banner
مقالات مختارة
banner

لائحة الاتهام في قضية الفتنة أسئلة برسم الإجابة

{clean_title}
جهينة نيوز -
د. مهند العزة
 
قامت الدولة عندنا متأثرةً وربما مستثمرةً –كما يرى كثيرون- لحالة الفزع التي سادت بسبب تصاعد موجة الإرهاب التي تخللت الصراعات الداخلية بأطرافها الخارجية في دول الجوار خلال النصف الأول من العقد المنصرم؛ بتوسيع نطاق مفهوم الإرهاب كما ورد النص عليه في قانون منع الإرهاب النافذ، حيث اشتمل تعريف الإرهاب في المادة (2) -بالإضافة إلى ما أوردته المادة (4)- من هذا القانون على حزمة من الأفعال التي تعد إرهاباً ويحتاج كل منها إلى تعريف منفصل بذاته، كما أن العمل الإرهابي وفقاً للتعريف الذي يتصدر القانون لم يقتصر على القيام بعمل مادي أو ما يسمى في فقه القانون الجنائي بـ "السلوك الإيجابي" وإنما أيضاً على الامتناع أي عدم القيام بعمل ما أو ما يعرف في الفقه نفسه بـ "السلوك السلبي.
لائحة الاتهام التي نشرت يوم الأحد الماضي ضد المتهمين باسم عوض الله وعبد الرحمن (الشريف حسن) تضمنت أفعالاً نسبت إليهما تقع في دائرة تعريف الإرهاب والأفعال الموصوفة في المادة (4) من قانون منع الإرهاب، فالقيام بأعمال من شأنها "إحداث فتنة" الذي اختير عنواناً لهذه القضية منذ بدايتها يعد وفقاً لهذا التعريف عملاً إرهابيا وكذلك الأمر بالنسبة لـ "تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو الأنظمة"؛ من حيث أن أعمالهما التحريضية وجانب من الأعمال التنفيذية كانت في إطار "فتنة" هدفها تقويض نظام الحكم المستمد شرعيته من الدستور.
على الرغم من غموض مصطلح "إحداث فتنة" نظراً لما يحتمله من تأويل وتفسير وتكييف يختلف من سياق لآخر، فإن الأعمال المنسوبة لكلا المتهمين ودائماً وفقاً للائحة المنشورة؛ هدفت إلى تجييش الشارع وتأجيج مشاعر السخط على النظام ممثلاً بقمة هرمه وصولاً إلى زعزعة أركانه والإطاحة به، وهذه الوسيلة المرتكزة على شق الصف وتأليب الرأي العام تندرج تحت توصيف الفتنة قولاً واحدا.
في الاتجاه نفسه، اعتبرت المادة (4) من القانون محل البحث في فقرتها (ح) أن: "تغيير دستور الدولة بطرق غير مشروعة"، يعد بدوره عملاً إرهابيا، وبالعودة لما تضمنته لائحة الاتهام ، فإننا نجد أنه قد أسند للمتهمين القيام بأعمال من شأنها "تغيير دستور الدولة بطرق غير مشروعة" من خلال تمكين الأمير حمزة من تولي سدة الحكم والإطاحة بالملك عبد الله الثاني بوصف ذلك النتيجة التي تغياها جميعهم وانصرفت إليها إرادتهم وهم يقومون بما قاموا به من أفعال، ليثور سؤال جوهري في هذا المقام مناطه: هل جرم تغيير الدستور بطرق غير مشروعة ينبغي أن يكون النتيجة التي يتغياها الجاني وفقاً لهذا النص، أم أنه يكفي أن تكون أعماله الإجرامية سوف تفضي حتماً إلى هذه النتيجة حتى وأن لم تكن بذاتها مناط عنصري العلم والإرادة اللذان يشكلان الركن المعنوي للجريمة؟ المستقر عليه فقهاً وقضاءً أن القصد الجنائي يتوفر طالما كانت النتيجة المترتبة على السلوك الإجرامي معلومة أو محتملة الوقوع وقبل بها الجاني حتى وإن لم تكن بذاتها الغاية الرئيسية المنصرفة إرادته لتحقيقها.
أهمية هذا التكييف تكمن في تحديد القانون واجب التطبيق وما يتضمنه من عقوبات، فإذا تم تكييف أحد الأفعال الجرمية المنسوبة للمتهمين على أنها "تغيير لدستور الدولة بطرق غير مشروعة"، يغدو قانون العقوبات الأولى بالتطبيق حيث تصدرت المادة (7) من قانون منع الإرهاب عبارة: "مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ورد النص عليها في أي قانون آخر"، لتأتي الفقرة (هـ) من المادة نفسها، فتبين أن العقوبة الواجبة على جرم "تغيير دستور الدولة بطرق غير مشروعة" هي الأشغال الشاقة المؤبدة، بينما الجرم نفسه مستوجب لعقوبة الإعدام وفقاً لنص المادة (136) من قانون العقوبات.
ثمة أسئلة كبيرة تبقى في رسم الإجابة في هذه القضية التي أثقلت كاهل الدولة والشعب ومن قبلهما الملك: فمن جهة أولى، هل باسم عوض الله وعبد الرحمن (الشريف حسن) حقيقةً يعتبران فاعلان أصليان في ما شرعا بتنفيذه من أعمال إرهابية أم أنهما شريكان؟ وهذا السؤال لا تكمن أهميته في تحديد العقوبة واجبة التطبيق، حيث أوجبت المادة (7) من قانون منع الإرهاب توقيع عقوبة الفاعل الأصلي على الشريك سواءً كان اشتراكه بالتدخل أو التحريض أو المساعدة، كما اعتبرت المادة نفسها أن الفعل الإرهابي يقع تاماً حتى لو شرع فيه دون أن يكتمل. الواقع أن أهمية هذه المسألة مرجعها أن تحديد المركز القانوني للمتهمين وطبيعة مسؤوليتهما الجنائية تتطلب تحديد المركز القانوني والمسؤولية الجنائية للأمير حمزة؟ فإذا كان ما قاما به المتهمان اشتراك جاء تنفيذاً لما أراده الأمير وشرع فيه كما يستخلص من لائحة الاتهام، فهل يستقيم الوصول إلى هذه النتيجة دون سؤال الأمير وسماع أقواله؟ وإذا كان ما يتعلق بالأمير حمزة قد تم تسويته في إطار عائلي، فهل قانون الأسرة المالكة الذي نأى بالخلافات العائلية المتعلقة بالأحوال الشخصية فقط عن ساحات القضاء وأوكلها لمجلس العائلة ينهض حجةً ومسوغاً لإجراء محاكمة جنائية يبدو غريباً فيها مسائلة المتدخلين أو الشركاء بينما من تدخلا أو اشتركا لمصلحته بمنأى عنها؟ ثم هل يستقيم أن يتم تكييف ما قام به المتهمان بأنها أفعال جرمية بهذا الحجم وتلك الخطورة، بينما الأفعال نفسها في جانب الأمير تنزل منزلة "الخلاف العائلي"؟
جاء لافتاً ذكر الدور السعودي لأول مرة بشكل واضح ورسمي في أكثر من موضع في لائحة الاتهام، إذ يمكن قراءة ذلك بوصفه رسالة صارمة أن الاستقرار والسلم الداخلي مسائل وجودية لا يمكن التفاوض ولا المواربة بشأنها حتى لو كان هناك مساومة حول المصالح الاقتصادية للدولة، فهل جاء لقاء سفير السعودية بالملك في اليوم نفسه الذي تم فيه نشر لائحة الاتهام لتلطيف الأجواء أو ربما الحيلولة دون نشر مزيد من التفاصيل حول الدور السعودي حينما تبدأ المحاكمة ويتم التطرق فيها إلى شخصيات بعينها وأسمائها ومواقعها؟
نشر لائحة الاتهام تبين حجم المعاناة المؤلمة التي واجهها الملك خلال الفترة الماضية على المستويين الشخصي والمهني، وقد تكون حملت بعض الإجابات على أسئلة حول هذه القضية، لتبقى أسئلة جدلية السياسة وسيادة القانون وأسئلة تحصين الجبهة الداخلية وترسيخ مفاهيم المواطنة والمشاركة وكفالة حق الحصول على المعلومة لمنع تكرار توظيف الأزمات لتحقيق مآرب غير مشروعة؛ في رسم الإجابة.
تابعو جهينة نيوز على google news