الدكتوره نادية حلمى تكتب:- الصباح والحرب
جهينة نيوز - وككُلِ صباحْ، أتتبعُ وقعاً مِنْ أخْبارٍ أُخرَى قد قيلتْ أو سُمِعتْ... وكأنّ الوطنُ مشهدْ مِنْ فصلٍ واحِدْ تتكررْ نفسُ تفاصِيلِه (بِجلاءْ)
وبذاتِ الدِقةْ، أبدأُ يومِى أستيقِظْ على نفسِ المسرحْ... لا شئُ جديدٍ يحدُونِى، والوطنُ تسيرُ أحوالهِ ما بينّ حُرُوبٍ ومآَتِم، وخُطبٍ أُخرى (لغوغاءٍ)
وسمِعتُ فِى المِذياعِ منْ يتلُو تَفاصِيلَ الخِيانَة فِى بِرُودْ... وقرأتُ فِى الصِحافةِ تفاصِيلَ أُخرَى، وإكتئبَتُ لِسماعِى (الأنْباءْ)
كانتْ تفاصيلُ الخيانة تدُورْ، تسمُو على كُلِ العناوِينِ والفِصُولْ... والناسُ بينَ مُصدِقٍ ومُكذِبٍ لها، فتأثرُوا وتسرعُوا، وإِنتشرُوا بينَ (الأرجَاءْ)
تركتنا الحربُ لِدهشتِنا مُجردُ مُدُنٍ مّنكُوبَة ومهجُورة... لا رِبحٍ يُرجى مِنها، فالكُلُ تساوى فِى الذنبِ، حتى منْ كُنا نظُنهُمْ يوماً (أبرياءْ)
قد عادَ الأحرارُ ساعةَ الحربِ كأوغادْ... قد كشفتْ ساعةُ الحربِ مَعادِنَ بشرٍ قد صاروا بِلا مبدأ أو نُخوة وشرفٍ و (إِباءْ)
فكتبتُ قصائِدَ حُبٍ مجرُورَة بِعربِة موتَى... ونشرتُ نعياً مدفُوعاً ثمنه على كُلِ مكانٍ فِى وطنٍ يسكُنه بعضَ (الجُبَناءْ)
فصِرتُ أكتُبُ فِى يأسٍ وتَناغُمْ تامْ... أُنوعُ ما بينَ إِيقاعِ اللحنِ معَ القصفِ، وأجمعُ بعضاً مِن كُلِ تِلكَ (الأشياءْ)
أكتبُ فِى وجهِ العالمْ كى ينهضْ، ولكِنى أخافُ... أنتزِعُ غِطائِى كى أُغمِضُ جِفنى لِأنسَى الواقِعَ فِى خوفٍ، ثُمّ أعودُ أنامُ وحيِدة مُستسلِمةَ فِى (إِستِرخَاءْ)
فمِن ساعةِ الحربِ تغيرتُ كثِيراً... وأنا أسكُنُ فِى جسدٍ واحِدْ مع عِدة شخصياتٍ أُخرى بِوِفاقٍ تامٍ و (رِضاءٍ)
أتذُكُرُ أشياءً قد سقطتْ مِنى لِهُولِ الموقِفْ... فأُدوِنُها كتُراثٍ مِنْ بعدِى تأرِيخاً لِلأوطَانِ و (لِلأبَناءِ)
أعصُرْ ذِهنِى أُفتِشْه لِأستذكِرْ بعضَ صُورِ الحربِ معَ الأحداثِ... أُريدُ إِستِرجاعَ بعضاً مِنهَا كى لا تتطايِرْ شظايَا مِنها بِفعلِ الزمنِ (كهواءٍ)
فتجارُبْ الحربِ لا تأبه بِما فعلتْ فِينا ما بينَ رُمادٍ وحِطامٍ... فالأخطَرْ، إِنها تسرُقُ رُفاتَ الموتى كغِيومٍ تنتفضُ على الأمطارِ (كغِطاءٍ)
فكتبتُ قصِيدةً كُبرى فِى عَالمْ أصبحَ ساحةَ حربٍ كُبرى... أُهدِيهَا لِأسرَى الحربِ وشُهداؤه، تَكرِيماً مِنى (كرِثَاءٍ)
أُسرِدُ أبياتاً مِنهَا فِى تَأبِينِ ضحَايانا... وكلِماتُهَا تركضُ مِنِى مذعُورةْ، خوفاً مِنْ ألغامِ الأرضِ أنّ تنفجِرُ (كأعبَاءٍ)
إنّ تذكُرْ بعضٌ مِنْ أوقاتِ الحربِ أمرٌ صعبٌ وكئِيبْ... وضَياعُ أُمُورٍ مِنهَا أمرٌ وارِدْ، ولكِنى كتبتْ، توقِيعاً مِنى لِقلبِ الوطنِ و (إِهداءٍ)
ورُغمّ الصعبِ، مضيتُ أُدوِنْ كُلُ ما فِيها جُزءاً جُزءاً... حتى لا تضيعُ القِصصُ وتُنسى بِفِعلِ (الأهواءِ)
فكتبتُ كى أرضِى ضمِيرى وأرتاحْ... وحتى لا أبدُو حينَ أشيخُ إِذا سألُونى عنها كخرساءٍ أو (بلهاءٍ)
أحفظُ كُلُ ما قِيلَ مِنْ البعضِ عنِ الحربِ وأتعبْ وأَسترجِعْ... لأن شُرورِ الحربِ مِن فظاعتُها، باتت تجسِمُ على صدرِى (كعَناءٍ)
فلعلِى أُفضفضُ معكُمْ بعضاً مِنّ صِورِ الحربِ ومجازِرُهَا... صُورٌ تتلاقَى تستنِهضُ هِممَاً، وعجلةُ زَمانٍ تدُورُ صُبحَاً و (مساءً)
ولا أدرى مدى دِقة من قالَ بِأنَّ طريقُ الفرحِ يمُرُّ حتماً بِجُهنَّمْ... فيُحيلُ اللهبَ بعدَ سِكُونٍ إِلى (ماءٍ)
أِنهالَ علىّ رُصاصٌ صوبُ القلمِ مِنْ كُلِ مكَانْ كى لا أكتُبْ... ولكِنى رُغّم الحُزنِ كتبتُ، أُصبِر نفسِى كى لا أضعفْ، وأنا أتلُو بعضاً مِن كلماتِ الرّبِ على (الأنبِياءِ)
فكتبتُ كَلِماتَ قصيدتِى اليومُ، توثِيقاً مِنى لِأوطاناً غمرتنا حُباً يوماً وعطاءً... قد ضاقتْ ذرعاً بعدَ الحربِ ثُمّ نستْنَا، لأنّا صِرنَا (فُرقاءُ)
وبدأتُ كلاماً عن حربٍ ومآسٍ كُبرى... فكتبتُ كلاماً ليسَ كمِثلهِ أىُ كلامْ، والكُلُ شغُوفٍ بِتوثِيقِى ساعةَ الحربِ تذكُراً لها، إِحتِفاءاً و (وفاءْ)
فلعلّ حدِيثِى معكُمْ بعدَ الحربِ راحةَ ومُتعةْ وصفاءْ... وتخفِيفَاً عنِى مِنْ أهوالِ معارِكْ كُبرى تُدمِى العينْ، هدُوءاً لِلقلبِ و (عَزاءْ)
دخلتُ الحربَ بِغيرِ إرادةٍ مِنى أو تحضيرٍ وإِعدادٍ... دعوتُ إلهَ الكُونْ أنّ يُلهِمُنِى صبرَاً، وبِأنّ ينجِدُنِى مِنْ الآثامِ ومِنْ الذنبِ و (الأخطاءْ)
خُضتُ الحربَ رُغّماً عنِى، بتُهمةِ أَنِى أُعارِضْ... كانتْ تِلكَ جريِمةٍ كُبرى ساعةُ الحربِ، وفِعلٌ آثِمٌ لا يُغتفرُ وأمرٌ شائِنٌ (نكراءْ)
حُوصِرتُ كثيراً كى لا أهرُبْ لِأنِى لئيِمة لا أرضخْ... ولكِنى هرُبتُ مِنْ وطنٍ صار الكُلُ ينهشهُ حتى أبنائِه، لا أحد يرحمهُ، وثِمةْ مصالِحِ (جوفَاءْ)
تحديتُ جُنوداً فِى ساحاتِ قِتالٍ كُبرى، ورهائِنْ تبغَى تتحَررْ... وصوتُ مُؤذِنْ يدمعْ، وبِلادٌ عُرضة لِضياعٍ، وقلمٌ يُقصفْ، وأُمة تعيشُ على الهامِشِ فِى (شقاءْ)
كبُرتُ أُدافِعَ عن أرضٍ وعن بيتٍ... ولكِنّى نسيتُ أنى كبُرتُ، وكُلِى هِمُوماً على الأكتافِ والظهرِ (ككِساءٍ)
ورُغمّ العُمرْ، مازِلتُ أُحارِبْ على الحائِط وبِالقلمِ على المكتبْ... فصِرتُ ألوذُ بِأشعارِى كأماناً لى مِنْ ذنبٍ غامِضْ لمْ أفعلْ، توثِيقاً لى و (إحتِماءً)
أُريدُ أماناً، أُريدُ حِجارةَ لا أبغى أكثر، أُريدُ حياةً بكُلِ سلامْ... أقصى طِمُوحِى ألا أسقُطَ مِنهُمْ، حتى لا تتحولُ أجزاءٌ منى (أشِلاءً)
فقدتُ سلامى وأحلامِى، ووِئامِى فِى ساحةِ حربٍ كغرِيبة... فِى وطنٍ حوّلَ بعضَاً مِنْ أشيائِى وأجزائِى بِكُلِ بِرُودٍ لِضغائِثِ أحلامٍ، كوابيِسٍ و (إِنحِناءٍ)
ولعلّ الأسوأ، حينَ رأيتُ الكُلَ يُحارِبْ بعضُه بِلا سببٍ مفهُومٍ أو يُرجى... الكُلُ يُحارِبْ غدراً، وكأنْ وطنُنا لم يُولدْ، قد رفعُوا شِعارَ الحربِ بإِسمِ تعاليمِ الدِينِ (السّمحاءِ)
أحتاجُ زماناً لِأنسى خرابَ الحربْ، عفواً أُسْتاذِى إنّ نطقَ فُؤادِى قبلَ لِسانِى... لمْ أشفْ بعدْ مِنْ الصدمةْ، وأنا أنظرُ دوماً بعد الحربِ إِلى (الوراءِ)
فِى وقتِ الحربِ كثُر الخُطباءُ البُلغاءُ... لُغةً مقهُورة فِى خِطابٍ مسمُومٍ مِنْ أجلِ صُمودٍ خائِبْ بِدُونِ تخطيطٍ و (عناءٍ)
يتوارَى الوطنُ مذعُوراً يأِساً، ورِفاقِ سُوءٍ لا أعلمُ كيفْ، صارُوا (أنقِياءٌ)
أعيشُ حياتِى بينَ مَدافِعِ، وجِيُوشٍ وساحاتِ قِتالٍ وكتائِبِ حربٍ... لا تُغادِرُ الدهشةُ ملامِحُنَا، ونمضِى الوقتَ ما بينَ قصِيدةَ وكِتابٍ، ونرجُو (بقاءٍ)
وبِرُغمِ القّيدِ هرُبتْ، أنظُرْ أتلفتْ خلفِى، وحولِى نيرانُ كثيِفةْ... جاهدتُ وحيدة فِى الغُربةْ، وأعتدتُ العيشَ كغِيرى فِى (إنزِواءِ)
فلعَلِى أعودُ لِهذا الوطنِ بعدَ غِيابٍ أو لا أرجِعْ... سافرتُ وحيدة علىّ أفيقُ وأنجحْ، وسكنتُ مقاهٍ وفنادِقْ عِدة وبِيُوتَ (إِيوَاءٍ)
لمْ يتبقَ بعدُ الحربِ إِلا بِيُوتٍ مهجُورة، وتصَاويرٍ لِلذِكَرى على بِضعِ حِكاياتٍ أو صُورِ قَدِيمَة... قد نهَشُوا المُتبقِى مِنا، وتركُوا لنا مُدُناً فارِغَة و (خِواءِ)
أنظُرُ لِبِيُوتِ الحربْ، تتوزعُ بينَ الأحزانِ وفِراقِ أَحِبة، ونكصِ عُهُودٍ وخِيانةْ... فمعارِكْ سلبتْ مِنا رِمحَاً وسِيُوفَاً وصَبايَا، وأهدتنَا بديلاً عنها مشاعرُ (بغضَاءٍ)
تشرذمَ الوطنُ فِى تِلكَ الحربِ وتبعثرْ، ما بينَ حركاتِ تحرُرْ، وإنتِفاضَة وثورة وضحَايَا... وإِنقسمَ الوطنُ إلى أسرىَ وجرحى وشلالاتِ (دِماءٍ)
والناسُ تلاشتْ ساعةَ الحربِ، بعضٌ مِنهُمْ فقدَ الحُبَ أو عثرَ عليهِ... وضعفَ الكُلُ أمامَ الحُبِ، فالحُبُ يُوحِدُ جبْهَاتْ، أشقياءْ مِنا و (سُعدَاءْ)
لِغرابةِ الحربِ، أنقسمَ الناسُ لِخُطباءِ وعُقلاءِ وثورييِن... والفوضى تضرِبُ كُلَ الأنحاءِ، وأدمغةٍ صارت لِسوءِ الحالِ (كحِذَاءِ)
جميعُ ضحايا الحربِ يقِفُونَ ما بينَ مسجُونٍ خلفَ سِياجِ الحُزنِ، أو ضائِعْ يبغِى العودة... أُناسِ الحربِ نِياماً يبغُونَ النِسيانْ، ما بينَ الموتى والهذيَانْ، أحياءُ ونِصفُ (أحيَاءْ)
فِى الحربِ نثُورُ ونغضبْ، نهربُ بعضاً مِن وقتٍ لِنعودُ ونبقَى... تعلُو أصواتُ مدافِعُنا حِيناً ثُمّ تخبُو، فتنهمِرُ شظايَا مِنها (تتجزءْ)
وككُلِ حُرُوبٍ خُضناها، نُعلِقُ صِورَ ضَحايَانا براوِيزٍ على الحَائِطِ والمكتَبْ... بِغيرِ تعلُمْ مِنْ أخطاءِ الماضى، كتغطِيةٍ على جرائِمُنا فِى حقِ الوطنِ حِينَ تركناهُ (لِأَعدَاءٍ)
ونُعيدُ الكّرةَ بعدَ سِنِينٍ بِنفسِ الأخطاءْ... ونحنُ نبكِى فى تشييعِ رُفاتِ ضحايا بِنفسِ الذنبِ على ذاتِ السِجادةِ (الحمراءْ)
على وقعِ الحربِ المّنسِيةْ، يحتاجُ العالم كى ينسى أىُ فضِيحةٍ كُبرى... كغِطاءٍ مِنْ أُخرى صُغرى، كى نضحكُ حِيناً بِأعلَى الصوتِ مِثلَ مُمثِلةِ (إِغراءْ)
أجيالُ الحربِ مُجردُ بشرٍ عانُوا، لا تكفِى كِتابة لِشرحِ الأمرِ وتفصِيله... أطفالُ بِقلبٍ مبتُورٍ، وضعُوا الأحلامَ فِى أُرجُوحةٍ، ولِسُوءِ الحظِ وقعُوا وصارُوا (تُعساءْ)
نُفتحُ أعُينِنا على وقعِ سماءٍ مُلغَّمةٍ وأرضٍ تصعدُ منها قنابِلُ بدلُ الأشجارْ... صار لكُلِ مِنا قِصة تُحكى فِى هذا الوطنْ (كالبُؤساءْ)
نشيخُ وندمى مع الحربِ، ولسنَا ضحايَا فِى حُبهِ ونِضالهِ... فتاريخُ أُمتِنَا شاهِدْ لنْ يرحَمْ، لِأنّا هرِبنَا وتركنا لِغُزاةِ ولِصُوصٍ مُدنَاً تحمِلُ أسراراً مِنا و (أحياءً)
فجميعُنا نْحمِلُ ذنباً على تِلكَ الأكتافِ يتجذرْ... ونحنُ نسيرُ فِى أزِقةِ وطنٍ نتسكعْ، تختلِطُ فِينَا رائِحةُ عَرقٍ (بِدِماءِ)
نجلِسْ نتهجَى الأحداثْ، نثُورُ ونهدأ... ونسمعُ قِصصاً كُنّا نَرويِِها أو نقصُصهَا لِأطفَالٍ، ونقومُ بِعْملِ وتحضيرِ بعضَ (الأشياءِ)
كانتْ أجملُ لحظاتِى مع ساعى برِيدٍ بِرِسَالة... أقرأُ أَسطُرِهَا بِعنَايَة، وأنا أستلقِى بِأغطِيتى ولِحافِى فِى شغفٍ مُطلقْ و (هِدُوءٍ)
أتأملْ حرُوفَ كلِماتِ الحربِ، وأرُدُ عليها... ولكِنّى لِسُوءِ الحظِ أفقتُ حزينة، لِأنِى نسيتُ لِذاكرتِى بعضَ (الأسماءْ)
ورُغمَ مُعاناةِ الحربِ، تبقَى بعضُ النسماتِ... فبعدَ الحربِ نتعايشْ بُرهة فِى صمتٍ تامْ، لا شئٍ يعلُوه أبداً سِوى صوتُ (بُكاءْ)
وبعدَ الحربِ ترحلُ بعضُ الأجسادْ... ولكِنْ يبقَى الأثرُ وبرِيقُ الأعمالِ خافِتاً أو مُبهِجاً حدَ النُورِ (كأضواءِ)
فكسرتُ حِصارِى أُلملِمه... كى أُنْقِذْ كُلَ الأسرى فِى هذِه الزِنزَانة القُصوى، وأمدُ يدَ العونِ فِى السجنِ (لِنُزَلاءٍ)
أتأملُ فتراتَ الحربِ غرائِبُهَا وأحداثاً أكثرُ تشوِيقْ... وأنا مشحُونة بِأحاسيسٍ، أُريدُ حياةً أُخرى بعِيدَاً عنْ هذهِ (الأجواءِ)
وإِجْتَزتُ حياتِى مُتوجةً كَى أكَسِرُ دوائِرَ حُزنٍ وحواجِزُ خوفٍ... كانتْ ناسٌ تخشَاها، وبِفِعلِ كِتاباتِى صارتْ سُخرِية، بعدَ أنّ كانتْ (ضوضاءٍ)
وبعدَ الحربِ، أهُزُ لهُمْ رأسِى وأتظاهرُ أنِى أفهَمْ... والكُلُ يُودِعْ ويُسافِرْ ويقُولُ بِأنِى سأعودُ، ولكِن لا عودَة بعد وداعٍ و (لِقاءٍ)
ونظرتُ نحوَ مِرآتِى، وأنا أرسُمُ نفسَ الأُنثَى التِى أِعتادتْ على الماضِى... وبكيتُ وحيدة، وأنا أنعِى وطناً أعيشُ فيِه على الهامِشِ (كالغُرَباءِ)
ونظرتُ طوِيلاً أتألمْ، باتَ الكُلُ يتهَافتْ بعد الحربِ على السُلطةِ والمّجدِ والجاهِ... ولكِنّى لا أقدِرُ حقاً أتقربُ كالبعضِ شُكراً وضلالاً و (ثناءً)
أشعُرُ صِدقاً بِالغُربةْ، لِأنِى أُحِبُ الوطنَ ولكِنّى أرجُوه بِأنّ يَعدِلْ... فنحنُ نُحِبه بِلا قيدٍ أو شرطٍ، حتى لو فرّقنَا البعضُ لِتقرُبِنَا وِداً ونِفاقاً و (رِياءً)
أشكُوكَ يا وطنِى وأُحبُكْ، أُعانِى فِى حُبكْ وأخشَاكْ... أتقربُ مِنكَ مُنذُ سِنينٍ ولكِنّى أفشلْ، لِأنّ البعضَ يمنعُنَا مِنْ دِفئِكْ أو قُربِكْ، ويُبعِدُنَا عنّكَ بِطمعٍ و (غَبَاءْ)
فكُلُ حُرُوفِى فِى حُبِكْ يا وطنِى مكتُومةْ، وكَلِمَاتِى إِليكَ باتتْ مُجتزِأةَ ومبتُورةْ... وصَوتِى صارَ محشُورَاً، والكُلُ يمُدُ يدهُ ويأخُذُ حقاً مُغتَصَباً بيعاً و (شِرَاءْ)
أُحِبُكَ يا وطنِى رُغمَ عُيُوبَكْ، ورُغمّ شقائِى فِى حُبِكْ وجِنُوحَكْ... أُحِبُكَ رُغّمَ الضعفِ البادِى، ورُغمّ الحربُ عليكَ فِى عِدةِ جبهاتٍ، ما بينَ المُرتَزقةِ و (العُمَلاءِ)
وحين تجئُ ذِكرَى الحربُ، أُردِدُ نفسَ الكلِماتِ... ما جدوى الشِعرُ فِى وطنٍ تكرهُنَا بعضُ سُلطاتهِ لِحدِ (البغضَاءِ)؟