من روعنا ، وسبح بنا في سموات الامل والفرح والبهجة او حتى الشجن فخرجنا من قوقعة الذات الى شاطئ الراحة النفسية عندما يبدع المطرب في التعبير بالكلمات عن مشاعره ويتوحد معها .
الشّعر
وكذلك يرتبط بالموسيقى بما يتضمنه من اوزان وقافيات وايقاعات موسيقية تشفي الصدور الحزينة والقلوب المكلومة من عذابات الحياة اليومية ، وهو تعبير عن الذات والمجتمع معا في افراحه وأرتاحه ، ساعيا دائما الى الفيض برسائل معبره عن قيم الحب والجمال والعدل والفضيلة. فالشعر واحة ستظل بظلها اصحاب القلوب المرهفة و الباحثة عن المدينة الفاضلة  
السينما والمسرح والدراما
وكلهم يقدمون فن الفرجة ، وتجسيد الواقع الانساني برؤية بصرية تتضمن العديد من الادوات الفنية من موسيقى ورقص وحركة وديالوج وافكار واحلام وقضايا انسانية تعلمنا كيف نفكر في مشكلاتنا وكيف نتعايش مع واقعنا ،ونعمل على ابتكار حلول لأزماتنا الشخصية او المجتمعية .
تشكيل الوعي  
لاشك ان الفنون بقدر ما تحقق لنا متعا روحية ونفسية  وتسهم في تهذيب سلوكنا ، فانها تقوم بدور كبير في في تشكيل الوعي بقضايانا ، وتدفعنا الى تغيير واقعنا الاجتماعي الى الافضل ، وهناك العديد من الاعمال الفنية السينمائية والدرامية التي غيرت افكارا اجتماعية  واوضاع قانونية وسياسية  لصالح الفرد والمجتمع ، ومنها علي سبيل المثال ـ لا الحصر ، مثل فيلم " جعلونى مجرماً " 1954  بطولة فريد شوقي ، وكان سبباً فى صدور قانون ينص على شطب السابقة الاولى من صحيفة الاحوال الجنائية للجانى ويمنح اصحاب السوابق الاولى فرصة جادة للتوبة.
كذلك فيلم "أريد حلاً " الذي لعبت بطولته سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة ، وساهم في تغيير قانون الاحوال الشخصية وانجاز سن قانون الخلع ، وكذلك فيلم  " جميلة ابوحريد "  الذى حرك العالم ضد ظلم الاحتلال الفرنسى بحق الشعب الجزائري، وأسهم  تحرير الجزائر. و فيلم " انا حرة " الذي حرك المياةالراكدة في المطالبة بحق المرأة فى التعليم والعمل والمشاركة السياسية
وهناك العديد من المسلسلات الدرامية التي سعت الى معالجة المشكلات الاجتماعية والاسرية في عالمنا العربي وغرس قيم المحافظة علي الترابط الاسري والاجتماعي.
العلاج بالفن
وهو من المجالات المهنية والأكاديمية حديثة العهد ، ويقوم على تطويع الأنشطة الفنية التشكيلية ، وتوظيفها بأسلوب منظم ومخطط ، لتحقيق أغراض تشخيصية وعلاجية تنموية نفسية ، عن طريق استخدام الوسائط والمواد الفنية الممكنة في أنشطة فردية أو جماعية .
يوظف هذا النوع من العلاج التعبير الفني والرسوم في استعادة التوازن الانفعالي والتوافق الشخصي والاجتماعي للفرد والحفاظ على صحته النفسية ، كأحد طرق العلاج النفسي ومن ثم ضبط وتعديل السلوك الاجتماعي .
فالعلاج بالفن يعمل علىمساعدة المرضى على اعادة بناء سبل تنظيم حياتهم ، وتحريكهم من حالات الشعور بالاغتراب ، والتعاطف ‘ والرغبة في التعلم والنمو ، والإعجاب بالحياة والإقبال عليها ، والإحساس بالتوازن والسلام الداخلي .
وتناولت نومبيرج العلاج بالفن على أنة يعتمد في طرقة وأساليبه على السماح للمواد اللاشعورية بالتعبير التلقائي من خلال الوسائط والمواد الفنية . كما يقوم على تطوير العلاقة الوثيقة بين العميل والمعالج وجهدها المتواصل ورغبتها المشتركة ، وتشجيع عملية التداعي الحر بغية استخلاص البيانات والتحليلات والتفسيرات من خلال التصميمات والرموز الناتجة، والتي تمثل شكلاً من أشكال التواصل أو الكلام الرمزي بين العميل والمعالج. كما عددت المميزات المختلفة لاستخدام الرسم والتصوير والتشكيل بالصلصال في العلاج النفسي التحليلي في عدة أمور لعل من أهمها أن هذه الاستخدامات تسمح بالتعبير المباشر عن الأحلام والخيالات وبترجمة الخبرات والمشاعر. بإمكانها الهروب من الرقابة بيسر وسهولة أكثر من التعبير اللفظي عنها .
و تذكر (مرجريت نومبيرج) وهي من أوائل الرواد في مجال العلاج بالفن ، أن المريض 
يتخلص تدريجياً من اعتماده على المعالج ويستبدلها بفنه الخاص وتندرج فئة الأطفال المعاقين عقلياً ضمن فئات التربية الخاصة، والتي يُصمم لها برامج تناسب الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة على حسب احتياجاتهم وقدراتهم، والتي تكون مختلفة بالنسبة لنوع الإعاقة وشدتها. ولقد اتضح أن الأنشطة الفنية تمكن صاحب الاعاقة أن يقوم بأعمال فنية تُجاري إخوانه الأسوياء، ويستمتعون بقدرتهم على الإنتاج والعمل الفني، مما يقلل من شعورهم بالقصور والدونية ويُنمّي مشاعر الثقة بالنفس لديهم.
علاج العنف بالفن
لاشك ان العنف الذي بات ظاهرة مفزعة في المجتمع الانساني سواء بين اطفال المدارس او حتى الكبار  والذي تطور الي ارتكاب جرائم القتل اليومية في كل بلاد العالم ، يحتاج منا سرعة تفعيل نشر الفنون في حياتنا اليومية ، وتفعيل دور التربية الفنية فى المدرسة وانشطتها المختلفة بالمدراس والجامعات والنوادي وايضا في المنازل  .
فغياب ممارسة الفنون فى المدارس  تسبب في استفحال ظاهرة العنف ويخرج عقولا تفتقد القدرة على الابداع والتفكير الابتكارى وتعتمد فقط على الحفظ والتلقين. وعلميا فان  النصف الأيمن من المخ هو المسئول عن الابداع ينمو من خلال ممارسة الفنون المختلفة .
لذلك أدعو الي تنشيط  دور الفن فى المدرسة وتفعيل حصص التربية الفنية والموسيقى والأنشطة المختلفة مثل الشعر، المسرح والكشافة والمسابقات الفنية المختلفة التى كانت تقام فى المدارس لتعديل السلوك الاجتماعي وضبط ايقاعع الحياة في سلام ومودة
التوصيات
وادعو الى ضرورة التوسع في الانشطة الفنية بروضات الاطفال والمدراس والجامعات لعلاج الانحرفات السلوكية  كالرسم،  والنحت، والأشغال الفنية، التشکيل المجسم  والقصص الموسيقية والشعر والمسرح.
وقد ثبت طبيا ان هذه الفنون تسهم في اتاحة الفرص للفرد للتعبير عن نفسه ، وانها من اهم الوسائل في التنفيس عن المشاعر والاحاسيس التي يعاني منها الطالب ، وعندما يمارس احدى هذه الفنون فانه يتحرر من التوترات، والصراعات، والإحباطات،وتکسبه ثقة في نفسه وقدرة على التواصل مع الاخرين .
في هذا الصدد فانني أوصي بالتوسع في انشاء المسارح وتوفير الالات الموسيقية بالمدارس ، وتخصيص نصف يوم دراسي لاحياء الشعر والقصص وتحفيز الطلاب على الابداع الشعري والقصصي وعمل مسابقات فيما بينهم .
زيادة إستخدام الأنشطة الموسيقة لتسريع الإبداع عند الأطفال من خلال الأناشيد والارتجال في الغناء والدراما ، وتوظيف استخدام الموسيقى لعلاج مشاكل تعلم القراءة باستخدام التعليم الايقاعي والألعاب الموسيقية.
وتقتضي الضرورة ايضا تفعيل الأنشطة الفنية التشكيلية برياض الاطفال المدراس والجامعات
لمكافحة السلوک العدواني .
و عقد دورات تدريبية وتأهيلية للمعلمين في التعامل مع الطالب العدواني والخفض والحد من عدوانيته باستخدام الأنشطة الفنية.
وأيضا عقد ندوات ومحاضرات عامة للأمهات والمعلمات عن السلوک العدواني وکيفية خفضه عن طريق استخدام الأنشطة الفنية المتنوعة.
توظيف المسرح التعليمى كأحد أسلوب من أساليب تعديل السلوك المسـتخدم في علاج الاضطرابات السلوكية ، و استخدام المسرح أيضا في العملية التربوية كأحد اساليب التعليم والتعلم والارشاد النفسي .
فالطفل  والانسان يتعلم كثيرا عبر نظرية المحاكاة او التقليد ، وكل القيم الانسانية والسلوك السوي يمكن ان نبثه عبر شخوص مسرحية يمثلها الطفل او المراهق ويتشبع بها فتؤثر في سلوكه ، وتؤدي المحاكاة إلى اكتساب سلوكيات جديدة أو تعديل سلوكيات قديمـة
عمل برامج توعية واعلامية متنوعة  للمجتمع لبيان اهمية العلاج بالفن في تقليص الاضطربات السلوكية والنفسية للطفل والمراهق، والتنفيس عن الرغبات المكبوتة داخلهم الفرد ، و في علاج حالات الاكتئاب والإدمان والفوبيا.
 
سارة طالب السهيل 

تابعو جهينة نيوز على google news
 
Email : info [at] johinanews.com
 
تصميم و تطوير