المحظرة الموريتانية.. حاضنة لثقافة البلد على مر العصور
لقد ظلت المحظرة الموريتانية عبر التاريخ ، صاحبة المنة الحضارية الكبرى على عموم التراب، فعبر قرون كان للمحظرة إشعاع علمي معرفي يغطي الصعيد الشنقيطي ويمتد إلى قاصيات البلدان العربية الإسلامية فأعقب بذلك في نفوس الكثير من الناس علوما وسلوكا.
ووفقا لبيان صحفي صادر عن اتحاد وكالات الأنباء العربية (فانا) ضمن التقرير الثقافي الدوري للدول الأعضاء في الاتحاد، أبقت المحظرة على أديم مناطق الاقترابوالاغتراب بصمات بارزة أسهمت بفعالية في تحصين الفرد والتمكين له في الأرض، فهي التي نشرت الإسلام والإحسان وأكملت تأطير الأجيال وتكوين الرجال، فبثتسفراء الذكر الحسن من علماء وأدباء في مختلف أنحاء العالم، وبها انتظمت شنقيط في مصاف الخطوط الأمامية للمجتمعات ذات التأثير الإيجابي على مستوى العالم.
ولا زالت المحظرة تمثل مكانة السلم والأمان، حاملة خصائص الاعتدال والوسطية، والبعيدة كل البعد عن كل أنواع التطرف والغلو، حيث يمكن وصفها بأنها "جامعة شعبيةمتنقلة تلقينية فردية التعلم طوعية الممارسة".
ولقد وضع علماء هذا القطر تحت عماد أخبيتهم المتنقلة وفي محاريب حواضرهم العامرة قسطاسا مستقيما للعلم الشرعي على أرضية صلبة من هدي القرون المزكاةتتفجر ينابيعها بصريح العلم السني وتتحطم على صخورها المذاهب الغربية الوافدة.
كما كان للمحاظر حظها الوافر في تعهدات رئيس الجمهورية الموريتانية الاسلامية محمد ولد الشيخ الغزواني، إذ تعهد بتشجيع ودعم المحاظر، وخير مثال على الوفاء بهذا التعهد "جائزة رئيس الجمهورية لحفظ وفهم المتون المحظرية"، إضافة إلى عدة إنجازات كبرى لصالح المحاظر في موريتانيا.
وأطلقت هذه الجائزة، بتعليمات من الرئيس الغزواني، خلال اجتماع مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 27 محرم 1442 للهجرة الموافق، 16 كانون الاول 2020، وتقرر من حينها تنظيمها سنويا، والإعلان عنها في كل سنة يأتي تزامنا مع شهر المولد النبوي الشريف، وقد وضعت شروط ومحددات يلزم أن تتوفر في الراغبين في المشاركة، كما تعتبر هي الجائزة الرئاسية الأولى في التاريخ الموريتاني لحفظ وفهم المتون المحظرية.
وتسعى هذه الجائزة، بحسب البيان، إلى بعث التنافس الإيجابي بين طلبة العلم في حفظ و فهم المتون المحظرية التي عرف بها علماء شنقيط في أصقاع المعمورة،ولهذا الغرض يستحق الفائز لقب "العالم".
وتجرى هذه المسابقة في المتون الكبرى المدرسة في المحاظر كمختصر خليل، وألفية بن مالك، واحمرار بن بون، والصحيحين في الحديث، والشاطبية في القراءات،ولامية الأفعال في الصرف، والسلم في المنطق، والمنهج في القواعد، وغزوات البدوي في السيرة النبوية، وعقود الجمان في علم البلاغة.
كما تراعي المسابقة اختلاف بعض المحاظر في تدريس بعض المتون في بعض العلوم فجاءت بأسئلة تخييرية يمكن لمن درس المتن المتوفر في محظرته من تلكالمتون الإجابة عليها من خلاله.
وتهدف هذه الجائزة، إلى تشجيع طلاب المحظرة على القراءة والتميز والحفاظ على خصوصية البلد وتميزه في مجال التعليم المحظري وضمان استدامة منهج طلابالمحظرة في حفظ وتدريس المتون واستدامة الألق الثقافي والإشعاع الحضاري للبلاد الذي تعتبر الموسوعية العلمية أساسه المكين، والسعي لاكتشاف القدرات والطاقات العلمية الشابة التي تعتبر كنزا ثمينا تحتاجه الأمة للحفاظ على ألقها وأمنها الروحي علاوة على خلق فضاء للتنافس بين الشباب على أساس المعرفة والإتقان.
وتعتبر هذه الجائزة أصدق دليل على الاهتمام والعناية المباشرة من الرئيس بهذا الصرح العلمي الرائد، فهي ذات حمل تحفيزي من خلال إذكاء جذوة المنافسة بين الطلاب.
ولقد اعتمد طلبة المحظرة لترسيخ مفاهيهم جملة من المبادئ، من بينها التركيز على الحفظ، فكان حفظ المتون العلمية دأب طلبة العلم في هذه البلاد، وشح الأذهان بوضعها بشكل منتظم على محك الاختبار بعرض غوامض المسائل والمطارحة في شأنها، وهو ما يربي ملكة الفهم والاستيعاب لدى الطالب ويقوي عارضته العلمية ويخرجه من أسر الجمود والتقليد الأعمى، ويفتح أمامه آفاق التجديد والإبداع في جو من الالتزام و التمسك بالمبادئ الأساسية، إضافة إلى إفراد كل متن على حدة، فشأن أغلب طلبة المحظرة وخصوصا نوابغهم المتجردين لطلب العلم أن يفردوا كل فن بالدراسة لفترة تناسبه، وأن يخصوا كل متن بحصة من الزمان يتفرغون فيها لحفظه ومدارسته شيئا فشيئا، ثم ينتقلون إلى المتن الموالي من الفن بنفس الأسلوب حتى يذللوا صعب ذلك الفن و يمتطوا صهوات متونه إلى فن آخر.
وبخصوص أسلوب الدراسة في المحظرة، يقول الدكتور محمد المختار ولد أباه، في كتابه تاريخ النحو العربي، وهو العلامة الذي تم توشيحه من طرف الرئيس الموريتاني بوسام كوماندور في نظام الاستحقاق الوطني، خلال فعاليات النسخة الثانية من جائزة رئيس الجمهورية لحفظ وفهم المتون المحظريةتثمينا للدور العلمي البارز الذي قام به؛ "محاضر بلاد شنقيط ظاهرة غير مألوفة إذ كيف تتصور جامعة يدرس فيها بتعمق وإتقان جميع العلوم الإسلامية من علوم القرآن والتوحيد والسيرة النبوية والفقه وأصوله وقواعده، وعلوم اللغة من نحو وصرف وبلاغة وأدب، وفي أغلب الأحيان يقوم عالم واحد بتدريس هذه المواد على مدى أكثر من اثنتي عشرة ساعة في اليوم الواحد، أما الطلبة فإنهم كما يقول أحدهم:تلاميذ شتى ألف الدهر بينهم ********** لهم همم قصوى أجل من الدهريبيتون لا كن لديهم سوى الهوى********** و لا من سرير غير أرمدة غبريتعاقبون في الصباح على شيخ المحظرة جماعات أو فرادى لتلقي دروسه الشفوية متنقلا من مادة دون أن يضطرب إلقاؤه نتيجة لاختلاف الفنون التي يقرئها".
لقد احتفظت المحاظر الموريتانية بالمنهج التربوي الذي عهد إليها المعلمون الأوائل الذين وضعوا اللبنات الأولى لها.
-- (بترا)