تقرير «أمنستي» هل هو صحوة ضمير؟
قررت منظمة العفو الدولية (أمنستي) أن إسرائيل هي دولة أبارتهايد أي دولة فصل عنصري، وكان قد سبقها إلى ذلك هيومان رايتس ووتش وقبلها المنظمة الحقوقية الإسرائيلية بتسيلم، وربما هي من فتح الطريق أمامهما للتجرؤ على إصدار تقريريهما بهذه القوة غير المتوقعة طبعاً، هذا التحول هو علامة فارقة لمصلحة القضية الفلسطينية، لأنه التقرير الدولي الأول الذي يصبغ على دولة الاحتلال هذه الصفة بعد عقود من العمى الدولي عن انتهاكات إسرائيل لكل عُرف أو قانون دولي وإنساني، ومثل هذا التقرير فتح الطريق سابقاً أمام إنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وفتح الطريق أمام الاعتراف بنضال السود في ذلك البلد والاعتراف بحقوقهم بعد عقود من الظلم والاضطهاد وهو ما يؤمل أن يتحقق للفلسطينيين.
رغم أن كل ما جاء في التقرير معلوم لأي مواطن فلسطيني طفلاً كان أو شيخا، لكنه استطاع أن يوجع ساسة الاحتلال ومواطني دولته الذين ساورهم الوهم أنهم يقطنون في دولة للحرية وحقوق الإنسان تدعمها أمم حرة، لكن التقرير صفعهم صفعة اصابتهم بالذهول للدرجة التي أربكت اليسار واليمين في آن معاً، فاليسار حاول التملص من أن تكون إسرائيل بذاتها عنصرية، وحاول إلصاق تلك التهمة بالحكومة وبأشخاصها وسياستها في محاولة يائسة للخروج من المأزق، أما في الحكومة فكان رد يائير لابيد بأن هذه المنظمة (كانت يوماً ما منظمة موقرة نحترمها جميعاً)؟ أما الآن وبجرة قلم ولمجرد أنها اقتربت من إسرائيل بالنقد فقد تحولت إلى منظمة معادية للسامية، هذه التهمة التي أصبحت ممجوجة والتي استخدمت كعصابة غُطيت بها عيون الأمم والشعوب الغربية على مدار عمر دولة الاحتلال، هذه الأمم التي دعمت إسرائيل منذ لحظة النشوء وحتى الآن على اعتبار أنها دولة ليبرالية ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، وأنها تناضل ضد مجموعة من الإرهابيين الفلسطينيين يحاولون أن يفنوها بل ويلقوا بها في البحر، وإذ بهم يفاجأون بأن من أُلقي به في متاهات الشتات والتشرد هم. الفلسطينيين ليس أحد غيرهم، وهم أنفسهم الذين صرخوا منذ سبعة عقود في محاولة لإسماع الأمم الاخرى وجعهم والظلم الذي أحاق بهم، لكن ليس من مستجيب، هذه الأمم الحرة ما هو موقفها الآن من عمى البصر والبصيرة الذي اصابها خلال العقود الماضية؟.
لكن المخجل حقاً هو رد فعل الولايات المتحدة التي رفضت التقرير ووصفته بالظالم، وأن أفعال إسرائيل لا تشكل عملاً عنصرياً، هذا مخز حقاً فالدولة التي تتباكى على مواطن يُسجن في أي بلد يعاديها لا تجد في تشريد الفلسطينيين وتهجيرهم، وهدم منازلهم، واحتلال ارضهم، وقتل أطفالهم، وسجن عشرات الآلاف بدون محاكمة، وكذلك اعتبار المواطنة مقرونة بالدين، لا تجد كل ذلك فعلاً عنصرياً بينما تفرض حصاراً على بعض الدول لمجرد انها اعتقلت ناشطاً، لا أجد إلا أن هذا هو الخزي بعينه، لكن الأكثر خزيًا من موقف الولايات المتحدة هو الحالة العربية التي بدأ ضميرها يدخل في سبات عميق تجاه القضية الفلسطينية، ويمارس فعل التناسي والإنكار تجاهه..
لكن الأهم من كل ذلك ان تستثمر هذه الصحوة الحقوقية لمنظمة العفو فلسطينياً مثلما فعلت جنوب افريقيا، حينما وحدت جهود شعبها حول هدف وطني واحد بقيادة واحدة موحدة غير منقسمة، فحققت مُراد شعبها، وهذا يقرع جرس الانذار للفلسطينيين، بأن كل التقارير ستكون مجرد حبر على ورق ما لم تتوحد جهودهم حول هدف واحد، بعيداً عن الانقسامات الفصائلية المفرِقة للجهود والمشتتة للهدف، هذا التقرير فرصة لاحت في زمن أسود يجب أن تستثمر على أكمل وجه وهذا لن يتم إلا بالوحدة.