الحرب بدأت ولن تنتهي إلا (…)!!
ليس غريباً إذا أن يبدأ بوتين اولى خطواته من البوابة الأوكرانية في شهر كانون الأول في نفس الوقت الذي تفكك فيه الاتحاد السوفييتي، مدفوعاً بقناعة راسخة بأن هذه هي اللحظة التاريخية وإن لم يلتقطها فقد أذنب بحق بلاده، متشبثاً بمقولة المؤرخ العسكري الروسي كارل فون كلاوزفيتز في كتابه (عند الحرب) «رجل الدولة الذي يعرف ان كل الاوراق اللازمة لديه جاهزة، ويرى أن الحرب لا مفر منها ويتردد في القيام بالضربة الأولى، مذنب بإرتكاب جريمة بحق بلاده» انتهى الاقتباس، وهذا بالضبط ما اعتقده بوتين، فجميع الظروف تخدمه، فأميركا مترا?عة أو على الأقل منشغلة بعدو آخر تعتقد أنه يهدد نموذجها بنموذج منافس وحيوي، وأوروبا مفككة تدب فيها الخلافات، وكلتاهما أميركا وأوروبا أصابهما السأم من الحروب والصراعات، والعالم كله منشغل بتضميد جراحاته بعد جائحة كورونا، يضاف إلى ذلك تلاقي مؤقت لمصلحة قطب صاعد مع رغبة روسية في لخبطة الأوراق وميزان القوى العالمي وهي الصين، مرة اخرى كل ذلك في خدمته فلماذا لا يقدم ؟ بالذات أنه متأكد أن الغرب والولايات المتحدة لن يخوضوا الحرب ضده وسيكتفيان بالعقوبات الاقتصادية، وهذه أثبتت فشلها مع دول عديدة فما بالك مع دولة مثل ر?سيا حيث تستثمر العقوبات كعامل دعم للسلطة وليس العكس.
مدفوعاً بطموحه والفرصة التي لاحت له دخل بوتين اوكرانياً، ليس لأنه يريدها هي فقط بل لأنها مدخله وواسطة نحو الحلم الإمبراطوري، فبعد فشل مشروعه الكبير بإقامة تحالف ألماني روسي كمقدمة لما يعرف بمشروع أوروبا الكبرى، ها هو يعود الى حديقته الخلفية أوراسيا قلب العالم وبوابة من يريد السيطرة عليه كما ذكر زبيغنيو بريجنسكي، لكن ذلك لن يتم إلا باستعادة روسيا الكبرى، وأوكرانيا هي مبدأها ونقطة انطلاقها في العام ٨٨٢ م، ولا أدري إذا كانت هذه هي البداية أو النهاية؟ إذ فجأة وتحت وطأة الشعور بالخطر توحدت أوروبا وزال الانقسام ?لى طرفي الأطلسي، وعادت أميركا والناتو يقودان تحالفاً صلباً يجتمع على كلمة واحدة لن تجرنا الى الحرب، لكننا سنغرقك في أوكرانيا منطلق طموحك ونهايته، حسم الغرب كلمته أمام الخطر الذي أحيته فيهم كتابات صموئيل هنتغتون بأن ما يجري ليس مجرد صراع على الأرض بل هو صراع على الحضارة، وهو إذا صراع بقاء، وفي غمرة هذه الحالة المتفجرة انتصر ايضاً مشروع زبيغنيو بريجنسكي القائم على الضغط الأقصى على روسيا للوصول الى مرحلة تكسير العظام، وصولاً الى تقسيمها على مشروع هنري كيسنجر الذي يدعو الى منح روسيا ما تريد في محيطها الإقليمي،?والتوحد معها في مواجهة الصين إذاً انتصر التطرف وساد منطق النهايات المأساوية.
إذاً فالإمبراطورية التي يتوق إليها بوتين ليست مجرد حلم أو فكرة، بل هي عقيدة مسيطرة عليه وعلى عقله السياسي وهذه لا تحتمل الخيارات الوسط، فإما النصر فيه او النهاية بسببه، فأمام بوتين خياران لا ثالث لهما في حربه هذه، إما أن ينتصر وهذا بات متعذراً او أن يغرق في وحل أوكرانيا وينتهي، وربما ينهي روسيا الموحدة وإلى الأبد، ما زال هناك متسع من الوقت للحكم والمتفائلون يتمنون خياراً وسطاً بين هذين الخيارين يجنب العالم مآلات كارثية بسبب حرب نووية وهذا خيار بوتين الصفري..