د.أنور الخُفّش يكتب : حقائق وقضايا عاجلة في إدارة الإقتصاد الكلِّي والمالية العامة
جهينة نيوز -إدارة الإقتصاد الكلي والمالية العامّة في الأردن ، تظلِّلها قضايا عاجلة وحقائق تقتضي المعالجة بما تستحق أيضاً ، نناقش إنعكاس بعضها الواردة في نشرة مالية الحكومة لشهر حزيران 2022 الصادرة عن وزارة المالية. الأمر يستدعي المصارحة والمكاشفة بدون كفوف ، عندما نناقش مستويات الدَّين العام وإتجاهاته المستقبلية ، ومستويات الفقر وتقدير القدرة الإئتمانية ، ربطها بالطموح الذي ينتظره الجميع ، من تعزيز ممكنات النهوض والإزدهار الإقتصادي وتحسين مستوى الرفاه الإجتماعي والمعيشي الكريم وبشكل مُرضي ومستدام .
نُقرّ في البداية بالإعتراف بالآثار المباشرة بدرجة مؤثرة ، لما يتعرض له الإقتصاد الأردني من صدمات خارجية لموقعه الجيوسياسي والجغرافي أيضاً ، ودوره التاريخي كنقطة إرتكازية حافظة للأمن والسلم الإقليمي ، وإعتباره نقطة تحوُّل في نتيجة لدوره في تحولات علاقات الجغرافيا السياسية ضمن إدارة التوازنات في النظام العالمي ، مما يفرِض بعض المثبِّطات والقيود التي تُعيق الحريات الإقتصادية وكذلك تكاليف خسارة إستغلال الفُرص البديلة والمتاحة أيضاً . كذلك النقطة الحيوية عند تقييم الإقتصاد الكلي ، لا بد من الإعتراف بوجود الصدمات السلبية الذاتية الناتجة عن فشل الإدارة والتخطيط المالي ، مما يؤدي الى نتائج إقتصادية غير مرضية .
نستخلص بعض الحقائق الإقتصادية الواردة في نشرة مالية الحكومه لشهر حزيران 2022 الصادرة عن وزارة المالية : أولاً الدَّين العام : بلغ رصيد الدَّين الحكومي حتى نهاية شهر أيار 2022 بعد إستثناء قُروض صندوق إستثمار أموال الضمان الإجتماعي ما قيمته 29,080 مليون دينار ما نسبته 88,6%من إجمالي الناتج المحلي، هل يشمل هذا الرقم مديونية كل من شركة الكهرباء الوطنية وسلطة المياه التي تبلغ نحو 7,5 مليار دينار عام 2021 ، وما هي الحكمة من إستبعاد قرض الضمان الإجتماعي إحصائياً من إجمالي المديونية العامة والبالغة في الربع الأول 2022 مبلغ 7,108 مليار دينار بزيادة 188 مليون دينار تقريباً عن رصيد القرض في نهاية عام 2021 ، مما يَعرض تدنِّي درجة ومنسوب المصداقية والموثوقية لدى المؤسسات المالية الدولية لجودة وشفافية التقارير المالية الحكومية ، علماً أن تقرير البنك الدولي حول آفاق الإقتصاد الأردني الصادر في نيسان 2022 ، أشار بأن نسبة الدَّين العام الى الناتج الإجمالي 114% تقريباً ، ولم تُشر نشرة مالية الحكومة بأن رصيد الدَّين العام يتضمن توريق المتأخرات المحلية لعامي 2019 و2021 كما ورد في تقرير البنك الدولي ، ولم يتم تبيان ، ما تم تسديده من أقساط القروض الخارجية والداخلية المستحقة وإطفاءات الدَّين والتي تقدَّر بمبلغ 5,813 مليار دينار أردني خلال العام وفق موازنة التمويل لعام 2022 .
بلغت قيمة المنح الخارجية المستلمة خلال الشهور الخمسة الأولى من عام 2022 ، ما مقداره 42 مليون دينار والتي تُشكِّل ما نسبته ما يقارب 5% من قيمة المنح الخارجية التقديرية ، والبالغة 848 مليون دينار وفق الموازنة الحكومية لعام 2022 ، مما يؤشر الى تقديرات زيادة عجز الموازنة إذا لم نحصل على كامل المنح والمقدرَّة 1,756 مليار دينار أردني على فرضية الحصول على كامل المنح الخارجية . هذا الأمر له مدلولات حول فرضية إستدامتها ، يجب التوقف عندها مستقبلاً عند تصميم الموازنة العامة ، حالياً يستدعي تحرُّك وجهد سياسي في إتجاه إستدراك الإجراءات الإحترازية حول عدم الوفاء بهذه المساعدات .
تشير النشرة المالية حول أمانة عمان والبلديات ، حيث بلغت مديونية قروض أمانة عمان في الربع الأول لعام 2022 ، مبلغ572 مليون دينار وقروض البلديات 81,800 مليون دينار (واحد وثمانون مليون وثمانمئة ألف دينار أردني) ، وفقاً لمعايير الكفاءة الإدارية والإقتصادية المُتعارف عليها ، تعتبر البلديات أحد أدوات التنمية المحلية المستدامة ، من المفروض أن تكون رافداً لإيرادات الدولة وليست عبئاً على الموازنة العامة .
التصنيف الإئتماني للأردن طويل الأجل وفق وكالة فيتش( ب2 سالب ) مستقر ، الذي يؤشر الى ضعف القدرة على الوصول لمصادر التمويل الخارجي بيُسر وبدون أي جهد سياسي ، مما يؤكد التحرك الجاد من قبل صانع السياسات بإتجاه مزيد من الإصلاحات المالية والإقتصادية.
الملامح الخفيّة لهذه الحقائق الإقتصادية ، أن الأداء الإقتصادي بالشكل والمسار الحالي ، التقليدي المُتعارف عليه لن يكون طوق نجاة لمعالجة الفقر والبطالة ، وعدم قدرته بخلق وظائف جديدة ، والتمكُّن من الحفاظ على إستدامة النمو، ورفع معدلات النمو لتصل الى 7,5% وفق السيناريو المستهدف للأردن عام 2025 ، والدلالات تشير الى إتساع رقعة الفقر لتصل الى ثلث السكان . إن عدم القدرة على تسريع معدلات النمو ، وإتساع قاعدة التصدير الضيقة ، تؤدي الى إستمرار الإختلالات في المالية العامة وميزان التجارة الخارجية ، ومزيداً من الإختناقات في الإتجاه العام في الإستثمارات ، كل هذه المؤشرات والحقائق نتيجتها إزدياد حجم الدَّين العام متجاوزاً الخطوط الحمراء ، ولم يعد هناك أي ضوابط إحترازية أو تدبيرية ممكنة في ظل الحاجة المستمرة للتمويل ، فهل النفاذ الحكومي لأسواق المال سيبقى مُتاحاً وممكناً على نفس سياق السنوات السابقة ، الإجابة في عُهدة الفريق الإقتصادي مجتمعاً؟ اللهم قد بيَّنت. والله من وراء القصد .
الرئيس التنفيذي / مرصد مؤشر المستقبل الإقتصادي
anwar.aak@gmail.com