من الورقي إلى الفيسبوك .. الإعلام المضاد للحكومات
جهينة نيوز -قبل عقد ونيف، كانت الصحافة الأسبوعية سائدة بقوة، تواجه الحكومة، وتزعجها، وتقف ضد قراراتها، فيما كانت الحكومات تواجهها، وتنعتها بأنها صحافة صفراء، وتصفها بأنها غير موثوقة ودقيقة، وأنها صاحبة أجندات.
بدأت الصحف الأسبوعية في الأردن مبكراً، ومن زمن ما قبل الثمانينيات استمرت صحف «أخبار الاسبوع» و»اللواء» و»الصحفي»، وأوائل التسعينيات تكاثرت، وكانت شيحان مغامرة جريئة، أثرت في رفع السقف الصحفي بشكل كبير، ومع حرب الخليج الثانية، تفننت الصحف في المانشيت والخبر والصور والتعليق والسخرية السياسية.
أضحت صحف «البلاد» و»الرصيف» و»الصنارة» و»شيحان» من لافتات الإزعاج الاسبوعي للحكومات، ولاحقاً ظهرت الحدث والجزيرة وآخر خبر والهلال والحياة وغيرها، ولكن بسقف أقل من سابقاتها في نقد الحكومات، ومع موجة الديمقراطية الأردنية وترخيص الأحزاب ظهرت أو نشطت الصحافة الحزبية الإسبوعية، مثل «الأهالي» و»الرباط» التي تغيرت إلى «السبيل» فيما بعد، و»العهد» وغيرها. ولا أظن أن من صحيفة باقية اسبوعية مواظبة على الصدور ورقياً غير صحيفة «الشاهد»، فبعضها مات وبعضها تحول إلى موقع الكتروني، ولم تكن «السجل» التي أسسها د. مصطفى حمارنة كصحيفة محترمة بثوب مجلة العام 2007، آخر ما في المشهد الصحفي الاسبوعي من بقاء، فاسبوعية «المجد» القومية النهج ودّعت عام 2016 قراءها بكلمة لرئيس تحريرها قال فيها:» ما عاد في اليد حيلة، ولا في الوسع اي تدبير.. فقد سدت في وجه هذا المنبر القومي كل السبل، وانفض من حوله جل الاصدقاء، واجتمع عليه لفيف كثيف من الخصوم والاعداء..».
خرجت الصحف الاسبوعية كتاباً وخبرات، أثرَت المشهد الصحفي، فكم من كاتب وصحفي انتقل منها إلى الصحافة اليومية، وبعضها فتحت الباب لرسامي كاركاتير وأدباء ونقاد ومحللين.
كان المشهد الصحفي الاسبوعي مزعجا إلى حدٍ كبير للحكومات والأجهزة، إلى حدّ أن الراحل الحسين نعتها بغضب بـ»الصحافة الصفراء»، وخاضت الصحف الاسبوعية معركة ضد قانون الإعلام للعام 1998، وفي حدود ذلك الوقت تحدث الملك الحسين رحمه عن الأغلبية الصامتة، وكان رؤساء الحكومات يضجرون من الصحف الاسبوعية، بشكل مريب، وبعض رؤساء الحكومات دعموا بعضها وقدموا رؤساء تحريرها واحسنوا معاملتهم وبشكل أكثر ريبة أيضاً.
تحوّلت الصحف الإسبوعية فيما بعد إلى مواقع الكترونية مع موجة الإعلام الرقمي، الذي بدأ يصعد مع موقع عمون، ولاحقاً خبرني وغيرهما، كان دخول الاعلام الالكتروني هذه المرة من قبل صحفيين محترفين استبقوا المشهد المظلم للإعلام الورقي اليومي والاسبوعي، في قهوة صغيرة اسمها الماوردي بدأت فكرة عمون، على طاولة حسابها ربما لم يسدد، فكانت ولادة نظيفة أي غير ممولة خارجياً، تفاعل الناس، معها واصبحت ناطقا باسم الأغلبية الالكترونية هذه المرة.
الاغلبية الصامتة، انتقلت إلى أغلبية فاعلة ومشاركة مع الإعلام الرقمي الجديد، فهي تكتب وتعلق وتتفاعل وترسل أخبارا حصرية وتصور، وكان على زوايا بعض المواقع أسماء وهمية يبدو أنها لم تصدق الحريات الجديدة واذكر منها «صقر الشوبك»، أو «فتى الجنوب» أو «ابن البلد»، وغيرها.
فتحت المواقع الالكترونية الشعب على نقد الحكومات، صنعت تاريخا مضادا لسياساتها، انزعج وزراء وقادة ورؤساء من نهج الاعلام الجديد، وبات المشهد خارج السيطرة مع تكاثر المواقع الالكترونية التي جاوزت 250 موقعا.
بعض المواقع كما الصحف الاسبوعية، كان غير دقيق وغير مهني ومبتز، وبعضها وهي قلة مارست المهنية والدقة، لكن هذا المشهد لم يستمر بصعوده، إذ كثرت المواقع بين عامي 2005 – 2011، وكان لها أن تشهد تراجعا كبيرا بعد زمن الزهو والانتشار السريع والثراء لبعض اصحابها الذين لقوا احتضان رجال أعمال وساسة ودعم رؤساء حكومات وصاروا ناطقين باسمائهم كما حدث مع الاسبوعيات الورقية سابقاً.
الجرائد الورقية «الدستور» و»الرأي» و»الغد»، حاولت أن تعوّض هجرة القراء للورقي بالاستثمار في مواقعها الالكترونية، لكن السقف والمحتوى والتحديث بالاخبار ظلَ كما النسخة الورقية غالباً، فبقي القارئ العادي لا يتجه إليها الكترونيا، ولم تكن هذه ظاهرة أردنية، فصحف عربية مضت إلى ذات المصير، وبعضها اغلق كما «السفير» وتطور الموقع الالكتروني الذي صار يُطالع في بعض مواده بالدفع الالكتروني.
بحث القارئ في المواقع عن إعلام ومنبر مفتوح، يكون مضادا لسياسات الحكومات العابرة، ووجد ذلك فيه، وهذه المواقع اوجدت كتابا جددا وخرجت أقلاما مهمة، ولكنها بعد عقد من الزمن، وبدءاً من عام 2011 ومع تفوق وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام المفتوح الجديد، باتت تشهد ضعفا كبيراً، وقلة من المواقع حافظت على ريادتها وتأثيرها.
أضحى الفيسبوك في الأردن هو جريدة الشعب، فهو الكاشف والمظهر للتوجهات، والدراسات اثبتت أن الناس لا يتابعون مواقع الصحف الالكترونية في الأخبار السياسية سواء تفاعلاً أومتابعة، إذ وجد الناس في الفيسبوك حائط معارضة مضادة مفتوحا لكل ما يصدر عن الحكومات، وبات الفيسبوك يؤثر في القرارات الحكومية ويدفع الوزراء للتحرك لأجل صورة ابو بوست لتصحيح خلل أو التحقق من خبرٍ.
المهم أن الفيسبوك ورث المواقع الالكترونية، وهذه ورثت الصحف الاسبوعية، ولكن المعارضة والتاريخ المضاد للحكومات مدون على جميعها، وسيبقى كذلك لمن يريد أن يقرأ ويوثق، وبموازاة ذلك تطورت التشريعات المقيدة للحريات، سواء بالنشر أو إعادة النشر أو التعاطف والإعجاب، وضاق صدر المسؤولين أكثر، لتنتهي بعض المواجهات في القضاء، وهو أمر مؤسف، لكنه لن ينهي الضجر والتذمر الشعبي والنزوع للتعبير حتى ولو كان بغضب.
الدستور