banner
مقالات مختارة
banner

فهد الخيطان والمكارثيون الجدد

{clean_title}
جهينة نيوز -

مهند العزة
 
الاستقطاب الناجم عن الأزمات السياسية يشكل عادةً سياقاً خصباً لتيارات ديماغوجية ينجرف معها المتحلقون حول أطرافها حتى تلتقي مصالح هؤلاء الأخيرين ليتبرأوا من كل متمترس خلفهم من المقتاتين على موائد الأزمة الذين سرعان ما يتحولون من حلفاء إلى عبئ سياسي وأخلاقي على المتصالحين.
هذا الانجراف لا ينجُ منه حتى بعض المحسوبين على النخب الثقافية التي سرعان ما يغلب العديد من أفرادها طبعهم على تطبعهم، فتسيل من أقلامهم وتنساب من أفواههم الاتهامات المكارثية ضد كل من يخالفهم أو يعزز وجهة نظر لا تخدم مصالحهم وتطلعاتهم التي قد تكون مشروعةً في جوهرها وإن اختلف البعض مع وسيلة تحقيقها.
مقال الكاتب المعروف فهد الخيطان الذي نشره منذ فترة وجيزة حول ما سماه "الحقائق الخمس في قضية الأمير حمزة" وأثارت جدلاً وصخباً مع أنه ليس من أفضل ما كتب بل هو من وجهة نظري أقرب إلى البيان الصحفي منه إلى المقال وهذا قد يكون له ما يبرره عند الكاتب؛ كان فاتحةً لسيل من الانتقادات ضده التي كان بعضها هادئاً وموضوعياً في حين اتسم جلها بالديماغوجية الجارفة التي كما قلنا تسود حلبة الاستقطاب وما يعتريها من تجاذبات غالباً ما تنحدر لمستويات معيبة من الشخصنة والتجريح.
المكارثيون من متعهدي حفلات تدشين الوسوم المسيئة ضد كل مخالف؛ انزعجوا من تبني المقال للرواية الرسمية واستخدام عبارات مباشرة وواضحة اعتبروها "إطالة لسان على الأمير" مطالبين الرجل بالاعتذار وطلب الصفح والغفران، في حين أن من يقرأ المقال لا يجد فيه حدةً في التوصيف أو اللغة المستخدمة تفوق ما جاء في البيانات الرسمية ابتداءً من بيان رئيس هيئة الأركان مروراً ببيان وزير الخارجية انتهاءً بالرسالة الملكية المكتوبة التي تمت تلاوتها على الشعب عقب الإعلان عن محاصرة الأزمة، بل وحتى في كلمات الملك في لقائه الأخير مع شخصيات قيادية من مختلف المحافظات الذي أعلن خلاله عن رغبته بإخلاء سبيل الموقوفين ممن "تم التغرير بهم"، وهذا التصرف من جانب الأستاذ فهد الخيطان ليس جريمة بل هو ممارسة لحقه في التعبير وحريته في تبني الرواية التي وجدها مقنعةً من وجهة نظره.
الكاتب المعروف أحمد حسن الزعبي كان ممن صرحوا بامتعاضهم من مقال الخيطان وكال له الانتقادات اللاذعة على ما اعتبره "تطاولا"، وكان آخر ما صرح به مع توجيه الملك بإخلاء سبيل الموقوفين يوم الخميس الماضي، من خلال حسابه على تويتر "بعد الإفراج عن المعتقلين...ما موقف السيد فهد الخيطان مستر كونان وساعة الصفر والحبكات الهوليوودية خاصته، كان شاد ع آباطه كثير قبل أيام. أ.ح.ز” https://twitter.com/alzoubi_ahmed/status/1385235967389351948
سبق هذه التغريدة حزمة تغريدات من الكاتب نفسه على طريقة "الكلام إلِك يا جارة" يتحدث فيها عمّن أسماهم ووصفهم ب"الكتاب وقادة الرأي المأجورين... لاعقي الأحذية..." وما إلى ذلك من العبارات غير اللائقة والمسيئة.
الهجوم الشرس على كاتب لم يخرج في مقاله عن سردية أكدتها بيانات الحكومة ولم تنقضها –كما رأى كثيرون- السياقات والمضامين العميقة للمقاطع الصوتية المختلفة التي تم تسريبها وتداولها عن قصد ولغاية محددة؛ يعكس الانجراف التلقائي لشخصيات نخبوية تنعى على فهد الخيطان ما تلبست هي به وتجلى في تصريحاتها وتلميحاتها من انقياد لوجهة نظر مبنية على فرضيات وتحليلات شخصية تغذي تطلعات كما قلنا قد تكون في جوهرها مشروعة.
طرح د. حسن البراري من خلال مقطع فيديو بعض القراءات والاستنتاجات الشخصية المتعلقة بالمقالة على أنها حقائق مطلقة ومسلم بها، فتراه يقول: "إن الأردنيين جميعهم ملتفون حول الأمير... واستشهاد الخيطان بموقف الدول الأجنبية التي سارعت لتأييد الملك والدولة في ما اتخذته من إجراءات بأنه دليل على صحة الرواية الرسمية، إنما هو تلبيس على الناس لأن هناك العديد من كتاب الرأي والدبلوماسيين صرحوا بعدم تصديقهم للرواية الرسمية التي يدافع عنها الخيطان...". هذا القول من جانب د. البراري لا يعدو أن يكون بدوره تلبيس وتعميم حتماً غير مقصودين؛ وهو الشخصية الأكاديمية المحترمة. فالحكم بأن "الأردنيين جميعهم ملتفون حول الأمير حمزة في هذه القضية" هو قول انطباعي بل انفعالي لأنه بدوره لا يسنده برهان استطلاعي موثوق، فما هو إلا قراءة شخصية انتقائية لما يتم تداوله عبر تويتر والفيسبوك دون أي دليل إحصائي أو استقصائي. أما عن تفنيد حجة الخيطان المتعلقة بإعلان معظم دول العالم تأييدها للملك وما اتخذته الدولة من خطوات لمحاصرة ما حدث والنعي عليه بأنه يتناقض وما نشرته الصحف الأجنبية وما صرح به بعض الدبلوماسيين، فهو أيضاً انتقائي لأنه يغفل ما نشرته صحف أخرى مثل واشنطن بوست في بداية الأزمة وما نشر أيضاً في نيورك تايمز وميدل ايست آي، هذا فضلاً عن البيانات الرسمية التي صدرت فعلاً عن قادة دول ووزراء خارجيتها، ناهيك أن الأستاذ فهد الخيطان استشهد بمواقف رسمية وليس بكتاب أعمدة في صحف أجنبية.
الاختلاف مع ما كتبه الأستاذ فهد الخيطان مشروع بل هو ضروري ومطلوب متى قام على تحليل موضوعي وعقلاني مجرد عن التأثر بحالة الاستقطاب السائدة التي كان يفترض أن يكون دعاة الإصلاح والأفق المفتوح الذي يستوعب الجميع؛ أبعد من يقع في شَرَكها، أما تناول الرجل بالقدح والشتائم وإقامة وليمة تغريدات وبث حي وميت على وسائل التواصل الاجتماعي لنهش الرجل والطعن فيه من غالبية تحركها العاطفة والانفعال أو نعته "بنعومة" بأوصاف لا تليق، وإطالة اللسان عليه ثم المطالبة بمحاسبته بـ "إطالة اللسان" لأنه قال كلمة أو تبنى وجهة نظر، فهو مسلك أقل ما يقال فيه أنه ينطبق عليه قول الشاعر: "لا تنهَ عن خلقٍ وتأتي مثلهُ، عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ".
لم يرتكب فهد الخيطان جريمة ولطالما انتقد أداء الحكومة ومؤسسات الدولة ودافع في كتاباته عن حرية الرأي والتعبير، لذلك فكتاب الرأي أياً كان موقفهم مما حدث وتوصيفهم له، مطالبون بوقفة مع الذات لمراجعة تعاطيهم مع من يخالفهم للتعامل معه ببمهنية وخلق بعيداً عن الشخصنة والتجريح والتشويه وغيرها من المسلكيات المتأصلة في المكارثيون الجدد.
 

تابعو جهينة نيوز على google news