banner
مقالات مختارة
banner

د.أنور الخُفّش يكتب:-كيف يفكِّر ويليام بيرنز؟ رئيس ال - CIA

جهينة نيوز -
من هو ويليام بيرنز ؟ أستطيع أن أقدِّم تقدير شخصي بأنه رئيس قادم للولايات المتحدة الأمريكية . عندما أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، ترشيحه لوليام برنز، لمنصب مدير الـ"سى آى إيه". (وبهذا المنصب، يكون بيرنز أول دبلوماسي محترف يعمل كمدير لوكالة المخابرات المركزية، دبلوماسي نموذجي لديه عقود من الخبرة على الساحة العالمية فى الحفاظ على أمن وسلامة شعبنا وبلدنا)، بهذه الكلمات وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن، الدبلوماسي السابق ويليام يبرنز. كما قاد بيرنز بنجاح الوفد الأمريكي فى المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي ، في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. وتُوّجت تلك المفاوضات بإتفاق تاريخي في عام 2015. وصفه وزير الخارجية جون كيري بأنه "رجل دولة لا مثيل له مثل جورج كينان وتشيب بوهلين"، وهما دبلوماسيّان أمريكيان أسطوريان ظهر إسميهما خلال الحرب الباردة. أدرجته مجلة "تايم" الأمريكية، فى 1994، على لائحة أول 50 قائداً أمريكياً واعداً دون سنّ الـ 40، وعلى لائحة القادة الـ100 فى العالم من الشباب ، وإحتل أعلى رتبة فى السلك الدبلوماسي الأمريكي "سفير متمرّس" وهو السفير المتمرّس الثاني فقط فى تاريخ الدبلوماسية الأمريكية.
يتميَّز بالتفكير خارج الصندوق يلتزم قواعد اللعبة السياسية المكلَّف بها ، كما أنه يجيد بإتقان رسم قواعد جديدة ، حيث بدأ عملية إنتقالية في الوكالة بعد عقدين من الزمن ، بتكثيف برامج العمل السرّي في الحرب المتواصلة على الإرهاب، قناعة بيرنز على ما يبدو بأن وكالة الإستخبارات المركزية بحاجة إلى العودة إلى مهمتها الأساسية المتمثلة في الإستخبارات وجمع المعلومات فقط وليس خوض الحروب السريَّة وصناعة السياسات ، في وقت عبّر فيه مسؤولون سابقون في الوكالة عن إعتقادهم أن بيرنز هو الشخصية التي تستطيع عبور المرحلة الإنتقالية بنجاح وعلى درجة عالية من المثالية لإعادة توجيه وكالة الإستخبارات المركزية لعصر جديد تنافس أمريكي والقوى العظمى مع الصين وروسيا معاً ، إن فهم بيرنز للقضايا الجيوسياسية المعقَّدة ساعده جيداً على تمكينه من الوصول إلى هذا النفوذ والتأثير داخل الإدارة الأميركية والمؤسسات الحاكمة ، في ظل رئيس غارق في قضايا السياسة الخارجية.
 
ينتقل ويليام بيرنز من المكتب الأكثر ظهوراً في مشهد الدبلوماسية عالمياً، إلى العالم الأكثر غموضاً وسرية، حيث الأساطير ونظريات المؤامرة، إلى جانب الأنشطة الفعلية، التي تحيط بمسيرة وكالة الإستخبارات المركزية الـ«سي.آي.أيه» ضمن الصورة العامة الإعلامية. لمدير الـ«سي.آي.أيه» آلاف الصفحات المنشورة، من كتب ومقالات وندوات ومداخلات إعلامية. يمكن دون إرهاق كبير، الإحاطة بكل ما في ذهنه والتعرُّف على عقليته وطريقة تفكيره من خلال قراءة بعض إنتاجاته الأساسية، أو حتى الملامح الرئيسية لفكرته حول مستقبل الولايات المتحدة والعالم. هنا بإختصار بعض أبرز ملامح تصورات بيرنز (أمريكا مشتّتة.. الصين تندفع.. روسيا تتقهقر.. أوروبا حائرة وقلقة ، الناتو إرتكب خطأ في التوسُّع شرقاً، هيمنة أمريكا مؤقتة ، سرّ فشل الرؤساء الأمريكيين إعتقادهم أن السياسة رؤية طويلة الأمد، إنها ليست كذلك.. هي تماماً لعبة قصيرة، ولها حدودها، من يستوعبها ويجيد إدارتها ويعرف حدودها، يكون من الربحين).


تظهر الواقعية السياسية وتتجلى البساطة في الإعتراف بواقع الحال وطريقة تعاطيه الفكري للأزمات من خلال مقالة كتبها في معهد كارنيغي للسلام، في 14 يوليو 2020، بعنوان (الولايات المتحدة بحاجة إلى سياسة خارجية جديدة)، حيث ناقش إحتمالين في ضوء تغيُّر الجغرافيا السياسية الدولية بعد جائحة كورونا، الأول أن العالم يشهد اللحظات الأخيرة من التفوُّق الأمريكي، وهو مايقارب صورة أو لحظة السويس البريطانية عام 1956 ( العدوان الثلاثي على مصر). أما الإحتمال الثاني مطروح لجدلية البحث والنقاش العميق ، فهو أن تبقى أمريكا المحرِّك الرئيس للنظام الدولي لما بعد الحرب الباردة، يقر بأن أمريكا قد أصبحت عاجزة (مؤقتاً) مع وجود ترامب في البيت الأبيض ، مع تغيير القيادة ستستعيد أمريكا مكانتها بسرعة.
 
تُظلّل مخاوف حرب عالمية على عقلية وفكر بيرنز، لكنه يفضل أن تبقى نائمة في خلده وبنات أفكاره وهذا جيد. وفق رأيه «هناك نظام عالمي أكثر فوضوية يلوح في الأفق بشكل قوس قزح يظهر ويغيب أحياناً ، أو حالة من عدم وضوح الرؤيا ، وفق بيرنز تشبه هذه اللحظة ( في هشاشتها وديناميتها الجيوسياسية والتكنولوجية) الحقبة التي سبقت الحرب العالمية الأولى
أما فيما يتعلق بالصورة العامة للسياسات الدولية، يبدو بيرنز أقرب إلى الرؤى المطروحة في ألمانيا بخصوص تشكيل تحالف عالمي جديد . هناك الكثير من التباين على ضفتي الأطلسي حول هذا الطرح الذي يحظى بتأييد سياسي واسع من حيث المبدأ للحفاظ على سيادة القيم الأساسية للديمقراطية والحرية ، المتمحورة - نظرياً - حول حقوق الإنسان، وجعله معياراً أساسياً له صفة الإعتبار الناظم في العلاقات الدولية ، وكذلك في إعادة تشكيل المؤسسات والقواعد الدولية لتتناسب مع هذه الرؤية الجديدة .
 
دبلوماسية الظل.The Back Channel
بيرنز يعتمد تفكيره على مروحة واسعة من الإحتمالات والسيناريوهات عند تقدير وقياس المخاطر والتحوُّط لها ، تظهر بوضوح حيث كان بيرنز قد حذَّر في برقية من موسكو عام 1994 من أن العداء الروسي لتوسع الناتو يجب أن يؤخذ جدياً، ولاحقاً عاد إلى موسكو وقدَّم أوراق اعتماده في الكرملين كسفير عام 2005. يروي في كتابه «القناة الخلفية» أن بوتين في حديث جانبي قال له: ( أنتم الأمريكيون بحاجة إلى الإستماع أكثر. لا يمكنك الحصول على كل شيء على طريقتكم بعد الآن. يمكن أن تكون لدينا علاقات فعَّالة، ولكن ليس فقط بشروطكم) ، نعم الكتاب بمثابة مذكرات سياسية أكثر من رؤية لمستقبل أمريكا، وذلك بالرغم من أن الفصل الأخير منه أشاد بوزير الخارجية الأسبق هنري كسينجر، بعنوان (القوة المحورية الملاذ الأول)، معتبراً أن ما كتبه بيرنز يعد وصفة لتنشيط الدبلوماسية الأمريكية. ولم يخفي بيرنز قلقه بشأن الضغط بشدة على روسيا الجريحة بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي من خلال التوسُّع المُفرط لحلف شمال الأطلسي.
الحرب الروسية الغربية في أوكرانيا تؤكد أن بيرنز كان على صواب في حدسه حول الأخطاء المحتملة التي يجب على الرؤساء تجنبها ، سلسلة من الأخطاء التي ساعدت على التراجع عن القرن الأمريكي ، كما تحدَّث بيرنز في كتابه عن إخفاقات العديد من الرؤساء الأمريكيين. ويقول: «كل هؤلاء الرؤساء أرادوا أن يلعبوا لعبة طويلة ذات رؤية. ولكن ما يشغل صانعي السياسات وتشكل غالب إرثهم هي اللعبة القصيرة الأمد». كان هذا صحيحاً بشكل خاص في الشرق الأوسط ، الذي أخطأ من قبل رئيس تلو الآخر، ويقر أن المنطقة أفضل مثال من حيث الإختلال والهشاشة.
وأخيراً، متى تنجح الدبلوماسية؟ يجيب بيرنز في كتابه: «عندما تنجح الدبلوماسية، يكون ذلك عادةً بسبب تقدير حدودها، بدلاً من تجاوزها. لعب بيرنز دوراً رئيسياً في إقناع الرئيس الليبي الراحل، معمر القذافي، بالتخلي عن أسلحة الدمار الشامل، ولعب دوراً رئيسياً في الوصول إلى الصيغة النهائية للإتفاق النووي مع إيران، والذي إنسحبت منه الولايات المتحدة في عهد ترامب. وعمل مع روسيا في تليين موقفها من التمسك بالأسلحة النووية، وعمل على تعزيز الشراكة الإستراتيجية لإدارة أوباما مع الهند.
الدروس المستفادة من التاريخ تبقى من الأسس الراسخة في مخزن أفكاره ، حيث كان بيرنز شاهداً على إنهيار جدار برلين، وإنتهاء الحرب الباردة، وإطلاق عملية السلام، حيث كان ضمن وفد وزير الخارجية جيمس بيكر للتمهيد لإنعقاد مؤتمر مدريد للسلام في 1991. كما أنه شهد يقظة روسيا، حيث عُيّن سفيراً لبلاده في موسكو في 2005، كما كان شاهداً على غزو العراق في 2003، و تفاعل مع مسيرة «الربيع العربي» بأحلامها ودمائها.
يتضمن كتاب (القناة الخلفية) تفاصيل الأحداث وتحليل ثاقب لأهم اللحظات المهمة في حياته المهنية بالإعتماد على شكل مجموعة من البرقيات والمذكرات التي رُفعت عنها السريَّة حديثاً، ما يؤكد سعة الأفق لديه وتمتعه بالحصافة والنظرة النادرة من الداخل عبوراً في عمق الدبلوماسية الأميركية ، ليشرح بيرنز بشكل واضح معالم القيادة الأميركية الفعالة في عالم يتشكل من جديد ما بعد (لحظة أحادية القطب) أو تجاوز الأولوية الأميركية التي تلت ذلك. دبلوماسية الظل تجربة ملهمة وبليغة ومستنيرة بعمق. إنها أيضاً تذكير قوي بأهمية الفكر السياسي ، في وقت الإضطراب والأزمات، كما أهمية الدبلوماسية الذكية الحكيمة .
أخيراً ، مدير الـ"سي آي إيه": مفاوضاتي مع الروس شيّبت شعري.


الرئيس التنفيذي / مرصد مؤشر المستقبل الإقتصادي
anwar.aak@gmail.com
تابعو جهينة نيوز على google news