طارق قديس يكتب:-العلاقات الأردنية الأذربيجانية في الميزان
جهينة نيوز - لطالما كانت العلاقة بين المملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية أذربيجان الشقيقة في العصر الحديث، علاقة مميزة مُغلَّفة بالمودة وبكلِّ ما مِن شأنه توطيد أواصر المحبة والعيش المشترك بين الشُّعوب، خاصَّة وأن المملكة الأردنيَّة الهاشمية من أوائلِ الدول التي عمدت للاعترافِ باستقلال أذربيجان عن الاتحاد السوفييتي عام 1991، وقد تكلَّلت تلك العلاقات بزياراتٍ رسمية متبادلة ما بين الجانبين، ساهمتْ بدفع التعاون المشترك ما بينهما إلى آفاق رحبةٍ على المستوى الدبلوماسي والإعلامي والسياحي والتعليمي، آخرها، كان بحث مشروع تشغيل خط طيران مباشر بين باكو وعمّان والذي تأخَّر إنجازه بسبب ظهور جائحة كورونا على مستوى العالم ككل.
ولعل ذروة الدلائل التي تشير إلى مدى العلاقة الوثيقة في القُطْرين هو ما حدث من إطلاق اسم الرئيس الأذري السابق، المرحوم حيدر علييف، على أحد الشوارع في المملكة الأردنية الهاشمية، واسم جلالة الملك المرحوم الحسين بن طلال على أحد الشوارع في جمهورية أذربيجان.
وعلى المستوى الشعبي دأب الشعب الأردني على دعم حقوق الشعب الأذري على مختلف المستويات ومنذ سنوات طويلة، وهو ما ساهم في رفع وتيرة التبادل السياسي والثقافي بين باكو وعمان، وتعزيز قيام العديد من الطلبة بالسفر إلى أذربيجان للدراسة، وكذلك حضور الطلبة الأذريين لتلقي الدراسات العليا في ربوع الجامعات الأردنية.
إن العلاقات المشتركة بين البلدين هي علاقات جذرية وأصيلة، وهي نواة دائمة لتحقيق ما هو أفضل في المستقبل، لذا فليس من المستغرَب أن يلتقي الشعبان في كثير من القواسم المشتركة، وليس بالمصادفة أن تكون باكو وعمان واحتين للسلام في الشرق رغم ما يحيط بالعالم من اضطرابٍ سياسيٍّ مستمر يفرض نفسهُ كأمر واقع لا مفر منه، حتى أصبحت المدينتين مثالاً يُحتذى به بالعمل على إرساء قواعد السلام في العالم على أساس العدل والمساواة بين أفراد المجتمع دون النظر إلى عرق أو لون أو دين.
يمر الثامن عشر من أكتوبر / تشرين أول من كل عام وتمر معه الذكرى العطرة ليوم استقلال جمهورية أذربيجان، وها هي الذكرى الثلاثون ليوم الاستقلال هذا العام تأتي مجلَّلَةً بالفخر متحدِّيةً وباء كورونا لما لذلك التاريخ من أثرٍ حافلٍ بالثقة والإيجابية في قلب الشعب الأذري، والشعوب الصديقة لتلكَ الدولةِ اليافعةِ التي أكَّدتْ للعالم كلِّه أنها دولةٌ متطوِّرةٌ وناضدة وناضجة حضاريًا وعلميِّا واجتماعيّاً، وأنها صخرةٌ صلبة على صعيدِ السِّياسة، وباستطاعتِها أن تستعيد ما فقدته وأن تذودَ بقوة عن أمنِها ووُجودِها عندما تشتدُّ الصِّعَابُ وتتَرصَّدُها المِحن الإقليمية السيادية التي إِنْقَضَت مؤخرًا إلى غير رجعة.
وبالتزامن مع الاحتفال بذكرى استقلال جمهورية أذربيجان تنبغي الإشارة إلى الدور الأردني الذي لعبته في دعم الاستقلال الأذري، حيث انتهج الأردن منذ نشأة جمهورية أذربيجان نهج المؤيد لحق الشعب بتقرير مصيره منذ 28 ديسمبر 1991.
ولعل عمق العلاقات بين البلدين تعود دعائمهُ إلى أربعة عوامل مهمة، أولها: التنوع الديني، إذ يشكل المسلمون غالبية سكان المجتمعين، مع وجود أقلية مسيحية فاعلة. والثاني: التسامح الديني: حيث يُشكِّلُ المسلمون والمسيحيون نسيجاً اجتماعيّاً مميزاً وغنيّاً في كِلا القُطْرين. والثالث: الأهمية الجغرافية، وهو ما جعل كِلا المنطقتين بؤرة لصراعات سياسية طويلة. والأمر الرابع: السعي الدائم نحوَ السَّلام، وهو هدفٌ مشترك لطالما عمد الشَّعبانِ إلى تحقيقه رغم الصراعات السياسية المتكررة التي كانت تفرضُ نفسَها في كلِّ ظرف.
ولقد أثمرت اللقاءات الدبلوماسية الدائمة ما بين ممثلي البلدين عن توقيع عشرات الاتفاقيّات، على المستويات السياحية والتجارية والتعليمة، هدفها هو الارتقاء الدائم ما بين باكو وعمّان إلى أبعد حدود التعاون المثمر ما بينهما. اتفاقيات من شأنها أن تعكس مدى متانَةِ العلاقات التاريخيَّةِ ما بين الطرفينِ والتي حفرتْ لها مكاناً عميقاً في قلوب الأردنيين.
*أديب وشاعر أردني فائز بجوائز عربية للقصة القصيرة.
...