banner
مقالات مختارة
banner

سلامة يكتب: الـ (شيخ) والبحر .. الصياد والفريسة

جهينة نيوز -
ماذا لو كان الخليفة الرجوب أو مانديلا الفلسطيني أو العالول أو الوزير؟

أكتب هذا الموضوع المغرق في الحساسية: من هو المستخلف الفلسطيني بعد الختيار، أطال الله في عمره!؟ وأدعو الله أن يمد في عمر أبو مازن، لأنه مدرسة من يخالفها يحترم صانعها ومن يوافقها يريد لها التقدم والنجاح.

على الصعيد الشخصي، فإنني لست من المؤيدين لها ولا المعارضين، فأنا مواطن أردني التزم بسياسة الدولة التي أنتمي إليها، وأحتفظ إنسانيا بمشاعري العربية الصادقة التي تقول بأمنية كل عربي محترم: متى نتخلص من كابوس (يهود)؟ هذا المخرز الذي سلخ المشرق عن المغرب العربيين من دون مبرر أخلاقي.

أبدا بمحاذير ثلاثة قبل أن أضع تصوري (الحدسي) لمن هو القادم بعد أبو مازن.

أولا:
إنني أدعو ربي سبحانه أن يمد في أمد الرئيس أبو مازن، فقد أدى هذا الختيار الذي تعثر في قيادة المشروع الوطني الفلسطيني بجلباب فلسطين الواسع عليه دورا كان الفلسطيني بحاجة إليه، مفاده درؤ تهمة (الإرهابي) في الأوساط الأوروبية والأمريكية عن هذا الفلسطيني النبيل، الذي حمل حلمه دما يوميا لم يتوقف ليثبت للعالم أن فلسطين وطنه وستبقى كذلك، وغزوة (يهود) تبقى عابرة عارضة قصيرة فاشلة.

لقد كان الفلسطيني بحاجة لروح أبو مازن (اللاجئ الصفدي) الذي ولد هناك وعرف معنى الفقدان لــ (هناك).

ثانيا:
إن الأردنيين حكما ومصلحة وطنية وضريبة دم دفعت وتداخل فيها الدمع بالدم لا بد أن يكون لنا رأي في الذي يجري وأن يكون لنا موقف ليس بمعنى التدخل، بل من واجب الدخول إلى مسؤولياتنا الوطنية والقومية وما هو في مصلحة فلسطين. والحياد في الموضوع الفلسطيني ليس مقبولا أردنيا قط.

وحين أستمع لبعض هواة الأفكار التي تخرج علينا بين الحين والآخر تطالب الدولة عدم التورط والحياد، أتذكر الأصوات غربي النهر التي تطالب بتجنب التدخل الأردني، أي ذات وجهة النظر التي تقود بالسلطة الفلسطينية إلى الحضن اليهودي الماكر المحتل. كلا الرأيين من منبع واحد، إنهما هواة سياسة ويتدربون على الحبو فيها حبوا.

ثالثا:
إن وجهة نظري هذه لا تحتمل أي إيحاء أو وجهة نظر رسمية أو تشاورية مع أحد. أنا أتحمل وزرها شخصيا ومسووليتها كاملة. ودافعي أن ينصت عاقل من هناك إليها، فيتقي الله في أهل فلسطين. إن دافعي للكتابة في هادا الموضوع (المنزلق) هو محاولة والدعوة إلى تجنب حمام دم لا سمح الله لا تحمد عقباه لو انفلتت الأحوال وتم الاحتكام للسلاح.

في مرة غضب اليمنيون في الجنوب من بعضهم بعضا، وهم أشقاء يطيب الحب معهم، فأغلقوا على أنفسهم أبواب عدن (البيض وعبد الفتاح اسماعيل) أسبوعا كاملا واحتكموا للسلاح، كانت المجزرة قد انكشفت عن آلاف القتلى والجرحى.

ثمة مازق تاريخي في استخلاف أبو مازن الفلسطيني. ذلك أن سطوة (يهود) ترى وبسبب جنون الغطرسة أن الفلسطينيين يقبلون بأي حاكم، ولذا هم يدفعون باتجاه حليف قوي لهم دون أن يأخذوا بأصوات لعلعة الرصاص في أزقة المخيمات وحواري نابلس وجنين. وهذا وهم يهودي سيقود فلسطين إلى حمام أو نهر من دماء، لأن الفلسطيني أقوى وأكثر تصميما على رفض الإملاء اليهودي.

أخطأ الأمريكان سنة ٢٠٠٦ حين فرضوا على أبو مازن إجراء انتخابات أفضت إلى خلع الضلع (الجنوبي/غزة) عن الكيان المفترض. وسيخطئ الأمريكان و(يهود) مرة أخرى لو ظنوا أنهم بقادرين فرض (الخليفة) على الفلسطينيين.

فما الحل إذا؟!

القيادي الخلافي أبو رامي (جبريل الرجوب) – وأبو رامي واجبة لأن تقاليد فتح تحب الأبوات – ألقى خطاب التأبين وخطاب التكفين لترشح حسين الشيخ خليفة لـ (أبو مازن).

وليس مهما ما نقّره جبريل الرجوب على الأردن في ذلك الخطاب وعلى الوحدة غربي النهر وشرقيه، هذا موضوع يقع خارج ما أنا بصدده الآن، وربما أن أعود لمباحثة الأخ أبو رامي به عبر أثير (عمون) لاحقا.

لكن خطاب الرجوب في ذكرى استشهاد أبو إياد وتجاهله لذكر أبو مازن والقفز عن دوره حين غاص في دور الأبوات (أبو عمار وأبو جهاد وأبو إياد)، كان قد دشن قول (اللا) الفلسطينية لإملاء رئيس بالبرشوت. وفي نفس الوقت فإن الخطاب ذاته قد أخرج الرجوب من مضمار المنافسة على موقع الخليفة، وحصر دوره الحركي في التحريض على إعادة إحياء روح فتح وأن الرجوب سيظل لاعبا رئيسا في الحركة وقيادة النضال الفلسطيني.

لقد كرس خطاب الرجوب صاحبه قياديا تحريضيا يستطيع أن يوازن ويقدر التوسط بين المتناحرين. لقد ورث أبو رامي دور أبو إياد وروحه في خطاب رام الله، وخرج من مضمار المنافسة وسيظل لاعبا ماهرا يمسك الريح بيد وثقله المعنوي بيد ولن يتمكن أحد قادم إلى الكرسي الرئاسي تجاوز دور الرجوب فلسطينيا وعربيا ويهوديا ودوليا.

إذا.. من هو القادم؟

حسين الشيخ رغم كل ما يوصم به من عيوب، فإنه استطاع أن يقفز بمهارة وبتشجيع قوى دولية وإقليمية وليس من بينها الأردن (لأن الأردن في عز دين تدخل العرب في المنظمة أبى على نفسه أن يفعل ذلك، فما بالك الآن!).

لكن حسين الشيخ أصبح رقما ومنصة وتعبير لسياسة فلسطينية ربما تجد من يقبل بها. لكن حسين الشيخ سيفتت حركة فتح لو قادها وستحل فوضى عارمة، وقد تدع مثل تلك التشققات الفتحاوية دربا سهلا لاجتياح مفاجئ وصاعق من حماس، وتلك مأساة قد تفضي بفلسطين إلى مجزرة دامية نسأل الله ألا تحدث.

ليس لعيب في حسين الشيخ، لكن أزعم أن الاستعجال والتسريع في ترشيحه (وحمّام عرسه المبكر) قد أودى بفرصته قبل أن تبدأ. كذلك فإن التاريخ المدون لفتح لم يسجل له مأثرة يعتد بها، وهو في الجغرافيا يتحدر من موقع سياحي وليس مكانا سياديا (وين ع رام الله)؟! إذ لم يكن دورها في تاريخ النضال الفلسطيني مثيرا للشهوة مثل القدس والخليل وجنين ونابلس. رام الله عاصمة، ذلك على الرأس والعين وأهلها من خيرة أبناء فلسطين، لكن ثمة منصات أولى منها في الزعامة. لقد خذلت الجغرافيا والديموغرافيا حسين الشيخ، وبصعوبة قاهرة لو تسلم زمام الكرسي ستسحل من تحته مبكرا، ذلك تصور وليس قدرا لا يرد.

أمّا مروان البرغوثي، الذي وسم أنه مانديلا الفلسطيني، فسلطة (يهود) لا يحتملون رؤيته على السرج الفلسطيني الآن، لأنهم في ظني يعلقون عليه بشرعيته الواسعة إجراء المصالحة التاريخية بين فلسطين و(يهود). وقيادة (يهود) في هذه المرحلة ليسوا مؤهلين لأي حل منصف ولا أقول عادلا، ولذا فإنهم بضراوة سيقاومون مقدمه الآن. وهم يمسكون بأهم ورقة تحول بينه وبين حلمه: أنه مسجون لديهم.

ومروان زعيم قادر ومتمكن أن يتصدى لحمل الإرث (العرفاتي - العباسي) وبكل جدارة. فهو ابن إحدى أهم ثلاث عشائر فلسطينية في الضفة الغربية (عمرو، وجرار، والبرغوثي)، وكذلك يقف على فوهة البندقية في عسكرة الانتفاضة الثانية، وهو كذلك ابن التسويات السياسية، وهو ابن (فتح) وما هتف لغيرها. أي أنه جاء من عمق التجربة الفتحاوية ومروان لديه مقومات الزعامة خطيبا ومتحمسا وصادقا ومقاتلا، لكن أوانه لم ينضج بعد وكأنه يحتاج إلى فترة انتقالية وليس بالضرورة أن تكون انتقالية. وورقة أخرى في يده أن حماس لا تستطيع أن تزاود عليه، فهو المقاتل المناضل العنيد العنيف الذي تصدى لقوى المهادنة داخل فتح وما حولها.

"نابلس يا جبل النار".. ثمة عائلات في نابلس صعد دورها في وقت لاحق وتصدت للواجهة إما بقوة المال أو بسطوة التأثير الأردني الكاسح عبر الوحدة. لكن لنابلس دوما بخورها وصباناتها وزعامتها الناعمة التي ظلت على المدى تكافح عن دورها الزعاماتي والوطني، ومن هذه العائلات عائلة العالول. أول الصبانات التي علّمت فلسطين كلها كانت لهم أو من أوائل الصبانات، وسمعتهم في فترة الانتداب البريطاني لم تهتز بسبب وشائج العلاقة مع الانتداب البريطاني غير الإنساني الذي أودى قاصدا بفلسطين. كانوا بعيدين عن دوائر الإنجليز التي جعلت من بعض الصبانات (حاضنة لفصيل السلام المسلح الذي لاحق الثوار). لقد تغير وجه بعض الصبانات لتهتم بمادة (القلي) الحارقة وأضحت لا تنتج سواها، لكن صبانة العالول ظلت فلسطينية ونظيفة وتنتج الشهد الوطني. ولم يناهض آل العالول الوحدة الأردنية الفلسطينية قط ولم يتآمروا عليها وظلوا يرتلون عبادتهم لفلسطين بخشوع مثل نهايات صلاة.

وفي قلب القلب من هذا الجو المفعم بالنضال نشأ وترعرع وناضل محمود العالول (أبو جهاد). هناك مصلحة فلسطينية تاريخية في وحدة فتح وأن تنهض من جديد. ولا يضير (يهود) عدوا قويا قادرا والمصلحة الإقليمية كلها تحتاج فتح وأن تظل حماس فصيلا تابعا لها، وما المبالغة في دور حماس بالنضال والكفاح إلا بسبب أن فتح قد فقدت بريقها لأن فتح هي من علّمت كل فلسطين وكل يهودي معنى أن تُقتل دلال المغربي مرتين بسبب حقد وصدمة وهزيمة إيهود براك (أبو لواء غولاني ما غيره).

ومحمود العالول في قلب القلب من نضال القطاع الغربي الذي جعل منه أبو جهاد الأول قلعة كفاحية رهيبة أوصلت اليهودية العالمية إلى قتله بعشرات الرصاص.

محمود العالول أبو جهاد هو أبو جهاد المثنى بعد أبو جهاد الأول، فهل له فرصة أن يكمل مهمته ويجعل على يديه فلسطين دولة مستقلة وحرة؟

وأزعم أيضا أن كلا من محمود العالول وجهاد خليل الوزير أكفياء ويحق لهما تبوء المواقع القيادية الفلسطينية الأولى.

فماذا عن جهاد خليل الوزير؟ صانع مشروع النقد الفلسطيني والمتذمر مبكرا من فتنة الفساد المالي التي أضحت وصما يتهم به بعض رجالات السلطة! وهو جهاد خليل الوزير، بكر خليل وانتصار في آن واحد، وهو السياسي المُغيب الذي اختار ركنا قصيا في البنك الدولي ليتنفس أكبر كمية من الهواء الدولي ليتوازن مع أصداء الرصاص في تكوينه النفسي.

أبو خليل (جهاد خليل الوزير) وارث قصة كفاح وقصة سياسة، ومن حق فلسطين أن تتذكره وواجبها أن تسترده وجهاد يحتاج إلى فترة انتقالية، ومن الممكن أن يكون رئيس وزراء مطل على المطبخ الدولي ويعرف هموم الواقع الفلسطيني.

تخيلوا معي للحظة أن يكون محمود العالول (أبو جهاد) رئيسا لفلسطين، وجهاد خليل الوزير رئيس وزراء قادر ومُمكن لفلسطين. تخيلوا كيف تصير الدنيا في رام الله!

أمد الله في عمر أبو مازن لكن الأبطال التاريخيين هم من يتقنون فن الانسحاب في الذروة.

ملاحظة للقارئ: أتعمد عدم استخدام (ال) التعريف عند الإشارة إلى يهود إسرائيل المعاصرين لأنهم برأيي ليسوا مجتمعا متماسكا وحقيقيا بل أفراد يتواجدون كمجموعات على أسس مصطنعة.



تابعو جهينة نيوز على google news