جهودتطوير التعليم العالي في الأردن
أ.د. محمد محمود الطعامنه / جامعة جدارا
من الانصاف القول بأن الجامعات الاردنية حققت انجازات مشهودة لا يمكن انكارها إذ لعبت دوراً فاعلاً في المنطقة العربية لما عرف عن نظامها التعليمي من جودة عالية جعلها محط أنظار واعجاب إقليمي وعالمي كبير وهذا ما يعكسه أعداد الطلبة الوافدين من اكثر من مائة دولة حول العالم.
لقد مرت جهود التطوير لمؤسسات التعليم في الأردن بمراحل متعددة لعل من أهم افرازاتها الاستراتيجية الوطنية لقطاع التعليم العالي والبحث العلمي ( 2014 – 2018)، والخطة الاســـــــــــتراتيجية للموارد البشـــــــــــرية ( 2016 – 2018 )،إلا أن هذه الجهود لم تفلح في تعزيز مخرجات التعلم ولم تسهم بشكل فاعل في تطوير عناصر بيئة التعليم، وركزت بصورة أو أخرى على تطوير الاستراتيجيات والهياكل التنظيمية ولم تمتلك تلك الجهود عوامل النجاح الأساسية والمتمثلة بوجود مؤشرات أداء واضحة ، وظلت مؤسسات التعليم العالي تركز بشكل لافت على الكم اكثر من تركيزها على الكيف وافتقرت إلى الجدية والمتابعة الحثيثة ربما لسرعة تبدل القيادات المسؤولة عن هذا القطاع.
واجهت مؤسسات التعليم العالي في الأردن تحديات متعددة خلال العقود الماضية واجهتها الدولة الأردنية برؤى وخطط لعل من أبرزها حملة تكنولوجيا المعلومات التي أطلقها جلالة الملك عبد الله الثاتي بن الحسين المعظم في بداية الألفية والورقة النقاشية السابعة لجلالته عام 2017م، وما تضمنته كتب التكليف السامي للحكومات المتعاقبة وآخرها كتاب لحكومة دولة بشر الخصاونة 2020م، والتي أكد فيه جلالته وجوب الاستمرار في مواصلة العمل على تطوير منظومة التعلم عن بعد وتقييم التجربة وفق أفضل الممارسات التي تضمن حق الطلبة في التعليم.
لقد أحسنت وزارة التعليم العالي صنعاً عندما حاولت أن تجعل من التحديات التي واكبت جائحة كورونا فرصة حقيقية من خلال إدماج التعليم الالكتروني في منظومة التعليم العالي على نحو ممنهج للابقاء على قنوات تواصل تعليمية مستمرة مع الطلبة للايفاء بحاجاتهم المعرفية وحاجة سوق العمل، وتوّج هذا الجهد بخطة تنفيذية لادماج التعليم الالكتروني ( بشكليه الالكتروني الكاملوالمدمج) كلف بإعدادها نخبة من القامات الأكاديمية في وطننا العزيز.
وعلى خلاف المبادرات وجهود التطوير السابقة بتنا نلحظ إهتماماً غير مسبوق بمضامين التعليم وأساليب وطرق التدريس التي لم تكن سابقاً من مفردات التطوير، فحددت الخطة التنفيذيةبوضوحوواقعيةمضامين التعليم الذي يعتمد على التفاعل وبناء المهارات بدلاً من أشكال التلقين الذي لا يخلق وعياً ولا يبني إبداعاً، وركزت تلك الخطة على الدور الكبير للطالب من حيث المشاركة والمهام والواجبات والمشاريع والتقارير، وركزت على أهمية التفاعل بين المدرس والطالب إعتماداً على شروحات لبعض جوانب المساق من المدرس، والتركيز على أسئلة واجابات الطلبة والعروض التقديمية التي يقدمونها. ومن اللافت للنظر ان الوزارة لم تكتفي فقط بتطوير الخطة التنفيذية بل تعدت ذلك بالمتابعة الحثيثة لتطبيق مضامينها ومبادرتها بتدريب فرق من الجامعات على أساليب واستراتيجيات وطرق التدريس والمنصّات الالكترونية لتيادر الجامعات بعد ذلك بتنفيذ تلك الممارسات وفق مفهوم الجامعةالمتعلمة التي تعتمد على ذاتها في ترسيخ هذه الأطر. بقي أن نقول ان هذا التوجه المركزي الجديد في بلورة وترسيخ مضامين التعليم في قاعات المحاضرات وعبر المنصات الالكترونية يتطلب تضافر الجهود من قبل الجامعات وصولاً الى أهداف وفلسفة تلك الخطّة.
إن خبرتي المتواضعة لثلاثة عقود في التعليم العالي تجعلني أرى أن مثل هذه المبادرة الجديدة من وزارة التعليم العالي هي حجز الزاوية والبوابة الحقيقية لرفع جودة ونوعية التعليم في جامعاتنا الأردنية، ولعل أبرز ما تحمله هي الأطر التنفيذية المتمثلةبالإجراءات ومؤشرات ألأداء والإطار الزمني والمتابعة الحثيثة المدعومةمن وزير مشهود له بالموضوعية والمثابرةوالإصرار على تحقيق الهدف التي هي مرتكز أساس من مرتكزات جهود التطوير المطلوبة. ولكي تتكامل صورة جهود التطوير فلا بد من العمل على تلافي كثير من المعوقات التي تمثل هاجس العاملين في مجال الأكاديميا لعل من أهمها أعداد الطلبة الكثر في الشعبة الواحدة وفي التخصصات العلمية والهندسية والطبية خاصّة في الجامعات الرسمية، وضرورة دعم الاوضاع الاقتصادية لأعضاء هيئة التدريس التي لم تعد معها مهنة التدريس جاذبة خاصّة من فئة المتميزين الذين اثروا الهجرة على البقاء في جامعاتهم الوطنية. وفي الخلاصة لا بد من الإشارة إلى أن الاستثمار الحقيقي في التعليم هو أساس التغيّر الإجتماعي والاقتصادي والثقافي والأساس الذي يجيب على كثير من الاسئلة التي تتمحور حول الفقر والبطالة والحرمان والتخلف، مما يتطلب من الحكومة دعماً مالياً كافيا ليتمكن قطاع التعليم العالي الأردني من استعادة مكانته ودوره وقدرته التنافسية الاقليمية.