ضانا بين السياحة والتعدين
تحتوي تربتها على الحجر الجيري والجرانيت ، كما تحتوي على الكثير من الثروات المعدنية مثل النحاس والذهب . ورغم ذلك فهي تقع في جيب من الفقر والبطالة ويمكن استغلال ثرواتها في انعاش المنطقة والاردن اقتصاديا .
الا ان هذه المنطقة بالرغم من جمالها وثرواتها بقيت مهملة وغير مستغلة بالرغم من اعتبارها منطقة محمية بمساحة 300 كم مربع وذلك اعتباراً من سنة 1989 .
وقد اخذت هذه المنطقة اسمها من قرية ضانا المهجورة والتي يعود انشاء مبانيها الى بداية العهد العثماني ومنذ نحو الخمسمائة سنة ، وعلى بقايا قلعة بيزنطية قديمة . الا انه وفي عام 2011 تم استملاك مبانيها المهجورة وتحويلها الى غرف فندقية وبازارات شرقية ومطاعم ومقاهي انترنت .
الا انها استمرت مهجورة تقريبا ، ولا يزورها الا النذر اليسير من ابناء الوطن وبعض هواة المناطق والمحميات الطبيعة من شعوب العالم .
وبذلك استبعدت هذه المنطقة من اولويات السياحة كما استبعدت من اولويات التعدين .
الى ان كثر الحديث مؤخرا عن التخطيط لاخراج قسم منها يحتوي على كميات من خام النحاس وبعض الذهب لاستثمارهما ، مقابل اضافة مناطق جديدة تضم للمحمية .مما اثار جدلًا واسعاً ما بين انصار الطبيعة والبيئة ، وما بين انصار استثمار محتوياتها من الثروات المعدنية
ومن المعروف ان انصار البيئة والمدافعين عنها في كل العالم يمكن ان يعارضوا قطع شجرة تقف في خط طريق رئيسي ، لمجرد ان عصفوراً وضع عشه عليها ، مهما كانت كلفة تغيير مسار الطريق . وان انصار الطبيعة في الاردن هم مثل غيرهم في جميع انحاء العالم ولذلك فقد تصدوا وبكل قوة لفكرة اقتطاع قسم من محمية ضانا لغايات التعدين بغض النظر عن المردود المالي لهذا التعدين . ولهذا فقد عارضت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة ورئيس مجلس ادارتها وزير البيئة السابق معالي خالد الايران اي أجراء في المحمية يؤدي الى اقتطاع اي جزء منها تحت اي ذريعة او سبب . وقالت ان التعدين يهدد المحمية ومحيطها وكل ما هو مميز فيها : مجتمعها المحلي ، وشجرها ، ونباتاتها ، وحيواناتها . واعتبرت الجمعية ان التنوع الحيواني في المحمية ارث وطني لا يمكن التفريط به ، وان وجود نشاط بشري كثيف وآليات وتفجيرات وتطاير اتربة وغبار سوف يؤدي الى تدمير الموائل الطبيعية لها في المحمية ، وسيدفع الكثير من الانواع الى الهرب ويضعها في دائرة الخطر لا سيما النادرة منها والمهددة بالانقراض .
فيما ذهبت بعض الاصوات المعارضة لهذا الاجراء الى التشكيك باهداف اقتطاع اجزاء من المحمية ، وادعت ان الهدف منه توزيع هذه الاراضي على المحاسيب . او القول ان الهدف من ذلك اعطاء بعض المتنفذين هذه المناطق للقيام بعمليات التعدين فيها . وهم يستندون في قولهم هذا الى تجارب سابقة حسب ادعائهم
ومن ناحية اخرى فقد نشط انصار الاقتصاد للترويج لهذه الفكرة قائلين ان المنطقة التي سوف يتم اقتطاعها تحتوي على كميات هائلة من خام النحاس والذي في حال تعدينه واستثماره سيدر على الاردن مبالغ بمئات الملايين والبعض قال بالمليارات ، مستندين في اقوالهم الى دراسات جيولوجية تحدثت عن اماكن تواجده وكمياته . والى دراسات تشير الى تواجد لخام الذهب في بعض الاجزاء منها . وان هذه المنطقة تعتبر الافقر في الاردن حيث تسود البطاله بين سكانها وسكان المناطق المجاورة ، وان استخراج النحاس سوف يعالج مشكلتي الفقر والبطالة فيها . كما قال انصار الاستثمار اين انصار البيئة والجمعية من التلوث البيئي الذي يمتد على طول الاراضي الاردنية ؟
وقد رد عليهم انصار البيئة بالقول ان هذه الدراسات قديمة وغير قطعية ، وان لا توجد اي دراسات جديدة تثبت ذلك . وان الاردن به كميات كبيرة من الثروات الطبيعية والمعدنية وفي اماكن كثيرة منه ، وانه يمكن استثمارها وتحقيق عوائد منها اكثر من استثمار النحاس من محمية ضانا ، وعلى حساب المحمية .
فيما ذهب البعض من انصار الاستثمار الى تسيس الموضوع بالقول ان هناك ادعاءات صهيونية بأن النحاس الموجود في هذه المنطقة هو ارث النبي سليمان ، وانه حق لهم ولا يحق لاحد آخر استخراجه . وذهب انصار هذا الادعاء الى القول ان الكيان الصهيوني قد استخرج النحاس من امتداد مناطق تواجده الواقعة تحت احتلاله ، وان فكرة محمية ضانا قد تم زرعها في عقولنا من قبلهم حتى لا يتم استخراج النحاس منها ، لاعتقادهم ان هذه المناطق ستقع ذات يوم بين ايديهم .
اما سكان المنطقة فهم وتحت ظروفهم المعيشية وسعيهم لتحسين اوضاعهم فقد طالبوا بالسير بهذا المشروع وتهجموا على انصار البيئة لمعارضتهم له .
وهكذا نجد ان هناك وجهتي نظر متعارضتان فيما يتعلق بمستقبل هذه المحمية . وكل طرف له حججه و وجهة نظره .
ومن وجهة نظري انا ، فانه لابد من تحقيق التوازن بين البيئة والاقتصاد مستعيراً لذلك نظرية المنفعة الحدية والتي تقوم على الموازنة ما بين الامكانيات والاحتياجات . وبمعنى اكثر وضوحاً انه اذا فاقت الاحتياجات الامكانيات فلا بد من ترتيب الاحتياجات حسب اهميتها وضرورتها وبالتالي الانفاق على الاحتياجات الاكثر اهمية ثم الاقل اهمية وفي حدود الامكانيات المتاحة .
واذا عكسنا هذه النظرية على محمية وادي عربة فعلينا ان نحدد ما الذي نحن بحاجة لاليه اكثر ، البيئة ام الاستثمار ، وان نضع اولوياتنا على هذا الاساس . فاذا كان اختيارنا البيئة فأن علينا المحافظة على المحمية ، وعدم السماح باستغلالها لغايات اخرى ، مضحين بذلك في الاستثمار .
واذا كان خيارنا الاستثمار فيها او في قسم منها ، فأنه لابد من التضحية بالمحمية او قسم منها . وذلك بهدف تحسين الاقتصاد الاردني . ولكن على ان يكون خيارنا هذا مبنياً على دراسات حديثة لجيولوجية المنطقة وامكان تواجد خام النحاس وكمياته وامكانية استخراجه ، ومدى الجدوى الاقتصادية من ذلك . مع تقديم حلول ومعالجة للاضرار التي قد يسببها التعدين هناك على ما يتبقى من المحمية بحيث لا يلحق اضراراً لا داعي لها ، وامكانية توسيع رقعتها لتعويض النقص فيها .
ان افضل الحلول هو المحافظة على المحمية بقدر الامكان والسعي لاستثمار ما في باطن الارض من معادن في اماكن اخرى وهي كثيرة جداً . وان تعذر ذلك ان نعمل على قاعدة ان لا يموت الذيب ولا يفنى الغنم .